Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قرية الشباب"... إبداع شبابي فلسطيني لحماية التراث الطبيعي للأرض

تهدف القرية إلى التثقيف والتعليم البيئي وتوفر تجربة التعايش مع الطبيعة وحمايتها

شبان يشاركون في أحد نشاطات "قرية الشباب" (اندبندنت عربية)

ما إن حطّت رحال محمد وأحمد وعدي، وهم شبان في العشرينيات من عمرهم، داخل "قرية الشباب" في إحدى قرى مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، حتى تفاجأوا أن المكان من دون إنترنت! ومن دون مركبات للنقل أو أي وسائل تكنولوجية حديثة، إذ إنهم لا يملكون أدنى فكرة عن رحلتهم هذه، فالشركة التي يعملون فيها قررت منحهم فرصة للاسترخاء والتخلص من ضغوط العمل وسط أحضان الطبيعة الخضراء النقية. الإنترنت، الذي شغل بال الشبان الثلاثة فور وصولهم، أصبح في غضون ساعات آخر همومهم، ففي "قرية الشباب" الفلسطينية التي أُنشئت على مساحة 35 دونماً (الدونم = 1000 متر) في الهواء الطلق، وبمبادرة من منتدى "شارِك" الشبابي في الضفة الغربية، وفّرت النشاطات والفعاليات والمغامرات فرصةً لإشباع رغبة الشباب الفلسطيني ووعيهم إلى أهمية وجود مساحات تمكنهم من ممارسة نشاطاتهم بحرية، في جو طبيعي بعيد من الروتين وضيق المكان ورتابة المؤسسات وقاعاتها.
 

قرية صديقة للبيئة
 

وقال المدير التنفيذي لمنتدى "شارِك" الشبابي بدر زماعرة ل "اندبندنت عربية"، إن "قرية الشباب تتميز بطبيعتها وبيئتها الجمالية، لتكون أول قرية بيئية تعليمية رياضية في فلسطين وفي الشرق الأوسط، أنشأها 200 متطوع  خلال 70 عملاً تطوعياً، بكلفة إجمالية تُقدَّر بحوالى 600 ألف دولار، في موقع يجمع بين مغامرة التلال والجبال والوديان، وإطلالة قريبة من الساحل الفلسطيني، فالقرية في تشكيلها وتكوينها وفكرة إنشائها غير نمطية، إذ تحتوي على بيئة نموذجية ومركز تعليم بيئي، مركز مجتمعي لبناء القدرات، وفضاء رحب لممارسة الرياضة في الطبيعة، ومنطقة تخييم ومرافق سكنية. وجسّدنا معاني التراث الفلسطيني من خلال تسمية المرافق المتعددة داخل القرية بالأسماء القديمة التي اندثرت في التراث الفلسطيني والتي يجهلها جيل اليوم ونحاول إحياءها، مثل: السقايف، الحوطة، القطاين، العلية، المصطبة، ظهر الدار. ولعدم المساس بقدسية الطبيعة، قمنا باستثمار أمثل للموارد بشكل ينسجم مع الطبيعة، حيث استخدامنا الأحجار والصخور والطين والقش والأخشاب، وأعدنا استخدام بعض المخلفات، كالإطارات بعد معالجتها بطريقة صديقة للبيئة".
 

محمية طبيعية

وسعت القرية منذ تأسيسها عام 2017 إلى المحافظة على التنوع البيئي، وحماية التراث الطبيعي للأرض، واهتمت بتوعية الشباب حول دورهم الحالي والمستقبلي في الحفاظ عليها، مع توفير بيئة طبيعية مريحة وممتعة لمجموعات الشباب من أجل ممارسة نشاطات مجتمعية وتعليمية وترفيهية ورياضية مختلفة، تمكن الشباب والعائلات الفلسطينية من التمتع والاستجمام بمحمية طبيعية.
ويقول عدي حافظ (29 سنة) من مدينة رام الله، إن "الحياة أصبحت بوسائل تكنولوجية حديثة، ولم نعد نقوى على الحياة من دون الهواتف المحمولة والسيارات والإنترنت، لكن بمجرد وصولي إلى "قرية الشباب" تفاجأت بهذا الكم من النشاطات والفعاليات الجميلة التي لم أتوقع يوماً أن أجدها في مكان فلسطيني، فهنا نلعب شد الحبل، ولعبة نقل الحجارة لعمل أسوار للأراضي، كما نقوم بقطف ثمار الزيتون، ومساءً نلتف حول النيران، لنبدأ بعدها عملية عصف ذهني ومسابقات. كما أن أغلب المشاركين في المعسكرات من فئة الشباب، وهو أمر لافت وجميل، فالأفكار الشبابية متقاربة ومليئة بالشغف والطموح والأمل، وهي فرصة رائعة للتفريغ النفسي من ضغط العمل هنا في أحضان الطبيعة ومع الأصدقاء".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا للروتين

ويضيف حافظ "الفضاء الرحب الذي توفره وتؤمنه القرية، جعلنا ندرك أهمية ومتعة ممارسة الرياضة في الطبيعة، خصوصاً أن هناك منطقة تخييم ومرافق سكنية، كما أن ميادين المغامرة والتحدي منحتنا المهارات الحياتية المتنوعة كالعمل الجماعي، وفن التواصل مع الآخرين، ومهارات القيادة وتولي المسؤولية وإدارة الوقت".
الشابة أسماء عبدالله (25 سنة) التي تشارك في أغلب المعسكرات التي تقيمها "قرية الشباب"، تؤكد أن "القرية تشكل نقطة انطلاق للشباب في المنطقة، بحيث أصبحت أحد نماذج الصمود والعودة إلى الأرض، من خلال تعمير الجبال وزراعتها، والنشاطات في قرية الشباب منوعة بين مخيمات صيفية وشتوية، وبرامج الرياضة للجميع، إضافة إلى التحديات والمسارات البيئية والرياضية ومعسكرات العمل التطوعي، والبرامج التدريبية، وجميعها مخصصة للشباب".

 


حماية من الاستيطان
 
على الرغم من تعرض أجزاء من "قرية الشباب" لأطماع إسرائيلية تمثلت بمحاولة مصادرتها، كونها تقع في مناطق مصنفة "ج" (خاضعة للسيطرة الإسرائيلية)، إلا أن القائمين عليها أصروا على استكمال العمل فيها وتوسعتها، حتى خرجوا نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في "قمة الشباب"، دعوا من خلالها صناع القرار الفلسطينيين ورجال الأعمال، إلى الاستثمار في الأرض، وأطلقوا بشعار "حلول مبتكرة" قدموا فيه قريتهم الشابة كمشروع ريادي وطني، يستهدف استصلاح الأراضي والاستثمار فيها وحمايتها من الزحف الاستيطاني، بخاصة تلك الواقعة في الأغوار (شرق الضفة الغربية) والمصنفة ضمن المناطق "ج"، مطالبين آنذاك الحكومة الفلسطينية باستنساخ نموذج قرية الشباب في كل منطقة مهددة بالمصادرة من قبل الإسرائيليين، وذلك للحفاظ على الأرض الفلسطينية في وجه محاولات الضم والتهويد الاستيطانية.
 
وعود رسمية
 

من جهة أخرى، تحدث رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية مراراً وتكراراً بعد زيارة "قرية الشباب" عن أهمية تعميم فكرة القرى الشبابية في كل المحافظات، تماشياً مع استراتيجية الحكومة الفلسطينية للتنمية، وإنشاء قرى سياحية وصناعية، وتكنولوجية، بخاصة في مدينتَي بيت لحم والخليل (جنوب الضفة الغربية)، ونابلس (شمال الضفة الغربية). واعتبر وزير التربية والتعليم السابق صبري صيدم أن "القرية يجب أن تكون ضمن مواقع وزارة التربية للرحلات المدرسية السنوية، التي تهدف إلى بناء جيل واعٍ مدرك لقضايا فلسطين، ولأهمية الطبيعة وحمايتها وخلق توازن بيئي أخضر نظيف بعيد من ملوثات العالم الحديث".

 
حاجة ملحة للتنمية

وفق آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2019، يصل معدل البطالة بين صفوف الخريجين الفلسطينيين إلى 58 في المئة، ما يؤشر وفق مختصين إلى خطر حقيقي على مستقبل التنمية، ويتطلب شراكات حقيقية وتكاملية بين مؤسسات المجتمع الفلسطيني، وانخراط الشباب في جهود التنمية، وتمكينهم من المهارة والمعلومة لقيادة حراك مجتمعي قادر على التغيير والتأثير نحو الأفضل، بخاصة أن ثلث المجتمع الفلسطيني من الشباب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات