Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أقلية مسيحية في الشمال السوري قلقة على مصيرها مع التقدم التركي

أشوريون يرابضون مع مقاتلين آخرين دفاعاً عن المنطقة التي كان عدد سكانها يُقدّر بـ20 ألف نسمة واليوم لا يتخطى الألف

عنصران من "حرس الخابور" داخل كنيسة آشورية دمرها تنظيم "داعش" سابقاً (أ.ف.ب)

تخشى العائلات الأشورية القليلة المتبقية في شمال شرقي سوريا على مصيرها، مع تقدّم القوات التركية باتجاه قراها الواقعة في ريف الحسكة الغربي، على الرغم من إعلان أنقرة الشهر الماضي، بعد اتفاقين مع واشنطن وموسكو، تعليق عملياتها العسكرية التي بدأتها ضد المقاتلين الأكراد في المنطقة.

خط جبهة

ففي بلدة تل تمر تتضرّع سعاد سيمون يومياً إلى الله كي يحمي زوجها الذي يرابض مع مقاتلين آخرين دفاعاً عن المنطقة ذات الغالبية الأشورية المسيحية، بعدما باتت القوات التركية على تخومها.

فقد فرّت سعاد (56 سنة) قبل أيام من قريتها تل كيفجي التي تحولت الى خط جبهة ضد القوات التركية، ولجأت إلى منزل أقاربها في تل تمر، التي تشهد أطرافها معارك ضارية وترتفع في أزقتها صور مقاتلين قضوا خلال معارك سابقة.

وبعدما أضاءت شموعاً على نية زوجها، تقول سعاد وهي تجلس في بهو منزل أقاربها لوكالة "الصحافة الفرنسية"، "نزحنا نحن النساء لأننا خفنا من دوي القصف القوي"، مضيفة "لنا الله… نريد السلام فقط".

سياسة القضم التدريجي

وبدأت تركيا في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) عملية عسكرية واسعة ضد المقاتلين الأكراد، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، تمكنت بموجبه من السيطرة على شريط حدودي بطول 120 كيلومتراً في شمال سوريا.

وفي 23 أكتوبر، علّقت أنقرة هجومها بعد وساطة أميركية واتفاق مع روسيا نصّ على تسيير دوريات مشتركة قرب الحدود. إلا أن تركيا واصلت التقدم متّبعة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، سياسة القضم التدريجي التي مكنتها من السيطرة على عشرات البلدات والقرى. وتخوض منذ أسابيع معارك على جبهات عدة من بينها محيط بلدة تل تمر.

مصير مجهول

وتتردد في المنزل بين الحين والآخر أصوات اشتباكات وقصف مدفعي قريب.

وتركت سعاد "الكثير من الذكريات والمنزل والعائلة والجيران". ويقاتل زوجها في صفوف قوات "حرس الخابور"، وهي مجموعة تضم مقاتلين أشوريين محليين تقاتل مع قوات "سوريا الديموقراطية" للدفاع عن عشرات القرى ذات الغالبية الأشورية.

ودفع الهجوم التركي منذ انطلاقه أكثر من 300 ألف شخص إلى النزوح، وتسبب بمقتل حوالى 150 مدنياً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويقول أيشو نيسان (48 سنة)، أحد سكان البلدة الأشوريين، لوكالة "الصحافة الفرنسية"، "ثمة تهديدات تركية بالهجوم على قرانا، وكثيرون ينزحون"، مصير المنطقة مجهول ونخاف على أطفالنا وعائلاتنا".

"مجازر بحق المسيحيين"

وتمرّ في شوارع تل تمر بين الحين والآخر سيارات وآليات محمّلة بنازحين في طريقهم إلى المناطق الواقعة جنوب البلدة، لا سيما مدينة الحسكة التي لم يتوقف توافد النازحين إليها منذ بدء الهجوم التركي.

داخل مقر عسكري، يلخّص الناطق الرسمي باسم "مجلس حرس الخابور" نبيل وردة مخاوف العائلات بالقول "إنها المرة الثانية التي نتعرض فيها للهجوم، الأولى من تنظيم داعش، وهذه المرة الخوف من الأتراك الذين لديهم تاريخ من الإبادة بحقنا".

وكان يشير الى مقتل عشرات الآلاف من الأشوريين والسريان والكلدان المسيحيين في مجازر تتهم القوات التركية بارتكابها بدءاً من عام 1915، وتعرف باسم "مجازر سيفو". وتحيي الأقليات المسيحية في سوريا ذكرى هذه المجازر سنوياً في يونيو (حزيران).

هجوم "داعش"

ويضم ريف تل تمر ما يقارب الـ 35 قرية وبلدة ذات غالبية أشورية تُعرف بقرى الخابور. وقد تعرضت في فبراير (شباط) عام 2015 إلى هجوم واسع شنه تنظيم "داعش"، وتمكن بموجبه من السيطرة على نصفها تقريباً قبل أن تطرده قوات "سوريا الديموقراطية" منها في وقت لاحق. وخطف التنظيم حينها 220 شخصاً من بينهم نساء وأطفال من سكان المنطقة، قبل أن يفرج عنهم بعد أشهر عدة وعبر مفاوضات، وعلى مراحل ومقابل مبالغ مالية كبرى.

وبلغ عدد الأشوريين الإجمالي في سوريا قبل بدء النزاع في مارس (آذار) 2011 حوالى 30 ألفاً من أصل 1.2 مليون مسيحي، وهم يتحدرون بمعظمهم من الحسكة. ويشكل المسيحيون حوالى خمسة في المئة من إجمالي عدد السكان في سوريا، لكن عدداً كبيراً منهم غادر البلاد بعد اندلاع النزاع.

وكان عدد سكان المنطقة الأشوريين قبل هجوم التنظيم يُقدّر بحوالى 20 ألف نسمة، إلا أن الغالبية الساحقة منهم هاجرت بعد النزاع إلى دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، ولم يبق منهم إلا ما يناهز الألف فقط.

كنيسة دمرها "داعش"

وينخرط العشرات منهم في مجموعة حرس الخابور وينضوون مع مقاتلين سريان في مجموعات تابعة لقوات "سوريا الديموقراطية".

على بعد كيلومترات عدة جنوب تل تمر، يجول سركون صليو (50 سنة) داخل كنيسة قريته تل نصري التي دمرها داعش عام 2015 خلال هجومه على المنطقة. لم يصمد من الكنيسة إلا هيكلها الخارجي الحجري وصليب حديدي عملاق موضوع في إحدى زوايا باحتها.

ويقول سركون وسط حجارة الكنيسة وأسلاك حديدية متناثرة أرضاً، "عام 2015، كان آخر هجوم علينا من الإرهابيين الداعشيين... وتخوفنا اليوم من أن تعاد الكرة مرة أخرى على قرانا"، ويضيف "عانينا ما عانيناه ونخاف صراحة من أن يُهجّر من تبقى من شعبنا الأشوري".

 

المزيد من العالم العربي