Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سينمائيون إيرانيون كسروا سلطة النظام الإيديولوجية

ترجمة عربية لكتاب ناقد إيراني عن تحولات السينما من التأسيس إلى هيمنة الملالي

من فيلم "لحظة البراءة "للمخرج الإيراني المعارض محسن مخملباف (يوتيوب)

تأتي ترجمة كتاب الناقد الإيراني حامد رضا صدر "السينما الإيرانية: تاريخ سياسي" (المركز القومي للترجمة –القاهرة) في وقت تجتاح التظاهرات الإحتجاجية مدناً إيرانية عدة، مما يتيح أمام القارئ العربي فرصة الإطلاع على الدور الذي لعبته السينما الإيرانية الجديدة في تصوير بعض الحقائق الخفية في المجتمع وفي كشف المعاناة التي يكابدها المواطنون ولا سيما المرأة في ظل السلطة. ومعروف ان السلطة الإيرانية منعت أفلاماً عدة وسجنت مخرجين، لكنها لم تتمكن من منع نهوض سينما جديدة تخطى جدران الايديولوجيا الرسمية.

عندما ظهرت السينما للمرة الأولى في إيران، كانت البلاد لا تزال تحكم بواسطة الملكية الأوتوقراطية التي لم تتخلص تماما من الفترة الإقطاعية، بقيادة مظفر الدين شاه، الذي كان يؤمن بأنه يحكم بتفويض أعلى، وكانت رحلاته مهمة لدخول السينما إلى إيران، عبر "الفانوس السحري". ففي صيف 1900، كان الملك في  إحدى رحلاته الأوروبية بصحبة ميرزا إبراهيم خان أكاباشي (أي مصور الكاميرا) حين فتنته الصور المتحركة التي رآها تتراقص على الشاشة. وكان أكاباشي ابناً لميرزا أحمد ضياء السلطنة، المصور الفوتوغرافي للبلاط، وصحب والده في رحلة إلى أوروبا استمرت عشر سنوات. وكجزء من جولة مظفر الدين، قام بشراء كاميرا لتصوير زيارة الشاه الرسمية إلى بلجيكا. وبذلك فإن مظفر الدين شاه يمكن أن يزعم أنه أول هاوٍ إيراني للسينما، وأول إيراني يتم تصويره على السليوليد، بينما كان أكاباشي أول مصور سينمائي إيراني. وبالطبع فإنه لم يستخدم فنه ليحكي قصة الناس، لكنه ترك لنا لقطات متفرقة للقصور الملكية ومنازل الصفوة الراقية.

بهذه المعلومات يقدم حامد رضا صدر لكتابه "السينما الإيرانية: تاريخ سياسي"، الذي صدر حديثا في نسخة عربية عن المركز القومي للترجمة في القاهرة بتوقيع أحمد يوسف، الذي رحل عن العالم العام الماضي قبل أن تبصر ترجمته هذه النور، وذلك بالتعاون مع آي. بي. توريس لندن، التي كانت أصدرت الأصل الانجليزي.       

يبدأ الكتاب بمقدمة للمترجم وهو ناقد سينمائي مصري بارز، سبق له أن ترجم عددا من الكتب حول الفن السابع عن اللغة الانجليزية، منها "تاريخ للسينما الروائية" من تأليف ديفيد كوك، وأصدر كتبا عدة من تأليفه منها "نجوم وشهب في السينما المصرية"، و"نادية لطفي: نجومية بلا أقنعة"، و"عطيات الأبنودي: وصف مصر"، و"محمد خان: ذاكرة سينمائية تتحدى النسيان".

أما المؤلف فهو ناقد سينمائي إيراني، ولد في عام 1956 ويلقي محاضرات حول السينما الإيرانية في جامعات أوروبية عدة، وهو مشهور بنقده الذي يضع فيه نفسه في مكان المتفرج العادي، ليعطي تقييما يعتمد على قدرة الأفلام على الوصول إلى الجمهور، ومن كتبه الأخرى: "سينما الكوميديا"، و"ضد الريح: السياسة في السينما الإيرانية"، وترجم من الانجليزية إلى الفارسية كتباً عدة، وأجرى مقابلات مع عدد من السينمائيين العالميين مثل أنطوني هوبكنز، وبيتر أوتول، ومايك لي، وكارلوس ساورا.

رقابة سينمائية

وبحسب الكتاب الذي يضم 393 صفحة، فإن أول سينما تجارية في إيران يقف وراءها ميرزا إبراهيم خان صحاف باشي، وعرضت الأفلام الأولى في البلاط الملكي أمام جمهور من الرجال والنساء بعد الفصل بينهما. وفي عام 1904 أفتتحت في إيران دار سينما متخصصة في عرض الأفلام القصيرة، لكن بعض السلطات الدينية دانت المشروع باعتباره "عملا من أعمال الشيطان"، ومن ثم قرر الشاه إغلاق دار العرض وتم الحجز على ممتلكات صحاف باشي ونفيه هو وعائلته إلى الخارج. ولعب ذوو الأصول الأرمينية دوراً حيوياً في تطوير السينما الإيرانية. ففي عام 1910 صعد أحمد شاه، ذو الاثني عشر عاماً إلى العرش. وشهد العام نفسه افتتاح دار عرض سينمائية أخرى، بواسطة الأرميني أرتاشيس باتمارجيان. وفي العام التالي أسَّس جورج إسماعيلوف دار سينما مواجهة لها، وقاما بعرض مقتطفات من أفلام لوميير، وغومون وباتيه. ووصل الصراع بين السينما وطقس "التعزية"، وهو فن شعبي قديم، إلى ذروته خلال تلك الفترة، فتوسعت "التعزية" في برامجها من فترة ما بعد الظهيرة إلى الثانية بعد منتصف الليل، في محاولة لتقويض السينما التجارية. وبحلول عام 1911، كان الصبي يضيع وقته بشكل متزايد في أوروبا، بينما كانت بلاده تغرق في الفوضى، ومع تزايد معارضة الجماهير، الذين لم يجدوا مساعدة من الحكومة، كانت حقبة أسرة قاجار تقترب من نهايتها.

في عام 1924 افتتح تاجر يدعى فاليكس "غراند سينما" في طهران، وكان من علاماتها المميزة تخصيص مكان خاص للنساء. وفي أكتوبر(تشرين الأول) 1925 قام أحمد شاه رسمياً بتسليم السلطة إلى رضا خان، الذي أسس أسرة بهلوي. وبعد ست سنوات، وفي مواجهة الطابع الفلاحي، أصدرت الحكومة مرسوماً يقضي بأنه من الآن فصاعداً سوف تعرض دور السينما الجديدة أحدث الطرق الزراعية في حفلات المساء. وطوال فترة حكم رضا شاه لم يكن هناك تصوير واقعي للناس العاديين، واتسمت السينما الإيرانية لعقود طويلة بتلك السمة الأبوية. كانت نسبة الأمية آنذاك ثمانين في المائة، وكانت السينما الكتاب الوحيد الذي يمكن للأميين قراءته، وسوف تصبح أداة قوية لتشكيل دولة إيرانية جديدة مخلصة للملك. وشهد عام 1930 عرض أول فيلم روائي طويل؛ "آبي ورابي" صنعه أفانيس أوهانيان. كان فيلماً هزلياً صامتاً من ستين دقيقة، نجح كثيراً وسط دعاية مكثفة. وأصبح بطلا الفيلم؛ محمد زارابي وغلام علي سوهر ابيفارد، ثنائياً كوميدياً يحاكي الثنائيات الغربية في ذلك الوقت مثل الدنماركيين فيرانيت وبيفوجنين. وتم صنع تسعة أفلام روائية طويلة بين عامي 1930 و1937 كان هدف معظمها هو الترفيه، ولكن غاب عنها كذلك تصوير الناس العاديين.

يتناول الكتاب في الفصل الأول السنوات من 1900 إلى عشرينيات القرن المنصرم، وفي الفصل الثاني الفترة من العشرينيات إلى الأربعينيات، وفي الفصول التالية يتناول الستينيات، فالسبعينيات، فالثمانينيات، فالتسعينيات، ويتناول الفصل التاسع والأخير الفترة من عام 2000 إلى عام 2005. وعلى مدى تاريخها وفقاً لما خلص إليه المؤلف فإن السينما الإيرانية سواء كانت جيدة أو رديئة، كانت تتحدث بلغة الجمهور، كما تعلم الجمهور أن يتكلم لغتها. ويعتبر صدرإنه كان من الواضح أن الأفلام تقدم "سياسة"، أو "أيديولوجيا"، أو "مذهباً"، أو على الأقل "معتقداً". وحتى السيناريوهات الضعيفة والرسائل المكررة والقصص المستنسخة بعضها من بعض، والشخصيات السخيفة، كانت جميعا مشحونة بمعنى سياسي. والنهايات السعيدة لم تقدم جزاء أو عقاباً للشخصيات، لكنها كانت تربت على ظهر المجتمع الذي يفترض أن يتيح حياة أفضل.

سينما مثيرة

وباستثناءات قليلة جداً، كانت السينما الإيرانية – في تيارها السائد- غير مثيرة لاهتمام كل من يبحث عن التعبير الإبداعي. ومع ذلك، فبالنسبة إلى هؤلاء الذين يبحثون عن الطرق التي قدمت بها أم لم تقدم الثقافة الإيرانية في الأفلام، تظل السينما الإيرانية مثيرة للإهتمام، ومخيفة في بعض الأحيان.

ويرى صدر أن إلهامه في وضع كتاب حول السياسة والسينما الإيرانية قد بدأ عام 1993، خلال العقد الذي أنتجت فيه إيران مجموعات من أكثر أفلامها طموحاً في العالم؛ أفلام كانت تعرض على نحو متزايد في المهرجانات العالمية. لقد كانت إيران من خلال صناعتها السينمائية تخرج من شرنقتها الثقافية. وبعد مجموعة من الأفلام الناجحة لكل من داريوش ميهروجي، ومسعود قيامي، وسوهراب شاهد ساليس، وبهرام بياظي، في بداية السبعينيات، دخلت السينما الإيرانية عقد الثمانينيات في حالة من شبه الانهيار التام. لم تكن موجودة بالنسبة للعالم، وهبطت مكانتها داخل البلاد إلى القاع خلال أيام ثورة 1979، حين تم إحراق نصف عدد دور العرض في مظاهرات غاضبة. ومع ذلك، وخلال السنوات الأخيرة، بدأ العديد من الناس في إظهار الاهتمام من جديد بالسينما الإيرانية. ومع ظهور عباس كياروستامي، ومحسن مخمالباف، ومجيد مجيدي، وراقشان بني اعتماد، كمخرجين ذوي أهمية عالمية خلال التسعينيات، حصلت السينما الإيرانية على شهادة ميلاد جديدة، بعد ما يقرب من عقد من الأفول، وبعد سنوات قليلة من هذا التاريخ، فإن مخرجيها الكبار أصبحوا أسماء مألوفة للمشتغلين بالسينما على مستوى العالم، وحصلت أفلامهم على ثناء النقد العالمي.

يكمن وراء هذا التحول- كما يرى المؤلف- خلفية سياسية كانت في بعض الأحيان تهدد بالغلبة على السينما ذاتها في عيون الجمهور الأجنبي. وباعتبار حامد رضا صدر زائرا للمهرجانات السينمائية العالمية كان يواجه باستمرار أسئلة صعبة: لماذا يتم تصوير المجتمع في الأفلام الإيرانية بطريقة مختلفة كثيرا عن توقعاتنا؟ كيف أمكن للأفلام الإيرانية أن تحتوي على هذه المفاهيم ذات النزعة الإنسانية، على العكس من الصورة السلبية القاتمة لبلادكم في الغرب؟. وشيئا فشيئا بدأ صدر في دراسة الأفلام الإيرانية، تيماتها وشخصياتها داخل السياق الاجتماعي والسياسي لزمنها، متفحصاً تلك الأسئلة عن السبب في أن معظم الأفلام الإيرانية التي عرضت خارج إيران في نهاية التسعينيات كانت تضرب بجذورها في الاطار العاطفي والوجداني للطفولة البريئة المعذبة. والحقيقة أن هذه الأفلام التي تبدو غير سياسية كانت انعكاساً لوضع سياسي في إيران المعاصرة. لقد كان الأطفال يقدمون صورة للشعب الإيراني، وكلما تفحصنا السينما الإيرانية، زادت معرفتنا بالطرق التي تمارس بها تأثيرها على الجمهور، ويمارس الجمهور بها تأثيره عليها.

وعلى أية حال فإن ذلك التحليل لا ينبغي أن يقلل من إصرار سينمائيين إيرانيين على العمل في ظروف بالغة الصعوبة ليعبروا عن رؤيتهم للعالم عبر أفلام لا تخلو من طابع إنساني ينطلق حتما من رغبة حقيقية في الفكاك من أسر أيديولوجيا استعلائية وأصولية تصر على تهميش المرأة بخاصة، بل والتنكيل بها. من ذلك، خصوصا في الفترة الأخيرة التي يتناولها الكتاب (2000- 2005) ظهر فيلم "الصمت بين فكرتين" للمخرج باباك بيامي ويتحدث عن إعدام امرأة صغيرة جدا في أفغانستان. وقدمت سميرة مخملباف فيلم "11 دقيقة و9 ثوان وكادر واحد" مع 10 مخرجين من مختلف أنحاء العالم. وقدم صادق بارماك فيلم "أسامة"، ويتحدث عن أفغانستان تحت الحكم حركة "طالبان".     

 

المزيد من سينما