Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حداد المخيمات" ينافس خيم المنظمات الإنسانية التي "تطيرها الرياح"

ورشته في حقل زيتون صغير شمال غربي سوريا ويساعده أقرباؤه

يتربع جمعة المصطيف الملقب بـ"حداد المخيمات"، على الأرض وبواسطة منشاره الكهربائي ينهمك في قطع أنابيب حديدية سيستخدمها لاحقاً في صناعة خيم جديدة للنازحين بين حقول الزيتون في شمال غربي سوريا.
ويقول المصطيف (34 سنة) "لا يتوقف الطلب على الخيم"، خصوصاً مع حركة النزوح الضخمة التي شهدتها محافظة إدلب قبل أشهر واقتراب فصل الشتاء.
ويصنع المصيطف، النازح بدوره من قرية سنجار جنوب إدلب، خيماً متينة قادرة على حماية قاطنيها من الأمطار والعواصف، مستفيداً من خبرة راكمها لسنوات في مهنة الحدادة.
قبل عامين، فرّ المصطيف من قريته التي كان يمتلك فيها 5 محلات حدادة ولجأ إلى المخيمات في منطقة أطمة قرب الحدود التركية، حيث بنى خيمة ليسكن فيها مع عائلته.
ويقول الرجل الأب لأربعة أطفال، "رآها الناس، وبدأوا يطلبون مني تفصيل الخيم لهم".
وتحولت بذلك صناعة الخيم إلى مهنة جديدة له، يقل الطلب فيها أو يزيد بحسب موجات النزوح التي تشهدها باستمرار المحافظة، الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتأوي ثلاثة ملايين نسمة نصفهم من النازحين.

ورشة متنقلة


ومنذ نهاية أبريل (نيسان)، ولمدة أربعة أشهر تقريباً، فرّ أكثر من 400 ألف شخص من ريف إدلب الجنوبي ومناطق بمحاذاتها، على وقع هجوم جديد شنّته قوات النظام بدعم روسي وسيطرت خلاله على مناطق عدة قبل إعلان وقف لإطلاق النار برعاية روسية تركية في نهاية أغسطس (آب).
ومع ازدياد أعداد النازحين، وعدم قدرة المخيمات في أطمة على استقبال المزيد منهم، انتقل المصطيف، تاركاً عائلته خلفه، للعمل في قرية حزانو التي انتشرت في محيطها المخيمات العشوائية الجديدة.
وفي حزانو، اتخذ المصطيف من حقل صغير بين أشجار الزيتون ورشة جديدة له. يعمل الشاب الملتحي الأسمر في الهواء الطلق بمساعدة أقربائه، وبينهم أحمد، الطفل في الـ13 من العمر، الذي اضطر إلى العمل لمساعدة عائلته.
ينهمك الفريق في العمل الذي تتخلله فترات استراحة قصيرة لشرب الشاي، على مرأى من النازحين الذين يفترشون الأرض تحت أشجار الزيتون بالقرب منهم.
تصل شاحنة صغيرة محملة بأنابيب الحديد، يأخذ أحدهم القياس، ينهمك آخر بقطعها وثالث بتركيبها، قبل أن تتحول شيئاً فشيئاً إلى هيكل خيمة كبيرة يعرضها المصطيف على زبائن جدد من النازحين.
وخلال شهر واحد، صنع المصطيف وفريقه أكثر من 150 خيمة.

صناعة خلقتها أزمة النزوح


يفتخر الشاب النحيل بعمله قائلاً إن الخيم التي يصنعها "أمتن وأقوى على مواجهة الأمطار والعواصف" من تلك التي توزعها المنظمات الإنسانية والتي "تطيرها الرياح" بسهولة.
تختلف مدة صناعة الخيمة وكلفتها بحسب الحجم. وتحتاج الأكبر، بطول تسعة أمتار وعرض أربعة أمتار، إلى ست ساعات عمل وكلفتها 140 ألف ليرة سورية (حوالى 320 دولاراً)، مقابل ثلاث ساعات للأصغر مقابل 50 ألف ليرة سورية (114 دولاراً).
وعلى الزبون أيضاً أن يشتري شوادر يغطي بها الهياكل الحديدة ويصنع أرضية من إسمنت لتثبيت الخيمة بشكل أفضل.
ويقول المصطيف "ما نجنيه يقتصر على أرباح بسيطة تساعدنا على تأمين قوت يومنا (...) والصرف على عوائلنا".
ويضيف "أنا نازح مثلهم، لا أربح منهم لأني أحس بهم وبوجعهم (..) أنا ربما أعمل قليلاً في صناعة هياكل الخيم لكن غيري لا يعمل أبداً".
قبل ثلاث سنوات، نزح رسلان الحسن (48 سنة) مع زوجته وأطفاله الثمانية من جنوب إدلب إلى حقول قرية حزانو.
ويقول الرجل، الذي يرتدي عباءة ويضع على رأسه كوفية بيضاء وحمراء اللون، "الخيم الموجودة لا تصلح لفصل الشتاء".
ولكي لا يكرر معاناته هذا العام أيضاً، قرر رسلان شراء خيمة من المصطيف وها هو يأتي لاستلامها.
ويقول رسلان "جمعت ثمن الخيمة بعدما اقترضت من أقربائي وأصدقائي، أخذت من أحدهم خمسة آلاف ليرة ومن آخر عشرة آلاف ليرة وهكذا".
يحمل رسلان الأنابيب الحديدية المتصلة ببعضها على كتفه، ويسير بها عشرات الأمتار بمساعدة المصطيف وشبان آخرين لوضعها مكان خيمته القديمة.
يجري عشرات الأطفال حوله للمساعدة، يحملون سوياً قطع القماش المختلفة التي جرت خياطتها ببعضها البعض، ليضعوها مع رسلان فوق الهيكل الحديدي، وتصبح الخيمة الجديدة شبه جاهزة للسكن.
لعدم توافر الأموال اللازمة، اضطر رسلان للاكتفاء بخيمة صغيرة، يأمل أن يضيف عليها يوماً ما أرضية من إسمنت لتمكينها، لكن قدرته المالية لا تسمح له بذلك.
ويقول "نحن عشرة أفراد، هذه الخيمة صغيرة علينا (..) لكن هذا هو حالنا".

المزيد من العالم العربي