شرعت السلطات السودانية في تعديل قانون النظام العام المثير للجدل بعد انتقادات دولية بسبب انتقاصه من حقوق المرأة والشباب، وتحميل الرئيس عمر البشير الجهات المنفذة للقانون مسؤولية زيادة الغبن لدى الشباب الذين شاركوا في الاحتجاجات مطالبين بتنحي النظام الحاكم.
تظاهرات للتضامن مع المعتقلات
فرقت الشرطة السودانية، الاحد 10 فبراير (شباط)، بالغاز المسيل للدموع، والهراوات، عشرات المتظاهرين وهم في طريقهم الى سجن النساء بأم درمان ثاني مدن العاصمة السودانية الخرطوم. ورصد مراسل "اندبندنت عربية" تجمع عشرات المتظاهرين في منطقتي السوق والشهداء وسط أم درمان، استجابة الى دعوة تجمع المهنيين و3 تحالفات معارضة لتسيير موكب" النساء المعتقلات " تضامناً مع عشرات النساء المعتقلات خلال الاحتجاجات.
واقترب المتظاهرون من مقر السجن حيث تحتجز عشرات المعتقلات، لكن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع بكثافة وفرقت المتظاهرين الذين كانوا يهتفون " لا لا لسجن النساء" و"حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب".
ولا يوجد عدد تقريبي للنساء المعتقلات منذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون ثاني) الماضي، لكنّ منظمات واحزاباً تتحدث عن أن عددهنّ يتجاوز المائة معتقلة من الناشطات وعضوات احزاب معارضة من قبل الأجهزة الامنية.
جلد وسجن النساء
وتواجه المرأة السودانية بسبب قانون النظام العام، الاعتقال والعقاب حتى 40 جلدة إذا ارتدت ملابس "غير محتشمة" أو تتصرف بطريقة "غير لائقة" بحسب تقديرات مطبّقي النص القانوني. كما تفسر شرطة النظام العام القانون بمنع النساء والفتيات من ارتداء "البنطلونات" والتنانير الطويلة، وتعطي نفسها الحقَّ في اقتحام المنازل لمجرد الاشتباه في فعل ما يخالف القانون.
وتقود منظمات نسوية حملة ضد قانون النظام العام، وتقول إن القانون سُنّ من أجل قهر النساء وإذلالهنّ والحطّ من كرامتهنّ بطرق مختلفة، من بينها الجلد والسجن في مسائل تتعلق بالزي، في انتهاك لحقوقهنّ الفردية، وسط مطالب واسعة بإلغاء القانون.
ويرى مدير الشرطة السابق الفريق عادل العاجب أن القانون تعتريه عيوب عدة موضحاً أن القانون الجنائي كان كافياً لمعالجة القضايا التي شرع من أجلها قانون النظام العام.
البشير على الخط
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما أقوى الانتقادات المفاجئة للقانون فقد أطلقها الرئيس عمر البشير في مواجهة قانون النظام العام المثير للجدل، وقال البشير خلال لقاء مع رؤساء التحرير إن التطبيق الخاطئ خلق غُبناً وسط الشباب الذين يقودون احتجاجات تنادي بإسقاط النظام، ورأى أن "تطبيقه يخالف بـ 180 درجة الشريعة الإسلامية"، واتهم الشرطة التي تطبق القانون بالابتزاز والتشهير وانتهاك خصوصية المواطنين.
غير ان رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح أعلن رفضه تعديل القانون او الغاءه من اجل مصلحة اي جهة سواء في داخل البلاد او خارجها، وقال لـ "اندبندنت عربية" إنهم مع تقييم التجربة، عبر الحوار، وأعلن تمسكهم بالمادة المتعلقة بتجريم "الزي الفاضح" في القانون الجنائي، لكن مع تعريف ما هو "الزي الفاضح" حتى لا يصبح ارتداء الأزياء تعرياً.
رفض "الكشات"
"الكشات" حملة درجت عليها السلطات في الخرطوم، منذ إقرار قانون النظام العام وإدخال نص المادة "152" للقانون الجنائي، والتي تتعلق بالزي الفاضح، حيث تُعتقل أي فتاة في الشارع العام في حال ارتدائها البنطال أو أي لباس يظهر مفاتنها، أو إذا تركت رأسها من دون غطاء، أو ما يعرف محلياً بـ"الطرحة"، وتقدم لمحاكمة فورية فيقضى عليها إما بالجلد أو الغرامة، وهي مادة حوكمت بها مئات الفتيات، وفقاً لاحصائيات غير رسمية.
ويقول نص المادة "152"، التي أدرجت في القانون الجنائي عام 1991 "مَن يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة ويسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يتجاوز 40 جلدة أو الغرامة أو العقوبتين معاً".
ومنذ وصول النظام الحالي للحكم في عام 1989، ظلت النساء السودانيات يلاحقن بقانون النظام العام وعدد من المواد في القانون الجنائي التي تدخلت في خصوصيات المرأة، من الملبس والعمل، فضلاً عن أنها منعت الاختلاط بين النساء والرجال حتى في حفلات الزواج والمناسبات العامة.
"لا لقهر النساء"
وفي الفترة الأخيرة بدت مقاومة شديدة من قبل منظمات المجتمع المدني للقوانين المقيدة للنساء، وظهرت تجمعات للنساء بينها مبادرة "لا لقهر النساء". لكنها حتى الآن لم تنجح في إلغاء قانون النظام العام أو إسقاط المادة 152 من القانون الجنائي، حيث ظلت الفتيات يحاكمن بها من وقت لآخر.
ويرى القانوني نصرالدين سعد، أن الحرية الشخصية حق أصيل تكفله القوانين والتشريعات والأعراف الدولية، ويرى في "الكشات" انتهاكاً لحرية النساء وتقليلاً من قيمتهن وامتهاناً لحقوقهن في اختيار ما يناسبهن، ويؤكد أن هناك خللاً في المادة 152 الخاصة بالزي، حيث أنها مادة فضفاضة تترك لرجل الشرطة العادي تحديد معيار الزي الفاضح.
وقالت احسان فقيري المتحدثة باسم مبادرة "لا لقهر النساء" إن طموحهن أكبر مما تحقق حتى الآن، وأشارت الى تراجع ملاحقات الشرطة لبائعات الشاي في الطرقات العامة، وكذلك توقيف فتيات من شرطة النظام العام بسبب الزي، "لكن في ظل استمرار النظام القمعي، ستتحسن الأمور بصورة تدريجية. طموحنا أكبر من أن نناصر فقط... يجب أن نساهم في تقديم حلول للنساء المقهورات اللواتي يتعرضن لعنف منزلي أو التحرّش في المدراس أو أماكن العمل".