Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصاد اللبناني يتقهقر وقدرته على الصمود تتضاءل

لم يشهد لبنان أزمة خانقة كتلك التي يشهدها اليوم حتى في عز الحرب الأهلية أو الحصار الإسرائيلي

لبنانيون على رافعة في ساحة الشهداء في بيروت خلال الاحتفال المدني بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال (أ. ب.)

هل دخل لبنان فعلاً حلقة الانهيار الاقتصادي والمالي؟ أو أن ما تشهده البلاد حالياً ليس إلا الخطوات الأخيرة التي تسبق الإفلاس؟ وفي الحالتين، إلى متى يستطيع لبنان أن يصمد اقتصادياً بما يحول دون انفجاره اجتماعياً؟
ليست هذه الأسئلة إلا عينة من الهواجس التي تقلق اللبنانيين الرازحين تحت عبء أزمة نقدية- مالية- اقتصادية- معيشية، بدأت تتفجر بشكل متنامٍ، بعد أشهر من التحذيرات التي لم تلق آذاناً صاغية لدى السلطة السياسية المنشغلة بمناكفاتها السياسية.
وفي حين رفعت الانتفاضة الشعبية درجة الخطورة إلى أقصاها، بعدما نزل اللبنانيون بمئات الآلاف إلى الساحات والشوارع في العاصمة بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، مطالبين بوقف الاستهتار بحقوقهم وبمكافحة الفساد الذي أدى إلى تفاقم المديونية، واسترداد الأموال المنهوبة من أمام الشعب، فإن الغياب الرسمي الفاقع عن معالجة الأزمة، أدى إلى دخول البلاد في حلقة الانهيار الفعلي، ولم يعد أمامها وقت طويل قبل أن تنهار مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية في ظل الضغط الذي تتعرض له.
كل القطاعات تعاني على ما يقول القيمون على المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية والخدماتية. وفي جردة لأوضاع هذه القطاعات يمكن القول إن لبنان لم يشهد أزمة خانقة كتلك التي يشهدها اليوم، حتى في عز الحرب الأهلية أو الحصار الإسرائيلي.
أول مؤشرات التدهور، بدأ منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما انفجرت أزمة سيولة حادة ونقص في الدولار الأميركي، شكلت المدماك الأول في الطريق نحو الانهيار. إذ إنه وعلى الرغم من تطمينات المصرف المركزي وإصداره تعميماً في نهاية سبتمبر يضع آلية لفتح الاعتمادات المصرفية بالدولار لتنظيم استيراد القمح والدواء والفيول، فإن التعميم لم يخفف الضغط على الدولار ولم يساعد في تنظيم الاستيراد، لتظل الأزمة على وتيرتها، وازدادت اليوم مع الإجراءات الحديدية لجمعية مصارف لبنان التي وضعت سقفاً للاعتمادات، وقيوداً على التحويلات إلى الخارج باستثناء الحاجات الشخصية الملحة.


قصة شعر؟ (Hair Cut)

أدت القيود المصرفية الجديدة إلى حال من الهلع في أوساط المودعين والعملاء، خصوصاً بعدما أصبحت هواجسهم حيال أموالهم في المصارف مبررة في ظل المعلومات التي تتردد عن توجه غير رسمي بعد إلى اعتماد آلية "قص الشعر" أو HairCut"  على سندات الـ "يوروبوندز" كخطوة أولى، يعقبها إجراء مماثل على الودائع. ويجري حالياً درس النسب التي سيتم اعتمادها، والآلية القانونية الواجب اعتمادها من أجل إضفاء الغطاء القانوني على الإجراء، منعاً لتعريض المصارف إلى الملاحقة القانونية.
يذكر أن سندات لبنان الحكومية المقومة بالدولار كانت سجلت تراجعاً إلى مستويات قياسية جديدة متدنية، بعد أن خسرت بالفعل ما يزيد على ثلث قيمتها منذ بدء الاحتجاجات قبل ما يزيد على شهر.
أزمة السيولة لا تقتصر على التعاملات المصرفية، بل بدأت القطاعات المختلفة تعاني منها، لا سيما القطاعات الصناعية والتجارية، بعدما أصبحت القيود أكثر شدة على استيراد المواد الأولية اللازمة للصناعات المحلية، وأيضاً على المعدات الاستشفائية.
ويعني ذلك أن القطاعات الأكثر حيوية ستكون عرضةً للتوقف أو تراجع العمل مثل المستشفيات والصيدليات والمعامل.
وأعلن نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أن المستشفيات تعاني أزمة سيولة حادة، واصفاً الأزمة بأنها الأقسى وتتجه نحو مزيد من التدهور، فيما اضطرت بعض المؤسسات إلى الإقفال التام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خفض رواتب وصرف عمال

وبالنسبة إلى الارتدادات السلبية على المستشفيات، يحذر نقيب الصيادلة غسان الأمين من أن مخزون الأدوية بدأ بالنفاذ ولن يكفي لأكثر من شهرين، لا سيما بالنسبة الى الأدوية المختصة بالأمراض المزمنة أو المستعصية.
وحال المواد الاستهلاكية لن يكون أفضل مع تراجع مخزون المحال التجارية والسوبرماركت. إلا أن الأزمة الحقيقية التي بدأت تلقي بثقلها على كاهل اللبنانيين، تكمن في تراجع قدرة المؤسسات الاقتصادية على الصمود. وهذا الواقع أدى إلى لجوء مؤسسات كبرى إلى إجراء من اثنين: إما خفض رواتب الموظفين والعمال بنِسَب تراوحت بين 30 و40 في المئة، وإما الصرف.
ويكشف رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس أن "الجمعية لاحظت، خلال إجراء مسح شامل لبيروت في بداية العام، أن نسبة إقفال المحال تراوح ما بين 5 و12 في المئة بحسب الأحياء"، مشيراً إلى أن "بعض اللبنانيين تركوا محالهم وبادر مالكوها إلى تأجيرها لأجانب بعدما وقع اللبناني في الإفلاس".
وعزا شمّاس السبب الرئيسي لتلك الظاهرة إلى "التعثّر المالي للمؤسسات التجارية بعد معاناةٍ لسنوات نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي منذ عام 2011 وحتى اليوم. هو تراجع مستمر ومتفاقم، إضافة إلى انعكاسات سلسلة الرتب والرواتب التي أدّت إلى فرض ضرائب جديدة في عامي 2017  و2019، وطاولت كل جوانب الاقتصاد: الاستهلاك، الاستثمار، التوظيف، الاستيراد والتصدير والمعاملات. إلى جانب أزمة النزوح السوري على مستوى الشركات والأفراد.


مليون شخص مهدد

ويشير شمّاس إلى أن مليون موظف باتوا مهددين اليوم بسبب الأزمة الاقتصادية، منبهاً من أن ما بين 150 إلى 200 ألف موظف، سيتم صرفهم خلال شهرين إذا استمرت الأزمة على حالها، ولم تتم معالجتها بما يجنب البلاد هذا الواقع.
وكشف شماس أن 50 في المئة من المؤسسات التجارية تتجه إلى دفع 50 في المئة من رواتب موظفيها.


القطاع العام غير مهدد

أما على صعيد القطاع العام، وعلى الرغم من أن وضع المالية العامة بات في مرحلة خطيرة جداً، نتيجة عجز الدولة عن تأمين حاجاتها التمويلية، لا يزال وزير المال علي حسن خليل يطمئن إلى أن رواتب موظفي القطاع العام مؤمنة حتى نهاية السنة، علماً أن هناك إصدار يوروبوند يستحق في نهاية الشهر الحالي، بقيمة مليار ونصف مليار دولار تضاف إليه الفوائد، سيتحمل المصرف المركزي وحده الاكتتاب به بعدما تمنعت المصارف عن المشاركة في ظل شُح السيولة لديها وتجميدها في المصرف المركزي.

المزيد من العالم العربي