رغماً عن ظروف الحرب التي أحاطت اليمنيين بسياج كئيب فرضته الحرب الدائرة في البلاد منذ قرابة الخمس سنوات، وتوقف إثرها النشاط الثقافي والفني، إلا أن ثمة نور يشع من جنوب الأفق اليمني، وتحديداً من عدن، حاضرة الفن والثقافة اليمنية بتنوعها وجذورها وجمالها الفريد، حتى بدت كمن يقاوم الظروف، لتبديد شبح الحرب!.
فن رغم المأساة
وفي مرحلة تشهد فيها اليمن أكبر كارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من 22 مليون شخص، حسب توصيف للأمم المتحدة، حملت فرقة خليج عدن على عاتقها مهمة إعادة جزء من ذلك البريق المفقود للفن اليمني الذي خفت في عتمة العنف والدمار والتشظي، بعد أن تصدت منفردة لمهمة تبدو شاقة في يمن وزمن لا صوت يعلو فيه فوق صوت العنف، لتحريك سواكن الركود الذي أصاب الحياة في عدن واليمن بالوجوم الممل، فتارة تشنف الآذان بألوان من الطرب اليمني الأصيل، وتارة أخرى تمتع جمهورها، المتسع يوما إثر آخر، بمشاهد مسرحياتها وأعمالها السينمائية التي نالت رضاهم وشغفهم فضلاً عن إشادات أهل الفن ونقاده على الصعيدين العربي والعالمي.
البداية
تأسست الفرقة منتصف العام 2005 وبعيد تدشين نشاطها، قدمت أول عمل مسرحي جماهيري لها، من خلال مسرحية "عائلة دوت كوم" وهو أول عمل مسرحي تشهده البلاد بعد غياب امتد منذ مطلع التسعينات.
عن ذلك، يقول مدير عام فرقة خليج عدن، فهد شريح، "حملنا على عاتقنا إعادة الوهج للمسرح اليمني بعد اختفائه منذ نحو ثلاثة عقود".
وبخصوص مقر الفرقة عقب اغلاق ودمار كافة دور المسارح اليمنية، أوضح "أتخذنا من دار سينما هريكن مسرحاً لنا ورغم بساطته وقدمه وافتقاره لأبسط التجهيزات الفنية، إلا أننا حاولنا ترميمه وإضاءته بجهود ذاتية".
فنانون بلا مقابل
تضم فرقة خليج عدن العشرات من الأعضاء الذين يتوزعون ما بين الممثلين والمخرجين والموسيقيين وفنيو الديكور والإضاءة والتصوير الخ... وهم مزيج من الفنانين الشباب الهواة، وذوي الخبرة.
ويلفت مدير الفرقة إلى أنهم بدأوا عملهم بجهود أعضائها وبدون مقابل.
ويتابع قائلا: "شغفنا للنجاح، وطموحنا وحبنا الكبير للفن والدراما المسرحية والتلفزيونية، كان هو زادنا ووقودنا للنجاح رغم صعوبة الامكانيات، ولهذا فسعادتنا هي التي نراها في عيون الناس واهتمامهم وتتبعهم لأنشطتنا المختلفة".
نجاح جماهيري
استطاعت الفرقة أن توجد لها مكاناً في قلوب الناس رغم زحمة هموم الحرب، بعد أن شقت صخور الواقع الصعب، ولهذا فقد توالت عليها العروض بشكل كبير بعد نجاحاتها. وفي هذا السياق يؤكد شريح "بعد النجاح الكبير الذي حققته الفرقة، توالت علينا العروض الجماهيرية وأحيينا العديد من الأعمال المسرحية التي لاقت نجاحا منقطع النظير".
أعمال مشهودة
وعن الأعمال المسرحية التي حازت مكانة مشهودة في نفوس اليمنيين يجيب: "مسرحية "بشرى سارا" التي قدمناها في مهرجان ليالي عدن المسرحي الثالث، وبعدها بعام مسرحيتي "سيدتي الجميلة" و"حلا حلا يستاهل".
التميز يلامس العالمية
مثّل العام 2009 علامة فارقة للفرقة من خلال تقديمها لعمل جماهيري كان بمثابة نقطة التحول والانطلاق نحو الشهرة والحضور اللافت في وجدان الجمهور اليمني.
يقول شريح "في هذا العام قدمنا مسرحية "معك نازل" وهي نسخة ميمننة من المسرحية الألمانية الشهيرة "الخط رقم واحد"، وقدمتها الفرقة في كل من صنعاء وعدن وبرلين وأحدثت صدى جماهيريا واسعا لم تعهده اليمن من قبل".
استثناء رغم الحرب
لم ينف مدير فرقة خليج عدن الارتدادات السلبية التي أحدثها الوضع السياسي المضطرب في البلاد على نشاط الفرقة وحضورها الجماهيري في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة، وعن هذا يعلق "قدمنا العديد من الأعمال المسرحية غير أن الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد أثر كثيراً على حضورنا الفني على الصعيدين المحلي والدولي".
ويضيف "رغم الأحداث المؤسفة التي شهدتها عدن خلال شهر اغسطس (آب) الماضي إلا أننا استطعنا اخراج مسرحية "على حرحرك" وهي آخر عمل قدمناه، وحققت أكثر المبيعات على مستوى المسرح اليمني".
نحو الدراما التليفزيونية
وتأكيدا للنجاح السريع الذي تمكنت الفرقة من إحرازه في ظل بيئة طاردة للابداع الثقافي، استطاعت تقديم عدة أعمال درامية وبرامج تلفزيونية أهمها مسلسل "فرصة أخيرة" وبرنامج "ع الماشي".
وبحسب شريح "قدمت الفرقة العديد من الأفلام الوثائقية والفلاشات التوعوية إيماناً بدورها الوطني خدمة للمجتمع اليمني بكافة شرائحه".
السينما لأول مرة
وفي زمن الدمار والمجاعة والتشظي، استطاعت الفرقة تجاوز حاجز هذا الواقع الصعب، وتمكنت من تحقيق منجز فني يمني طال انتظاره تمثل بانتاج الفيلم السينمائي "10 ايام قبل الزفة" كأول عمل سينمائي جماهيري يعرض في اليمن وكان بمثابة التدشين الفعلي لعودة الفن السابع للبلد بعد اختفائه مطلع تسعينات القرن الماضي جراء الفتاوى الدينية التي حرّمته، ونال الفيلم العديد من الجوائز الدولية بطاقم تابع للفرقة.
غياب الدعم الحكومي
وعلى الرغم من كل تلك النجاحات إلا أن أعمال الفرقة وأنشطتها، تقوم على جهود ذاتية بسيطة، إذ تعاني، بحسب مديرها التنفيذي، من غياب أي دعم حكومي ممثلاً بوزارة الثقافة المفترض بها دعم ورعاية مثل هذه المناشط، واصفاً إياه ب"الدور الغائب".
تمويل زهيد
ولتمويل تغطية أنشطتها تعتمد الفرقة على ما تتلقاه من مقابل زهيد من رعاة محليون مقابل الاعلانات. وهنا يوضح شريح: "نحصل على تمويل زهيد بالكاد يفي بتغطية نفقات الفرقة بناء على عقود حقوق الرعاية مع شركات وجهات محلية خاصة ما تزال تنظر للفن بنظرة قاصرة لا تقل عن نظرة التعاطي الرسمي للحكومات اليمنية المتعاقبة".