في تقريرٍ حديثٍ، خفَّضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي إلى أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية قبل عقد مضى، وسط التحديات المتزايدة.
وتوقَّعت المنظمة خلال تحديث لتوقعاتها بشأن الآفاق الاقتصادية، أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 2.9% في العامين الحالي والمقبل، وهو أدنى مستوى في عقد من الزمن. وتعدُّ هذه التقديرات أقل من توقعات سبتمبر (أيلول) الماضي التي كانت تشير إلى نمو بنحو 3% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عام 2020، لكن يتوقع أن يتوسّع اقتصاد العالم بنحو 3% خلال عام 2021، وكان الاقتصاد العالمي شهد نمواً بنسبة 3.5% خلال عام 2018.
وحسب التقرير، فإن هناك حاجة إلى اتخاذ تحركات جريئة من أجل معالجة كل من المستويات المرتفعة من عدم اليقين التي تواجه الشركات، إضافة إلى التحديات الرئيسة التي تحدث في الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، فإن هناك قلقاً أكبر من فشل الحكومات في التغلب على التحديات العالمية مثل تغير المناخ إضافة إلى رقمنة الاقتصادات.
استمرار حالة عدم اليقين
المنظمة أكدت أنه قد يكون من الخطأ أن تعدُّ السياسة تلك التحولات عوامل مؤقتة يمكن معالجتها عبر السياسة المالية أو السياسة النقدية، مع حقيقة أنها بمثابة عوامل هيكلية، لكن في الوقت نفسه من المتوقع أن تستمر حالة عدم اليقين بشكل مرتفع ما لم يتم تحديد اتجاه واضح للسياسة في قضايا كهذه.
وخفَّضت المنظمة تقديرات نمو الاقتصاد في الولايات المتحدة إلى 2.3% خلال العام الحالي، وهو أقل من 2.4% المتوقعة في سبتمبر (أيلول) الماضي، كما من المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد حول العالم ارتفاعاً بنحو 2% خلال عامي 2020 و2021.
في حين رفعت منظمة التعاون الاقتصادي تقديرات نمو الاقتصاد بالصين من 6.1% خلال العام الماضي لتصل إلى نحو 6.2% خلال العام الحالي، لكنّها حذرت في الوقت نفسه، من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يستمر في فقدان الزخم، إذ من المتوقع أن يسجل نمواً بنحو 5.7% و5.5% في عامي 2020 و2021.
وبالنسبة إلى الوضع في منطقة اليورو، فإن التقديرات تشير إلى أنها سوف تسجِّل توسعاً بنحو 1.2% و1.1% على الترتيب خلال العامين الحالي والمقبل، وهو أعلى بنحو 0.1% عن التقديرات السابقة، كما ترى المنظمة أن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو سوف يشهد نمواً بنحو 1.2% خلال العام 2021.
وأشار التقرير إلى تحسُّن الآفاق الاقتصادية للمملكة المتحدة قليلاً لتصبح 1.25 هذا العام بدلاً من 1% المتوقعة سابقاً، وسط تراجع احتمالات البريكست الصعب حتى الآن، ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 1% و1.2% خلال عامي 2020 و2021.
مدفوعات بنوك منطقة اليورو على الاحتياطيات ترتفع تدريجياً
وحذَّرت المنظمة من أن الآثار السلبية لمعدلات الفائدة السالبة على البنوك ستتفاقم فقط، ما دام المركزي الأوروبي يواصل برنامجه لشراء الأصول.
وذكرت أن مدفوعات البنوك في منطقة اليورو على الاحتياطيات الزائدة للنبوك سوف ترتفع تدريجياً بمرور الوقت إذا أصبحت مشتريات المركزي الأوروبي من الأصول تُشكل احتياطيات أعلى.
وبدأ المركزي الأوروبي برنامج لشراء الأصول بوتيرة شهرية قدرها 20 مليار يورو (22 مليار دولار) بدايةً من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهي الخطوة التي لم يحدد البنك موعداً لنهايتها، بل قال إن هذا البرنامج سوف يستمر ما دامت تستلزم الضرورة. وبموجب هذا السيناريو، فإن مدفوعات البنوك بفعل الاحتياطيات الفائضة في منطقة اليورو قد ترتفع بنحو 17% في عام 2020.
وأوضحت منظمة التعاون الاقتصادي أنه في حين بمقدور البنوك المركزية تخفيف أثر معدلات الفائدة السالبة عبر تدابير مثل الإعفاءات التي تصل إلى مستوى معين إلا أنها تقوض أثر التحفيز. وسلطت المنظمة الضوء كذلك على الآثار غير المواتية من معدلات الفائدة دون الصفر (السالبة) على صناديق المعاشات والمؤسسات المالية التي تقدم سياسات التأمين على الحياة.
وقالت إن معدلات الفائدة السالبة المستدامة على ديون ذات آجال استحقاق طويلة الآجل من المرجح قد تحفز شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية لتحقيق التوازن في محافظهم الاستثمارية من الأصول الآمنة للأصول الخطرة مع تأمين المخاطر لعملائهم.
وأشارت المنظمة إلى أنه من شأن ذلك زيادة فرص معالجة الخسائر المالية، خصوصاً خلال فترة الاتجاه الهابط في الاقتصاد.
تأثيرٌ سلبيٌّ كبيرٌ للحواجز التجارية
في سياقٍ متصلٍ، وعلى صعيد الأزمة والحروب التجارية القائمة بين واشنطن وبكين، حذَّرت منظمة التجارة العالمية من وصول الحواجز التجارية التي وضعتها دول مجموعة العشرين إلى مستويات مرتفعة تاريخياً، مشيرةً إلى التأثير السلبي لذلك على النمو الاقتصادي العالمي.
وأوضحت أن اقتصادات مجموعة العشرين فرضت 28 حاجزاً جديداً في الفترة بين منتصف مايو (أيار) الماضي إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تغطي تجارة تقدر بنحو 460.4 مليار دولار.
وأوضحت المنظمة أن هذه القيود المفروضة تتجاوز مثيلتها في الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2018 إلى مايو (أيار) من العام الحالي بنسبة 37%، إذ ارتفع حجم التجارة العالمية الذي تغطيه هذه التدابير بشكل كبير.
وفي التقرير الذي أعدَّته المنظمة، قال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرت أزيفيدو، "للمستويات المرتفعة تاريخياً من التدابير المقيدة للتجارة تأثيرٌ واضحٌ على النمو، وإيجاد فرص العمل، والقوة الشرائية في جميع أنحاء العالم".
وأضاف، "نحن بحاجة إلى رؤية قيادة قوية من اقتصادات مجموعة العشرين إذا كنا نريد تجنُّب زيادة عدم اليقين، وانخفاض الاستثمار وحتى ضعف نمو التجارة".
وخفَّضت منظمة التجارة توقعاتها لنمو تجارة السلع في 2019 إلى 1.2%، وهو الأبطأ منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت اقتصادات العالم خلال العام 2008 وأقل من التقديرات السابقة البالغة 2.6%.
وأكدت المنظمة أن القيود الجديدة وزيادة التوترات التجارية يؤديان إلى ارتفاع حالة عدم اليقين، ومن ثمَّ تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، قررت الولايات المتحدة زيادة التعريفات الجمركية على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار إلى مستوى 25% من 10%. وأُجريت عدة جولات من المفاوضات بين واشنطن وبكين، لكنها لم تقدم أي جديد، فيما يعوِّل البعض على المفاوضات الجارية التي تشير بعض التوقعات إلى أنها سوف تلحق بالمفاوضات السابقة، ولن تتسبب في وقف الحرب التجارية القائمة منذ أكثر من 16 شهراً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
مجموعة العشرين تقيم 28 حاجزاً تجارياً جديداً
منظمة التجارة العالمية أشارت أيضاً إلى أن اقتصادات مجموعة العشرين أقامت 28 حاجزاً تجارياً جديداً في الفترة من منتصف مايو (أيار) إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين تغطي تجارة حجمها 460.4 مليار دولار، وبصفة رئيسة من خلال زيادات في الرسوم الجمركية وحظر واردات.
وتجاوزت تلك القيود مثيلتها في الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2018 إلى مايو (أيار) من العام الحالي بنسبة 3%، إذ ارتفع بشكل كبير حجم التجارة العالمية الذي تغطيه مثل تلك الإجراءات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال مدير عام المنظمة، "المستويات غير المسبوقة لقيود التجارة لها أثرٌ واضحٌ على النمو وخلق الوظائف والقدرة الشرائية في أنحاء العالم. نريد أن نرى قيادة قوية من اقتصادات مجموعة العشرين إذا أردنا تفادي تنامي الضبابية وانخفاض الاستثمار والمزيد من ضعف نمو التجارة".
وأشارت منظمة التجارة إلى أن حجم النمو في تجارة السلع العالمية من المتوقع أن يظل "دون المعدلات" خلال الربع الرابع من العام وسط توترات وزيادة الرسوم الجمركية في قطاعات رئيسية.
وأظهر أحدث مؤشر فصلي للمنظمة نمواً نسبته 0.2% في تجارة السلع العالمية في الربع الثاني مقارنة مع 3.5% في الفترة نفسها من 2018.
وأوضحت أن بعض مكونات المؤشر استقرَّ منذ القراءة السابقة في أغسطس (آب) الماضي، في حين تظل أخرى في مسار نزولي نظراً إلى زيادة التوترات التجارية وزيادة الرسوم في قطاعات رئيسية.
وأضافت، الشحن الجوي والمواد الخام والمكونات الإلكترونية تدهورت جميعها بدرجة أكبر دون المعدلات، وكانت المكونات الإلكترونية هي الأضعف وسط زيادة الرسوم، في حين تعززت منتجات السيارات والشحن بالحاويات.