على الرغم من تأكيد البيان الصادر عن الأسطول الخامس الأميركي، أن دخول حاملة الطائرات "إبراهام لينكولن" والسفن المرافقة لها مياه الخليج لا يمثل تصعيداً للتوتر، فإن غالبية التحليلات تشير إلى أن هذا التطور يحمل رسائل عدة لإيران، في وقت تعاني طهران من تظاهرات وتحديات اقتصادية في الداخل، واحتجاجات ضد نفوذها في الخارج، فما هي هذه الرسائل؟ ولماذا استغرق انتقال هذه القوة العسكرية الضاربة من بحر العرب قرب مضيق هرمز، إلى الخليج نحو سبعة أشهر كاملة؟
منذ وصول حاملة الطائرات لينكولن إلى مياه بحر العرب قبالة سواحل عُمان في مايو (أيار) الماضي، بعد أن دعا مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي لمواجهة أي اعتداء إيراني، ظلت حاملة الطائرات والسفن المرافقة لها تعمل في إطار عملياتي محدود شمال بحر العرب وفي خليج عُمان، لكنها تحركت أخيراً ودخلت بأمان مياه الخليج، لتصبح في موضع جغرافي أقرب من إيران، وتحصل في الوقت ذاته على تسهيلات بحرية وخدمات أفضل من مقر قيادة الأسطول الخامس الأميركي المتموضع في البحرين.
وتُعد "إبراهام لينكولن"، خامس حاملة طائرات من طراز نيمتز في البحرية الأميركية، وتسير بالطاقة النووية وتحمل 90 طائرة منوعة بين قتالية ومروحية نظراً إلى حجمها الذي يجعلها من أكبر حاملات الطائرات في العالم.
وترافقها مجموعة من سفن البحرية، ومدمرة وطراد صواريخ موجهة وأسراب طيران. وصدر قرار بتمديد عمل لينكولن التي كان يتوقع أن تحل محلها حاملة الطائرات هاري ترومان، لكن أعمال الصيانة في نظام التوزيع الكهربائي بها امتدت لفترة أطول.
أفعال وأقوال
فيما يشير خبراء ومحللون سياسيون في واشنطن، إلى أن إيران المنهارة اقتصادياً والتي تواجه احتجاجات الداخل على زيادة أسعار البنزين بقتل المتظاهرين، بينما تشجع وتعمل على سيناريوات مماثلة لقمع الاحتجاجات ضد النفوذ الإيراني في كل من العراق ولبنان، قد تغامر تحت الضغط بعملية عسكرية محدودة ضد واشنطن وحلفائها، في محاولة أخرى لإظهار تحديها للغرب والتأكيد للجميع في الداخل الإيراني وفي الشرق الأوسط، أنها لن ترضخ لمحاولات تقليص نفوذها في المنطقة وبما يتماشى مع نظرية المؤامرة التي تسوقها هنا وهناك.
ولهذا أرادت الولايات المتحدة من وراء إدخال لينكولن إلى الخليج، ردع الأفعال الإيرانية العدائية المتهورة، وتأكيد التزام واشنطن بالأمن الإقليمي في الخليج وبحرية الملاحة.
تأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من إجراء أميركا تدريبات عسكرية ضخمة ضمت 60 دولة وعززت قواتها بنشر 14 ألف جندي في السعودية لحماية حلفائها، كما أنشأت تحالفاً بحرياً مقره البحرين لحماية السفن في مياه الخليج المتوترة.
ويشير تقرير صادر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن إلى أن إيران لم تتفاعل إيجابياً مع اللغة الدبلوماسية الأميركية، ولهذا عمدت إدارة ترمب إلى تعزيز دبلوماسيتها عبر تحريك لينكولن إلى مياه الخليج لتقترن الأفعال بالأقوال.
ويؤكد التقرير الذي أعده فريق بقيادة برادلي بومان كبير الباحثين في المؤسسة، أن تحريك لينكولن إلى الخليج يعكس ما عبر عنه جوزيف فوتيل قائد القيادة الأميركية الوسطى في مارس (آذار) الماضي من أنه لا يتوافر لواشنطن حاملات طائرات كافية في الخليج، وأن تصرفات إيران الرعناء تمثل تهديداً لمصالح أميركا الحيوية في الشرق الأوسط والتجارة الدولية وشركاء أميركا.
تقارير استخباراتية
ذكرت الوكالات الاستخباراتية الأميركية، في تقرير لها هذه السنة حول التهديدات الدولية حول العالم، أن إيران تواصل تطوير وتحسين ومدى قدراتها العسكرية بما يُمكنها من تهديد الولايات المتحدة وحلفائها وعرقلة الملاحة في خليج هرمز، وأن هذه القدرات تشمل زرع ألغام بحرية وشن هجمات بالزوارق المتفجرة والصواريخ المضادة للسفن والغواصات والطائرات من دون طيار.
وأشار تقرير صادر يوم الثلاثاء الماضي (19-11-2019) من وكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون إلى أن إيران تسعى لمنع أعدائها من الدخول إلى المناطق التي تعتبرها أساسية وحيوية بالنسبة إليها، عبر تدعيم وجودها في الخليج ومضيق هرمز، وأن إيران تستخدم قواتها البحرية لإظهار قدرتها لتهديد حرية الملاحة.
ويقول الكابتن والتر سلوتر وهو ضابط قيادي على متن لينكولن، إن حاملة الطائرات تحمل معها قدرات وإمكانات هائلة أينما حلت.
تعاظم الخطر الإيراني
في المقابل، يحذر التقرير الذي نشره البنتاغون من أن إيران تسعى إلى نشر مزيد من الصواريخ الباليستية الدقيقة في المستقبل، كما ستنشر صواريخ كروز مبرمجة للهجمات الأرضية، وتدرس خلال سنوات مقبلة، المساهمة بقوات لها مع بعثات حفظ السلام الدولية متعددة الجنسيات، وقد تشيد قواعد عسكرية لها في الدول الحليفة.
ولم يخف التقرير الأميركي قلقه من احتمال أن تشتري إيران طائرات مقاتلة متطورة ودبابات حديثة من روسيا والصين عندما يتم رفع الحظر المفروض من الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وفقاً لاتفاق إيران الدولي المبرم عام 2015.
وأكدت دراسة مشتركة بين جامعة كولومبيا ومركز نيو أميركان سيكيوريتي أن التوتر بين إيران والولايات المتحدة قد يُجبر البنتاغون على إبقاء القوات والمعدات الأميركية في الشرق الأوسط لسنوات أخرى مقبلة، لحماية شحنات النفط والرد على هجمات تستهدف حلفاء واشنطن.
ويضيف التقرير الصادر بعنوان "انعكاسات التوتر الأميركي الإيراني على أسواق النفط العالمية" أن سيناريوات تمكن إيران من إصابة أسواق النفط العالمية بضرر كبير يستمر لسنوات، غير محتملة إلى حد بعيد، لكن الولايات المتحدة قد تكون مضطرة إلى الإبقاء على قوات كبيرة في المنطقة تشمل طائرات ونظم دفاع جوي وصاروخي وسفناً حربية تكون دائماً على أهبة الاستعداد، خصوصاً بعد أن أظهرت إيران قدرتها على استهداف منشآت نفطية بدقة.
امتداد من التاريخ
على مدى سبعة عقود، لعبت الولايات المتحدة دوراً هاماً في الشرق الأوسط والخليج بخاصة، لحماية إمدادات النفط ضد إيران التي مثلت تهديداً لها، وهو دور أسسه الملك عبد العزيز آل سعود حين التقى عام 1945 مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في أول محادثات تجري بينهما فوق سطح سفينة حربية أميركية.
ويقول خبراء أمنيون إن إرسال لينكولن إلى الخليج سيشكل رسالة تحد أميركية عقب شهور من التصعيد الإيراني.