Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان... المصارف بين واجب عودة العمل ومخاوف شح السيولة

القوى الأمنية تعاونت والكرة في مرمى إدارات البنوك

وفد من جمعية المصارف بحث مع وزيرة الداخلية ريا الحسن توفير الظروف المؤاتية في محيط المصارف (الوكالة الوطنية)

أقفلت المصارف اللبنانية أبوابها مجدداً هذا الأسبوع ليصبح الإقفال الأطول في تاريخ لبنان، الذي عانى الحروب وعدم الاستقرار على مدى السنوات الـ 30 الماضية. إقفال الطرقات والاحتجاجات الشعبية التي طاولت المناطق كافة، أقفلت المصارف 13 يوماً على التوالي لتظهر، وعند معاودة العمل في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) مشكلة أكبر تمثلت بتدافع المواطنين لسحب أموالهم من المصارف وظهور شبح شح السيولة.

الإجراءات الاحترازية زادت من الغضب الشعبي والإقفال عاد بعد أقل من أسبوع على معاودة العمل المصرفي، وهذه المرة من باب الموظفين الذين احتجوا على غضب المودعين المطالبين بحقوقهم. أكثر من أسبوع على إقفال المصارف مجدداً، الحل السياسي لا يبدو قريباً، الحركة الاقتصادية شبه متوقفة، المصرف المركزي يطالب برفع القيود المصرفية عن الودائع والتحويلات، المصارف تفاوض أمنياً وتبحث عن حلول وسطية مقبولة في أزمة استثنائية تشتد.

مخاوف أمنية ولوجستية مرتبطة بالسيولة

وردت قوى الأمن الداخلي بإيعاز من وزارة الداخلية اللبنانية وأصدرت بياناً واضحاً حول ملخص توزيع عناصر قوى الأمن حول المصارف ويتضمن جدولاً بأرقام غرف العمليات في قوى الأمن الداخلي، وجدولاً بأرقام الضباط ومفارز الشرطة القضائية والاستقصاء لتوفير الحماية الكاملة لموظفي المصارف ليكون بذلك تم حل الشق الأمني للمشكلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن الأهم، يبقى في الإجراءات التي اتخذتها المصارف، وحدت بموجبها سقوف التعامل مع المودعين، وهي التي تسببت أصلاً بالغضب الشعبي وبارتفاع حدة المخاوف لدى المواطنين، فالمصارف وعند معاودة عملها بعد الإقفال الذي ترافق مع الثورة، وضعت سقوفاً لمختلف العمليات المصرفية:

- السحوبات النقدية تم تقيدها من الودائع السائلة للعملاء بحدود وصلت إلى 1000 دولار أسبوعياً.

- التسهيلات التي كانت تمنح للشركات والمؤسسات أو الأفراد توقفت بالكامل.

- تم وقف التحويلات المصرفية بالعملات الأجنبية إلى خارج لبنان واقتصرت التحويلات في حالات قليلة على التحويل الداخلي ضمن المصرف الواحد بين لبنان وفروعه في الخارج.

- تم وقف فتح أي اعتمادات جديدة للشركات، وتم فقط تمرير الطلبات والاعتمادات التي تمت الموافقة عليها قبل الاحتجاجات.

- وقف التحويل من الليرة للدولار نقداً، كما تم رفض تحويل الليرة للدولار لسداد مستحقات بالدولار.

وكذلك، إجراءات اضطرت المصارف لاتخاذها لضمان استمراريتها في تلبية طلبات كل عملائها بظل الهلع الذي انتاب المواطنين، ودفعهم إلى سحب وتخزين حتى ثلاثة مليارات دولار في منازلهم تحسباً لإقفال جديد أو تحوطاً من تعثر تسوق له الإشاعات.

وطالب اتحاد موظفي نقابات المصارف بوضوح، وقبل العودة عن الإضراب من جمعية مصارف لبنان، العمل على آلية موحدة للتعامل مع المودعين وصياغتها في مذكرة رسمية تلصق على مداخل المصارف ليتسنى للمودعين معرفة التدابير المصرفية الرسمية حيال السحوبات والتحويل بما يخفف الضغوط عن مديري المصارف وموظفيها. وفي هذا الإطار، تجتمع جمعية المصارف اللبنانية مساء الأحد 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتشير التوقعات إلى أن المصارف ستعمل إدارياً نهار الاثنين لتعود وتفتح أمام الزبائن يوم الثلاثاء.

مشكلة السيولة بين المعلن والواقع

ويتفق كل المصرفيين والخبراء الماليين أن القطاع المصرفي يواجه التحديات نفسها التي يواجهها الاقتصاد اللبناني، وهو لا يواجه أزمة مصرفية أو نقدية بل أزمة ثقة ناتجة من فشل السياسات المالية للحكومة اللبنانية. وبحسب النائب السابق لحاكم مصرف لبنان غسان العياش، فإن إقفال المصارف اللبنانية هو مؤقّت بالطبع ولن يستمر، على الأرجح، لما بعد الأيام الأولى من الأسبوع المقبل، وهذا ما يوحي به منطق الأمور.

وهناك من يعتقد، من دون دليل، أن إدارات المصارف ضمناً ليست منزعجة من الإضراب المؤقّت للموظفين لأنه يعطي فرصة للحد من السحوبات بانتظار إيجاد حل سياسي يهدئ مخاوف الجمهور، والحلّ المنشود بحسب العياش، هو تشكيل حكومة توحي بالثقة والاحترام، حكومة تملك رؤيا اقتصادية اجتماعية ووزراؤها شخصيات نظيفة وكفوءة وبعيدة من منطق المحاصصة وتقاسم المنافع، كما كانت معظم الحكومات السابقة.

لا مشكلة مصرفية

إذاً، ليست هناك مشكلة مصرفية في لبنان يؤكد العياش، فمشكلة المصارف من بدايتها إلى نهايتها هي مع الدولة ومع الحياة السياسية المضطربة في لبنان.

أما بالنسبة للاعتقاد السائد في الصناعة المصرفية، فإن المخاطر تأتي من تسليف القطاع الخاص، خصوصاً في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي، كما هي الحال في لبنان، فالمصارف، ولتلافي هذه المخاطر، فضلت تخفيف محافظها التسليفية للقطاع الخاص والتركيز على التوظيف في ديون الدولة والإيداعات لدى المصرف المركزي.

و70 في المئة من موجودات المصارف موظفة لدى وزارة المالية ومصرف لبنان، وإيداعات المصارف في المصرف المركزي تفوق 55 في المئة من الموجودات، ذلك يعني أن مصارف لبنان التزمت جانب الحيطة والحذر في توظيف موجوداتها، لأن الإيداعات في المصرف المركزي تصنّف عادة في خانة النقد وشبه النقد في التصنيفات المعتمدة دولياً. أما تسليف القطاع الخاص، المصدر التقليدي للمخاطر، فلا يتجاوز 20 في المئة من حجم الموجودات في لبنان، وإن كان يساوي حجم الناتج المحلي القائم، وهذه السياسة التي استهدفت الحذر جاءت على حساب النمو الاقتصادي.

مستقبل أسود؟

وبعيداً من المخاطر في التسليفات، تتحدث بعض المصادر عن شح حقيقي في السيولة النقدية لدى المصارف التي تطالب زبائنها باستقدام أموال من الخارج لتسهيل عمليات التحويل وتمويل التجارة، ولو بشكل غير رسمي، كما برز إعلان مصرف لبنان بتقديم السيولة بالدولار للمصارف بفائدة 20 في المئة وهي على ارتفاعها تبقى مقبولة نظراً لارتفاع فوائد تسليفات المصارف للمركزي (ما عرف بالهندسات المالية) لتعزيز احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وتشكل النسبة المرتفعة نسبياً رادعاً لعدم استغلال النقد الأجنبي في عمليات غير ضرورية بينما يعاني لبنان من أزمة استثنائية .

الوضع المصرفي أسير الوضع السياسي في لبنان وضحيّة السياسة المالية، والرهان اليوم على أن تنتج انتفاضة اللبنانيين سلطة أكثر كفاءة وشفافية وصدقية تنتشل البلد واقتصاده من مستقبل أسود.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد