Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تواجه الجزائر أزمة هوية؟

"الحساسية التي ارتفعت حدتها بين العرب والأمازيغ وهمية تغذيها فرنسا"

متظاهرون جزائريون يرفضون تنظيم انتخابات رئاسية (أ.ف.ب)

أعاد الحراك الشعبي الجزائري إحياء قضايا عدة كانت مؤجلة إلى حين... فنزول الشعب إلى الشارع الذي لبس ثوباً سياسياً للمطالبة برحيل الرئيس بوتفليقة وزمرته، غير أنه مع مرور الوقت وبعد الاستجابة للمطلب، بدأت تظهر شعارات ومطالب مختلفة تكشف عن صراع هوياتي مكنون، يبدو أنه انتظر فرصة "ثورة" الشارع ليطفو إلى السطح.

رفع الراية الأمازيغية... استفهام وتخوف

وأثار رفع الراية الأمازيغية في مسيرات الحراك وطريقة تعاطي السلطات مع رافعيها من المتظاهرين، الكثير من علامات الاستفهام والتخوف في الوقت نفسه، زادتها خطابات المؤسسة العسكرية وتحذيراتها وتهديداتها استغراباً، ما أدى إلى انقسام الشارع، بالتالي انخفاض صوت الحراك الذي بات أمام مفترق طرق بين معركة السياسة وصراع الهوية. وما يبعث على التخوف ما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت ساحة لتبادل كلمات الكراهية والتعصب العرقي واللغوي بين أبناء الوطن الواحد، في شكل حرب باردة.

ويقول المستشار السابق في وزارة الشؤون الدينية عدة فلاحي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "الجزائر للأسف تعاني من مرض الأيديولوجيا التي تتحكم فيها التنظيمات السياسية، بتحالفها مع اللوبيات المالية من رجال الأعمال، فيدفعون بالأمور إلى التعفن والتشكيك وفتح دفاتر الفتنة على حساب الوطن والشعب"، موضحاً أن "هؤلاء قسمان، الأول يتصرف وفق أجندة وخريطة طريق مرسومة ومحددة المعالم، وقسم يتصرف بغباء وجهل، وهنا يقع المواطن في حيرة من أمره ويعيد طرح سؤال الهوية من جديد". ورأى أن "المسؤولية الكبرى تتحملها السلطة التي لم تحسن ولم توفق في رسم سياسة للمنظومة التربوية تزيل كل الإشكاليات والألغام. وزاد من تعقيد المسألة المنظومة الدينية التي هي الأخرى جعلتنا ندخل في دوامة المرجعية الدينية الأجنبية التي غزت بلادنا وتكاد تدخلنا في صراعات واشتباكات تعيدنا إلى الجاهلية الأولى".

وتابع فلاحي "لا نعاني من أزمة هوية بقدر ما نحن نعاني من توظيف مكونات الهوية لأغراض سياسية ومادية من مجموعة لا تخاف الله ولا تخشى لعنة الوطن والضحايا"، مضيفاً أن "بعض الجهات الخارجية لها مصلحة في إثارة هذه الشكوك لإحداث ما يسمى بالفوضى الخلاقة، حتى يمكنها التدخل في الشأن الداخلي وانتهاك سيادة الدولة، بالتالي استغلال ثرواتها".

صراع وهمي

رفع الراية الأمازيغية مع العلم الوطني في تظاهرات تطالب ببناء جزائر الغد، وتوظيف المقارنة بدل المقاربة، يزيد من حساسية الإشكالية، وهو ما يحدث على "فيسبوك" مع تاريخ العلم الجزائري والراية الأمازيغية، إذ تتحدث فئة عن أن الأول ظهر خلال الحقبة العثمانية وأخرى ترجعه إلى الشخصية الجزائرية التاريخية مصالي الحاج، بينما ترى جهات أن أصول الراية الأمازيغية تعود إلى ضباط في منظمة الجيش السري الفرنسي التي كانت تسعى لمنع استقلال الجزائر.

وتفتح تصريحات بعض الكتاب الجزائريين الفرنكوفونيين بطريقة غير بريئة، أبواب التساؤل حول علاقة "الفرنسية" بالإشكالية، خصوصاً أنهم تحدثوا من فرنسا باسم الشعب الجزائري بكل عناصره بالقول، "نحن الجزائريون... لسنا عرباً".

وبلغ الخلاف بين الفئتين ذروته بعد خطاب قائد الأركان قايد صالح، حينما تحدث عن أوامر صارمة أسديت لقوات الأمن للتصدي لأي شخص يرفع علماً آخر غير علم الجزائر خلال المسيرات، وقال إن "رفع رايات غير الراية الوطنية محاولة لاختراق المسيرات".

بين العربية الإسلامية والفرنسية المسيحية

من جهته، يعتبر ساعد ساعد الأستاذ الجامعي الجزائري والباحث في إحدى جامعات الرياض في السعودية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الجزائر تعيش صراع هوية وليس أزمة بين مدرستين أو توجهين، إذ بدأ الصراع في فترة الاحتلال الفرنسي الذي كان هدفه إبعاد الهوية العربية الإسلامية عن الجزائر، وكان ذلك واضحاً من خلال إنشاء أول صحيفة مسيحية بعد سبعة أيام من دخول الجزائر، واستمر الصراع بين الأحزاب أثناء المقاومة السياسية وأثناء حرب التحرير"، لافتاً إلى أن "الصراع بين مدرسة عربية إسلامية ومدرسة تغريبية تمثلها فرنسا، التي عملت على إذكاء صراع وهمي بين ما يسمى عرب والقبائل، وجندت لذاك رجالاً وأموالاً في فرنسا والجزائر، وركزت على اختلاف اللسان والشكل وانتشار المسيحية هناك.

وشدد ساعد على أن القبائل عرب، قائلاً إن "عرب قحطان جنوب الجزيرة العربية يتحدثون الأمازيغية ولديهم العادات والتقاليد نفسها، وفي اليمن أيضاً كأنك في محافظة تيزي وزو"، مشيراً إلى أن "الحساسية التي ارتفعت بين العرب والأمازيغ وهمية، تغذيها فرنسا في محاولة لتحويل أزمتها مع المدرسة العربية الإسلامية إلى أمازيغية عربية، وهذا توجه استراتيجي لفرنسا في الجزائر ودول المغرب العربي ولبنان".

النظام يتحمل المسؤولية

في المقابل، يؤكد الصحافي والكاتب الجزائري هشام عبود المقيم في المنفى، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه "في الحقيقة لا تجد أزمة هوية في الجزائر، باعتبار أن غالبية السكان يعرفون تاريخ بلادهم ولا يزالون يمارسون عاداتهم الموروثة عن أجدادهم، غير أن النظام القائم والذي فرض نفسه وصياً على الشعب الجزائري منذ مطلع الاستقلال بشتى وسائل الترغيب والترهيب، يتعنت في افتعال أزمة هوية لتقسيم الشعب والعمل بمبدأ فرّق تسد".

وأكمل عبود "برزت إرادة النظام في زرع الشقاق وتكريس الفتنة خلال الأشهر الأخيرة، لمواجهة الملايين من المتظاهرين المطالبين برحيله، فراح يطارد ويحبس متظاهرين يحملون الراية الأمازيغية، على الرغم من غياب نص قانوني يجرّم رفعها"، مضيفاً أن "صاحب القرار المتعلق بتوقيف هؤلاء الحراكيين ينحدر من منطقة الأوراس التي ينحدر منها أكسل، القائد العسكري الأمازيغي، المعروف باسم كسيله، الذي قاوم بشدة الجيوش العربية بقيادة عقبة ابن نافع خلال غزو الجزائر، وهي المنطقة ذاتها التي تنحدر منها الملكة الأمازيغية ديهيا، المعروفة باسم الكاهنة، والتي قاومت العرب لسنوات عدة".

المزيد من تحلیل