Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترنح العملة الإيرانية أمام العملات الأجنبية ودور العقوبات الأميركية في تهاوي قيمة الريال

خبراء اقتصاد: سياسات حكومة روحاني والتضخم وغسيل الأموال في مقدمة أسباب الانهيار

محاولات حكومية لتثبيت سعر الريال مقابل الدولار (رويترز)

 

أوردت وكالة إرنا للأنباء الإيرانية يوم الأحد 6/1/2019 خبراً عن محافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي، مفاده أن البنك المركزي الإيراني قدم مقترحاً للحكومة بحذف 4 أصفار من العملة المحلية (الريال)، بعد الانهيارات التي أصابت تلك العملة خلال النصف الأخير من العام والماضي، وما زالت تتولى إلى أن فقد الريال 60% من قيمته، بفعل العقوبات الأمريكية، حسب مراقبين، وبفعل السياسات الحكومية الخاطئة، حسب آخرين، على الرغم من بعض التعافي الذي شهده الريال مع نهاية العام 2018.

وبالعودة للوراء، وبعد التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) في مدينة لوزان السويسرية في 2 أكتوبر (تشرين أول)، حدث نوع من الانتعاش الطفيف في حركة النمو الاقتصادي في إيران في السنة المالية 2016-2017 (التي بدأت في مارس (آذار) 2016 إلى مارس 2017) حيث بلغ معدل النمو 12.5%، واستبشر الشارع الإيراني خيراً بانفراجة اقتصادية تؤدي إلى تحسن الوضع المعيشي للمواطنين في إيران، مع تدفق الوفود التجارية والصناعية وشركات الاستثمار على طهران، لأخذ نصيب من كعكة النفط والغاز والحقول الاقتصادية الأخرى في البلاد.

أنسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وعودة العقوبات

خلال النصف الأخير من العام الماضي خسر الريال الإيراني ثلثي قيمته مقابل العملات الأجنبية. وذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية-في وقت سابق-أن الجزء الأكبر من انهيار العملة الإيرانية جاء بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع طهران، ما يعني أن انسحاب واشنطن من الاتفاق كان له الأثر الأكبر في تدهور العملة الوطنية أمام الدولار.

ومع تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران بعد التوقيع على قرار الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) الماضي انخفض إجمالي تأسيس رأس المال الثابت، وتباطأ نمو الناتج القومي الإجمالي، وانهار الإنتاج الصناعي، حسب تقرير الـ"فورين بوليسي"، غير أن إنتاج النفط كان الاستثناء الأبرز، فقد ارتفع إنتاجه خلال الربع الأخير من العام الماضي بسبب حرص الزبائن على الحصول على آخر شحناتهم من النفط الإيراني قبل أن تبدأ الحزمة الثانية من العقوبات التي بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني).

ومع دخول حزمة العقوبات الأمريكية الثانية على إيران حيز التنفيذ، شهد الاقتصاد الإيراني ضربة قوية طالت قطاعات النفط والقطاعات المصرفية والمالية، الأمر الذي أعاد الاقتصاد إلى حالة من الركود لم تُجدِ السياسات الحكومية في الحد منه.

يقول فريدون خاوند الخبير الاقتصادي الإيراني المقيم في باريس إن "التدهور الذي تعيشه العملة الإيرانية يعود لسببين: العقوبات وسياسات الحكومة الإيرانية، حيث لا يمكن الفصل بينهما" . ويضيف في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" "تعاني إيران من عقوبات منذ 40 عاما والعقوبات ترجع لطبيعة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ولا تعود إلى مجيء وذهاب أي من الرؤساء الأميركيين".

ويذكر أن "إيران تمر - منذ الثورة حتى الآن – بخلافات مع الولايات المتحدة وبالتالي خلافات مع نسبة كبيرة من النظام الاقتصادي الدولي"، وهذا ما يعيق نمو الاقتصاد الإيراني.

ويرى خاوند أن أضرار العقوبات الأمريكية تتعدى مجرد عقوبات واشنطن، ولكن المشكلة-في نظره- أن الكثير من الدول تلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، خوفاً من عقوبات واشنطن. ويذكر خاوند أن المتضرر الأساس من العقوبات هو الاقتصاد الإيراني "إذ أن العقوبات تركت إيران بلا علاقة مع أهم قوة اقتصادية عالمية-أي الولايات المتحدة الأميركية-لذا يتحمل اقتصاد البلاد أضراراً كبيرة، جراء التزام دول وكيانات أخرى بالعقوبات مثل الاتحاد الأوروبي وحتى روسيا والصين رغم التظاهر بالتقارب مع إيران".

ويضيف "عندما تسأل أصحاب الصناعات والتجار عن أسباب المشاكل التي يعانون منها فإنهم يؤكدون أن العقوبات هي من أهم أسباب المشاكل الاقتصادية".

ويدلل خاوند على قسوة العقوبات على الاقتصاد الإيراني، ومن ثم على سعر العملة الوطنية بقوله إن أفضل دليل على ذلك يتمثل في صناعة النفط في إيران، حيث كان البلد ينتج 6 ملايين برميل يوميا قبل الثورة، لكن الآن وبعد 40 عاما تنتج إيران 3 ملايين و800 ألف برميل فقط". ويرجع خاوند ذلك إلى "رفض الشركات الدولية التعاون مع إيران وعدم الرغبة في الاستثمار في البلد".

سياسات الحكومة تفاقم الأزمة

يرى خبراء اقتصاديون أن واحداً من أهم أسباب الأزمة هو قرار الحكومة الإيرانية تثبيت سعر الصرف للعملة خلال السنوات الماضية، الأمر الذي جعل هذا الثبات شكلياً، ولا يتماشى مع قيمتها الحقيقية في السوق، وهو ما عرضها لانهيارات سريعة لمجرد أن هدد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي قبل أن ينفذ تهديده. 

وقد ارتكبت السلطات الإيرانية خطأ كبيراً بتطميناتها المتكررة بأن لدى البلاد ما يكفي من احتياطيات العملة الصعبة، وأن فائضاً كبيراً تراكم في الميزان التجاري، حيث قال محسن رضائي الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام في اجتماع كبير لميليشيا الباسيج في محافظة بوشهر في شهر أكتوبر (تشرين أول) الماضي، إن شعبنا سيعبر الأزمات وإن الريال الإيراني سيكون أقوى عملة في المنطقة.  وأدت هذه التطمينات السياسية-في أصلها-إلى خسارة الكثير من الإيرانيين لمدخراتهم بفعل انخفاض قيمة العملة المحلية، الأمر الذي أدى بالأثرياء وأفراد الطبقة الوسطى في إيران إلى تحويل مدخراتهم إلى العملات الصعبة، وهو ما فاقم الوضع بالنسبة لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

يؤكد فريدون خاوند على أن سياسات الحكومة لها علاقة كبيرة بتدهور العملة المحلية. ويذكر أن التضخم يعد من أهم أسباب تراجع العملة، ويضيف أن "التضخم خلال الأربعين عاما الماضية وصل إلى نسب عالية مثل: 20% و30% وحتى 50 في المائة، وأن الاقتصاد الإيراني لم يقلص نسبة التضخم إلا في فترة محدودة، حين كانت هذه النسبة أقل من 10%".

ورد سعيد ليلاز الصحفي والمحلل الاقتصادي الإيراني خلال مقابلة صحفية أجراها مع يورونيوز الفارسية تدهور العملة إلى منع واشنطن دخول الدولار إلى السوق المحلية الإيرانية، من جهة، وإلى سياسات حكومة روحاني، التي تعاملت بشكل سيء مع الوضع وعملت مثلما عملت حكومة أحمدي نجاد سابقا وكانت النتيجة مزيداً من تدهور سعر الريال.

أما محمد حسين أديب الخبير الاقتصادي الإيراني المعروف فيرى أن التضخم وطباعة النقود في البنوك المحلية وغسيل الأموال من الأسباب الرئيسية التي أدت الى هبوط العملة الإيرانية.

ويدعو أديب إلى ضرورة إصلاح النظام المصرفي في إيران رغم اعتقاده بأن سعر الريال سيواصل التدهور مقابل الدولار بسبب  "السياسات الحكومية".

ويرجع كامران ندري الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة الإمام الصادق جانباً من المشكلة إلى  "عدم استقلالية البنك المركزي الإيراني"، في إشارة إلى تداخل السياسي والاقتصادي في أدائه. ويضيف أن "السياسات المالية الإيرانية لا تتناسب مع ما هو موجود في العالم"، منوهاً إلى أن "العراق وسورية رغم أنهما تعرضا لعقوبات أشد مما تتعرض له إيران لكن عملتيهما لم تتأثرا كتأثر العملة الإيرانية في الوقت الحالي".

ويمكن في هذا الصدد ذكر اعتماد إيران على الاقتصاد النفطي الذي يمثل 80% من الاقتصاد الإيراني.، بالإضافة إلى تدخل الحكومة في معظم الشؤون الاقتصادية مما أدى إلى ضعف استثمارات القطاع الخاص، والاعتماد على البضائع المستوردة.

وفوق ذلك، انتهج البنك المركزي الإيراني سياسة خاطئة حاول من خلالها ضخ المزيد من العملة الصعبة في السوق، لطمأنة المستثمرين والشارع إلى أن هناك احتياطيات كافية من هذه العملة، غير أن التجار وأصحاب العمل استغلوا هذه السياسة فقاموا بسحب مبالغ هائلة منها، وتحويل ما لديهم من الريال الإيراني إلى العملة الصعبة، كما اشتروا المزيد من الذهب من السوق الأمر الذي فاقم وضع الريال بشكل كبير، كما أن احتكار نافذين في الحكومة لتجارة العملة أدى إلى توسع في تجارة السوق السوداء.

إجراءات حكومية وقناة مالية

حاولت الحكومة منع تدهور العملة بوضع سياسات صارمة مثل إغلاق محلات الصرافة غير المرخصة، وتحديد عدد المحلات المسموح بها، وتشدد القضاء الإيراني بشأن من يعمل في تهريب العملة أومن يتاجر بالعملة في أعمال الصيرفة دون ترخيص، ووصلت بعض الأحكام حد الإعدام ضد من تسميهم طهران "المفسدون الاقتصاديون"، غير أن مراقبين يرون أن مثل هذه الإجراءات ليست بذات أثر، لأن مسؤولين في النظام أبقوا على محلات الصرافة التي يستفيدون منها، وأغلقوا تلك التي تخص الآخرين بحجة عدم وجود تراخيص، كما يُتهم مسؤولون إيرانيون بأنهم يقفون وراء إخراج مليارات الدولارات للخارج من أجل تشغيلها من بلدان أخرى للالتفات على العقوبات الأمريكية، في الوقت الذي تتهم الحكومة تجار العملة بتهريب العملة الصعبة للخارج.

ومن ضمن المحاولات التي تسعى من خلالها الحكومة الإيرانية لدعم اقتصادها، وبالتالي وقف تدهور سعر العملة، العمل مع الدول الموقعة على الاتفاق النووي لإنقاذه، والالتفاف على العقوبات، من خلال "القناة المالية" التي يفترض من خلالها أن يتم تبادل السلع الغذائية بين إيران والعالم الخارجي مقابل النفط والغاز. وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي الإيراني فريدون خاوند إن لإيران خبرة في الالتفاف على العقوبات، و"خلال 41 عاماً استطاعت إيران العثور على طرق لمواجهة العقوبات، وحققت في بعض الأحيان نجاحا، ولكن في المجموع لم تؤد محاولات الالتفاف إلى تفادي الضربات التي توجه الى الاقتصاد الإيراني". 

وتواجه هذه "القناة المالية" المعدة لتحاشي العقوبات الأمريكية احتمالات الفشل، بعد أن رفضت سويسرا أن تكون مركزاً لها، أنأأخشية من طائلة العقوبات الأمريكية، وعلى الرغم من أن كلاً من فرنسا وألمانيا وبريطانيا أعلنت الأسبوع الماضي-ضمن دول أوروبية أخرى-استعدادها للمضي قدماً، إلا أن إيران رفضت تحديد التبادلات بالسلع الغذائية، كما رفضت شرطاً للاتحاد الأوروبي بربط التبادلات بمكافحة إيران لغسيل الأموال، وبوقف تطوير برنامجها الصاروخي البالستي، كما أن تهديد واشنطن بعقوبات على من يتعاملون مع إيران يحد من فعالية هذه القناة، التي تجعل حلفاء إيران يترددون في الاشتراك بها.

يقول خاوند "تفرض الصين أسوء العقوبات على إيران من خلال تنفيذ العقوبات الدولية، لذلك تعيش إيران حالة من الورطة في فضاء عدائي وهذا لا يساعد بالطبع على نمو الاقتصاد الإيراني". 

وعلى الرغم من أن بعض الدول لا تزال تستورد النفط الإيراني إلا أن الهند على سبيل المثال فرضت على إيران حاليا شراء النفط بعملتها الوطنية، وهذا يجعل الاقتصاد الإيراني رهينة للاقتصاد الهندي دون غيره، ما يسبب صعوبات اقتصادية كبيرة، كما يذكر الخبير الاقتصادي الإيراني فريدون خاوند.

تظاهرات واحتجاجات

مع تزايد انهيار العملة وارتفاع الأسعار منتصف العام الماضي، قادت الطبقة الوسطى احتجاجات متقطة، حيث كان لبازار طهران النصيب الأوفر من تلك الاحتجاجات، بعد إضراب تجار البازار عن العمل وخروج المئات منهم في تظاهرة احتجاج على ارتفاع الأسعار.

وبلغ من تخوف السلطات من توسع حركة الاحتجاج أن  قال رئيس السلطة القضائية آية الله صادق آملي لاريجاني حينها، إن من تثبت إدانته بالمشاركة في الإخلال بالشؤون الاقتصادية في البلاد، قد يواجه عقوبة الإعدام والسجن لمدة 20 عاماً، ووصف لاريجاني المحتجين بالخونة والمفسدين في الأرض.

غير أن التهديدات الحكومية لم تكبح من جماح حركة الاحتجاج التي ظلت مستمرة، وإن بشكل متقطع حتى اليوم، مع توقعات بتوسعها مع ما يلوح في الأفق من فشل محاولات إنقاذ الاتفاق النووي التي يحاول الأوروبيون القيام بها. 

ومع توسع الاحتجاجات شهدت عدة مدن إيرانية كطهران ومشهد وشيراز والأهواز وغيرها مظاهرات شعبية بسبب غلاء الأسعار، وظلت هذه المظاهرات تخرج هنا وهناك في مؤشر على حجم الاحتقان لدى الشرائح الاجتماعية المختلفة بسبب تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.

ويرى مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن العقوبات الاقتصادية قد تفضي إلى حالة من الاحتقان يتحرك بموجبها الشارع الإيراني للضغط لتغيير سلوك النظام الذي لا تقول إدارة ترامب إنها بصدد السعي لتغييره، ولكن لتعديل سلوكه بالكف عن تدخلاته الإقليمية، ووقف البرنامج الصاروخي لطهران.


 

المزيد من الشرق الأوسط