Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاضاة نازي سابق في محاكمة قد تكون الاخيرة من نوعها

عشرات الناجين يتقدمون مع اقاربهم بدعاوى مشتركة تتضمن الاف التهم بالقتل

صورة لإرشيف عن تاريخ مذابح الهولوكوست في ألمانيا (أ.ب.)

يمثل حارس سابق لأحد معسكرات الاعتقال النازية أمام محكمة في مدينة هامبورغ الألمانية، في ما قد تكون آخر الدعاوى القضائية من نوعها. فقد غطّى برونو داي، الذي كان قد انضمّ إلى قوات الأمن النازية الخاصة SS في سنّ المراهقة، وجهه لدى وصوله أخيراً إلى مقرّ المحكمة على كرسي متحرّك، في اليوم الثالث من محاكمةٍ مدتها 23 يوما من المقرر أن تستمر حتى أواخر فبراير (شباط) المقبل. وبسبب العمر المتقدّم للمعنيين بهذه القضية، يقتصر كلّ يوم من المرافعات على ساعتين فقط، على ألا تُعقد جلساتٌ
 إلا يومين في الأسبوع.

داي الذي يواجه 5,230 تهمة تتعلق بالقتل، نفى في بيانٍ أن يكون لديه علم بقتل جماعي في معسكر الاعتقال "ستاتهوف"، على الرغم من اعترافه برؤية سجناء يُقادون إلى غرف الغاز، واستماعه إلى صراخهم وأصوات طرقاتهم على الباب الفولاذي.

هذه القضية هي إحدى الدعاوى الأخيرة من نوعها لأسباب ليس أقلها أن أصحابها الذين كانوا ضالعين فيها صاروا في التسعينيات من العمر.

وقد بنت ألمانيا النازية معسكر "ستاتهوف" شرق دانزيغ في بولندا في 1939. واستُخدم لأول مرة نقطةَ جمعٍ رئيسية لليهود والبولنديين غير اليهود الذين أبعدوا عن المدينة. وعندما عّين المتّهم داي هناك ابتداءً من منتصف العام 1944، حشر هناك عشرات الآلاف من اليهود الذين رُحلوا من غيتوات عمِل النازيون على إزالتها في دول البلطيق ومن مخيّم أوشفيتز، بعد اعتقال الألمان آلاف المدنيين البولنديين في قمعٍ وحشي لانتفاضة وارسو.

وفي المحصّلة، قضى أكثر من 60 ألف شخصٍ نحبهم في "ستاتهوف" إما عن طريق إطلاق النار عليهم أو نتيجة الجوع أو بحِقن البنزين أو الفينول المميتة التي كانت تُغرز مباشرة في قلوبهم. وقد أُجبر آخرون على الخروج في فصل الشتاء بلا ملابس حتى ماتوا نتيجة التعرض للبرد القارس، أو أًرسلوا إلى غرف الغاز.

والآن، التقى عشرات من الناجين وأقاربهم للانضمام إلى المحاكمة بصفتهم مدّعين مشتركين. لكن السؤال يبقى: لماذا لم يمثل داي أمام العدالة إلا بعد كل هذا الوقت؟

ويوضح راجموند نيوينسكي، المحامي الذي يمثّل الناجين، أنه بعد العام 1945 مباشرة، تصدرت الأولوية ملاحقة الوجوه النازية الرئيسية. وقال إنه "بعد الحرب مباشرة، تم استهداف فقط أولئك الذين لهم صلة مباشرة بالجرائم، ولا سيما منهم بعض الشخصيات الرئيسية كتلك التي مثلت أمام محاكمات نورمبرغ، إضافةً إلى بعض الأشخاص الأقل مرتبة في محاكمات منفصلة. أما الحرّاس غير المرتبطين مباشرة بجرائم محدّدة، فلم يكونوا على لائحة المدعين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفاقم صعوبة ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب تغلغل بقايا النازيين داخل النظام القضائي الألماني، فبعض أولئك الذين يعملون قضاةً ومدّعين عامّين، كانوا قد تولّوا مناصب في الحزب النازي. ويوضح نيوينسكي أن "الأمر استغرق وقتاً مدةً طويلة قبل أن يتقلّص عدد هؤلاء الأشخاص نتيجة تقدّمهم في السن، لتنتقل الأمور إلى أيدي جيل أصغر من الشباب منعتق من عبء الماضي".

وكان إنشاء "المكتب المركزي لإدارات العدل الحكومية للتحقيق في الجرائم الاشتراكية الوطنية" (وهي الوكالة الرئيسية المسؤولة عن التحقيق في جرائم الحرب أثناء الحكم النازي) في ألمانيا العام 1958، خطوةً أساسية، لكن " يبدو أن عملها عُرقل لأعوام على أيدي أشخاص لهم ماضٍ معيّن داخل صفوف النازية".

لكن نيوينسكي البطل الأكثر تواضعاً، كانت لديه أسبابه الخاصة لأخذ هذه القضية على عاتقه. فجدّه، وهو يحمل اسمه، شارك في المقاومة البولندية أثناء الحرب. ويقول عنه "بعد استسلام الجيش، جُنّد وأصبح ضابطاً في الجيش الوطني البولندي وقاتل الألمان حتى نهاية الحرب".

ولقي جدّ نيوينسكي الاضطهاد من جانب الحكومة الشيوعية بعد الحرب مكافأةً له على شجاعته. ويقول إنه أدرج على القائمة السوداء، وعانى كثيراً من أجل العثور على عمل، ليصبح في نهاية المطاف رجل سيرك قوياً وموضع اهتمام بما يكفي لتصوير فيلم وثائقي عنه قبل وفاته في 1995. ويشعر حفيده وحامل إسم الفنّان الكبير في السيرك، بأن عليه واجب تكريمه، من خلال ضمان أن يكون جيله قادراً على إسماع صوته في المحكمة.

في الوقت الذي يتزايد فيه إنكار الهولوكوست، ومع موت معظم الناجين، يمكن أن تكون لقضايا من هذا النوع قيمة رمزية كبيرة. ولا يبدو أن الانتقام يدور في خلد أغلب أولئك الذين يتّخذون خطوة الادّعاء. ويقول المحامي نيوينسكي في هذا الإطار: "جميع موكّليَ تقريباً ينشطون أو كانوا ناشطين في الحفاظ على ذاكرة المعسكرات ".

وينطبق كلامه فعلاً على زيغي شيبر، أحد المدّعين المشاركين في القضية، الذي يبلغ من العمر 90 عاماً في يناير (كانون الثاني) المقبل. هذا المسنّ ما زال يقضي أيامه في توعية شباب بريطانيا في المدارس على امتداد البلاد، بمخاطر التعصّب من خلال سرد تجاربه على أيدي النازيّين.

وُلد شيبر في مدينة لودز البولندية، وتحمّل خلال سن المراهقة المعاناة، في سلسلة من معسكرات الاعتقال النازية، بما فيها أوشفيتز - بيركيناو وستاتهوف. لكن لا يلاحظ أيّ أثر للمرارة في صوته وهو يشرح أهمية هذه المحاكمة.

ويقول عن الحارس النازي موضوع المحاكمة إن "هذا الرجل يجب أن يذهب إلى القضاء حتى يعرف الناس ما فعله، لكنني لا أعتقد أنه يجب أن يدخل السجن. ففي سنّه، هل سيتحوّل إلى شخص أفضل؟ إن السجن لن يساعد أي شخص. المهم هو أن تُسمع أصواتنا".

أحد الجوانب المثيرة للفضول في القضية، هو أن بعض إفادات الشهود، مثل تلك التي قدّمها ماريك دونين فاسوفيتش، هي مستوحاة فقط ممّا تناهى إليه لاحقاً. ففي سنّ الثالثة والتسعين، أي سن المتهم نفسه، أقرّ فاسوفيتش علانيةً في المحكمة بأن الذاكرة الشخصية يمكن أن تلتقي في وقتٍ لاحق مع المعرفة المكتسبة. وكان المشارك في الادّعاء يعمل صحافياً قبل التقاعد، ويمكنه التحدّث لساعاتٍ عن المعسكر، لكن الأمر متروكٌ للمحكمة للتمييز بين الذاكرة والمعلومات التي جمعها من القراءة.

ومن المقرّر العودة إلى جلسات الاستماع قريباً. وبما أن أهوال الهولوكوست أصبحت محصورة تقريباً في الكتب المدرسية، فإن الناجين يأملون في أن تساعد هذه المحاكمة مرّةً ولو أخيرة، على لفت انتباه العالم. وكما يقول شيبر: "يجب ألا ننسى مخاطر الكراهية وإلى أي قعر قد تودي بنا".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات