وصف ناشطون في الحراك الاحتجاجي، ملفات هيئة النزاهة المطروحة مؤخراً بـ"التحايل" على مطالبهم الأساسية. وفيما أشاروا إلى أن مطلب المحتجين الرئيس هو إقالة حكومة عادل عبد المهدي، قبل الشروع بعملية مكافحة الفساد، أوضحوا أن السلطة تراهن على استنزاف الوقت، وإسقاط شخصيات ثانوية بملفات فساد لامتصاص الغضب الجماهيري.
إسقاط حكومة عبد المهدي
وقال عمار ستار، وهو ناشط في بغداد، إن "ملف النزاهة بالعراق معقد جداً لارتباطه بمصالح الأحزاب وتوسعها، لذلك تبقى هذه الملفات محدودة. وربما هذه المؤسسات نفسها حزبية، تتحكم بالفساد وإلا بماذا أفسر تشكيل المجلس الأعلى للفساد في ظل وجود النزاهة والمفتشين العموميين".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "مجلس مكافحة الفساد غير قادر على فتح أي ملف كبير للإطاحة برؤوس الفساد، ولا أعتقد أن هناك أملاً من مؤسسة تكافح الفساد إعلامياً من دون إرادة سياسية واضحة لمكافحة الفساد في هذه البلاد".
وأشار إلى أن "السلطة تراهن على استنزاف الوقت بأي ملف يطرح لامتصاص غضب الشارع. وهذا ما لمسناه بعدما شكل عبد المهدي لجنة لمعرفة من قتل المتظاهرين في احتجاجات الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خصوصاً أن نتائج هذه اللجنة لم تقنع الشارع".
وأوضح أن "غضب الشارع لم يتكون من دون أسباب. وأهم هذه الأسباب هي عدم جدية التعامل مع ملف النزاهة حتى صرنا يومياً نسمع بأن النزاهة تفتح مئات ملفات الفساد من دون نتائج واضحة، إلى أن فقد الشارع أمله بالتخلص من الفاسدين".
في المقابل يقول محمد المحمودي، وهو ناشط وصحافي، إن "إسقاط شخصيات ثانوية بقضايا فساد هو مجرد وسيلة للتحايل على المحتجين وامتصاص غضبهم ومطالبهم الأساس، وهو استمرار لمسلسل التسويف والوعود التي عملت السلطة على تهدئة الشارع بها خلال الفترة الماضية".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن "الحكومة لا تدرك مطالب المحتجين لغاية الآن أو أنها لا تنوي التفاعل معها عملياً. إذ إن التجارب الماضية كثيرة في إطار مكافحة الفساد، وآخرها مجلس مكافحة الفساد الذي أسسه عبد المهدي منذ أكثر من سنة، لكنه حتى الآن لم يقدم برهاناً على جديته".
وفي سياق الحديث عن التجاوب الحكومي، يبين المحمودي أن "الحكومة جربت ذلك من خلال نتائج التحقيق في قنص محتجي أكتوبر عبر نقل وإعفاء عدد من القادة الأمنيين، لكن المطالبة بالقتلة الحقيقيين ما زالت مستمرة. بالتالي لا يزال سقف المطالب مرتفعاً، وهو إسقاط الحكومة نفسها".
ولفت إلى أن "المتظاهرين يتعاملون مع رأس الهرم المتمثل برئيس الوزراء كمسؤول عن حمام الدماء، ويطالبون بإقالته، على أن يفتح بعدها باب التفاوض على بقية القضايا، ولا يمكن التعاطي إيجاباً مع أي معالجات من خلال هذه الحكومة".
تغييب لأبرز ملفات الفساد
في سياق متصل، يرى خبراء اقتصاديون أن من المستحيل قيام السلطة بشكلها الحالي بعملية مكافحة الفساد. إذ إن الجزء الأكبر منها فاسد، مشيرين إلى أن الذي تم طرحه من ملفات مجرد مسائل بسيطة لا تتطرق إلى حجم الفساد الكبير الموجود في الدولة العراقية.
وقال الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، إن "ملفات الفساد التي تم طرحها مجرد مسائل بسيطة في ملفات الفساد الكبيرة التي تخص المشاريع في أغلب مؤسسات الدولة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "ليرجعوا إلى تقارير ديوان الرقابة المالية منذ عام 2005 وحتى الآن. هناك تثبيت لحالات فساد كبيرة جداً، خصوصاً في ما يتعلق بملف الكهرباء وصفقات الدفاع ودخول داعش، وهذه ملفات فساد كبيرة جداً تهز عروشاً، لكن للأسف الشديد لم يتم التطرق إليها، لأن مسؤولين كباراً متورطون بها ولا يمكن أن يدينوا أنفسهم".
ولفت إلى أن "أحد أبرز أسباب الفساد هو عدم وجود مؤسسات حقيقية في الدولة العراقية، والدليل على ذلك التناقض بين الوزارات ومقرراتها، فضلاً عن عدم تطبيق القوانين ومنها قانون الإدارة المالية والدين العام، الذي لم يتم تطبيقه منذ عام 2003 وحتى الآن".
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة واسط أحمد العطواني إن "ملاحقة الشخصيات المتورطة في الفساد أهم بكثير من متابعة مواقع الفساد للإيقاع بصغار الفاسدين"، لافتاً إلى أن "المحاصصة جعلت مكافحة الفساد مسألة صعبة".
وأضاف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الفساد الأكبر موجود في البنك المركزي ومزاد العملة، لكن تلك الملفات من الصعب الكشف عنها لأن لدى الفاسدين سبلاً واسعة للتحايل في هذا الإطار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "حجم الفساد يقدر بـ 183 مليار دولار، لكن الفشل في متابعة تلك الملفات يعود إلى الخلل البنيوي في هيئات مكافحة الفساد".
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد أثير الجاسور، إن "طرح تلك الملفات في الوقت الحالي لا يمكن قراءته إلا في إطار امتصاص الغضب الجماهيري، ولا يمكن أخذه على محمل الجد".
وأضاف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لو كانت السلطة تريد النجاح في امتصاص الغضب كان يجب أن تطيح بشخصيات سياسية كبيرة ورئيسة متورطة في قضايا الفساد".
ولفت إلى أنه "لم تعد هناك أي ثقة بين الشارع العراقي والحكومات، وطرح ملفات الفساد بأي صيغة لن تدفع العراقيين إلا إلى التساؤل حول ما هو مخفي من تلك الملفات".
أشار إلى أن "السؤال الأهم المطروح الآن هو من يحاسب من؟ وهناك حالة عدم ثقة بكل الطبقة السياسية، إذ لا وجود لثقة بجديتها في عملية مكافحة الفساد".
وكانت وثيقة ظهرت يوم الاثنين 18 نوفمبر (تشرين الثاني) تحمل توقيع 12 طرفاً سياسياً عراقياً تحمل اتفاقاً على تغييرات حكومية وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة، وتعديل قانون الانتخابات، ومحاربة الفساد، فضلاً عن إجراء بعض التعديلات الدستورية.
وتشير الوثيقة إلى أن أبرز الأطراف الموقعة على الاتفاق هي كتل "النصر" و"الفتح" و"الحكمة" والحزبين الكرديين وائتلاف الوطنية وتحالف القوى الوطنية السنية، وبعض الكتل الأخرى في غياب كتلة سائرون التابعة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.
ونص الاتفاق على إمهال الحكومة مدة 45 يوماً لتنفيذ ما وعدت به، وفي حال عجزها يتم سحب الثقة منها.
إلا أن ذلك لم يلق تجاوباً إيجابياً من قبل المحتجين الذين يصرون على مواصلة احتجاجاتهم إلى حين تحقيق جميع مطالبهم، وعلى رأسها إقالة الحكومة والتحضير لانتخابات مبكرة تحت إشراف أممي.
وكانت هيئة النزاهة العراقية قد أعلنت عن أوامر قبض بحق مسؤولين عراقيين في قضايا فساد، على أثر الاحتجاجات العراقية المستمرة منذ مطلع أكتوبر.