Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء الانتفاضة اللبنانية: معاناة وكفاح مستمرين

تعوّل النساء على لعب دور رئيس في المرحلة المقبلة وعدم الاكتفاء بأن تكون قطعة أكسسوار في المكاتب السياسية للأحزاب

الطرابلسيات تشاركن بفعالية في الانتفاضة ضد النظام الفاسد (اندبندنت عربية)

لأن الثورة أنثى، احتلت النساء مقدمة الحركات الاحتجاجية في طرابلس وكل لبنان. واختلفت طرق التعبير عن الوجع باختلاف التجارب الشخصية والخلفيات السياسية والاجتماعية والثقافية. وتمتلئ زوايا "ساحة النور" (في طرابلس)، بالنساء اللواتي يحملن قصصاً، تحكي مساهمتهنّ في الانتفاضة الشعبية. فمنذ الأيام الأولى، برز الحضور الأنثوي العريض، إذ أكدت عالمة الاجتماع مهى كيال أن ما يجري "أمر صحي وأسهمت به الجمعيات بصمت"، لافتةً إلى أن "المرأة كسرت الصورة النمطية التي كانت تتعامل بها كعامل هامشي في السياسة العامة". وانطلقت كيال من حضور نساء من مختلف الشرائح الاجتماعية، لتشير إلى زيادة مستوى المسؤولية والتعليم، والوعي لحقوق المرأة، التي كسرت القيود الاجتماعية واحتلت مواقع القيادة.
وصدحت في الأيام الأخيرة، أصوات القرقعة في الأنحاء، فما إن يهبط الليل حتى تخرج النساء إلى الشرفات للضرب على الطناجر، علامة على إدانة السلطة التي أوصلت المواطن اللبناني إلى ما دون مستوى الفقر. وتنظم النساء مسيرات بالشموع ويغطين الجدران برسوم الغرافيتي. كما تستغل بعض النساء التجمعات الشعبية لإعالة عوائله، فهنا سيدة تبيع القهوة، وهناك أخرى تبيع الذرة، فيما تبيع جارتها الأعلام والتذكارات الوطنية.
 


الأنثى موجوعة

تختصر قصة فاطمة أوجاع نساء ساحة الانتفاضة في عاصمة الشمال. تجول هذه السيدة بين الناس، حاملةً بيدٍ لوحة تخبر قصتها، وبيدٍ أخرى العلم اللبناني. فهذه الأرملة الستينية لا تملك مكاناً يأويها، لذلك تنام على الرصيف، وتعوّل على عطف المارة ليقدموا لها بعض المال. ولا تطمح فاطمة لأكثر من حقوقها الأساسية، إذ تحتاج إلى المأكل والمشرب والدواء ومكان دافئ يحتضنها مع حفيدها الصغير، ويحميها من الاعتداءات والضرب الذي تتعرض له أحياناً في الطريق من جانب السكارى.
تتحدث فاطمة عن حياة صعبة عاشتها وتعيشها الآن، فهي لم تعرف يوماً حلواً في حياتها، وإذا مرضت لا يمكنها زيارة الطبيب وتكتفي بالماء وأقراص الدواء الخفيف. وأقامت لفترة من الزمن بالقرب من المجارير في ملجأ تابع لأحد الأبنية في منطقة القلمون (شمال لبنان). وتقول إنها تلقت عروضاً من بعض العائلات لتقطن معها، ولكنها رفضت لأنها تفضل أن تكون حرة في غرفة خاصة بها، وإن لم يكن فيها سوى صحن وملعقة وفرشة. وتعتبر أن من حقها على الدولة تأمين حياة كريمة لها، عوضاً عن تركها تتسوّل على أبواب السياسيين أو كسب عطف الناس. وبغية لفت الأنظار إلى قضيتها ومعاناتها، قامت فاطمة بمحاولات يائسة عدّة، إذ سبق أن هدّدت بإحراق نفسها، كما عرضت كليتها للبيع.


"نشيد الثورة"

إلى جانب الوجه المؤلم، تمكّنت بعض النساء من تقديم وجه مبهج للساحة، من خلال نشيد الثورة الذي كتبته ولحّنته فاديا دوماني، وغناه كورس من المتطوعين. وأسهمت ثورة 17 أكتوبر، في دفع السيدة دوماني إلى تقديم عمل فني ينادي الشعب للوعي والنزول إلى الساحة، باللغة العربية وتُرجم إلى الفرنسية. واختصر النشيد حياة الثورة، وتنقّل بين ثلاث لحظات: المعاناة والألم اللّذان ولّدا الثورة، وتمجيد انتفاضة الشعب على الظلم والزعيم، وطرق باب المستقبل، موحّدين لبناء دولة مدنية حرة. وأثنت دوماني على دور السوبرانو الثائرة غادة غانم في إبصار هذا العمل النور، فهي شاركت في كتابة الكلمات والغناء.
يمتاز "نشيد الثورة" هذا عن سائر الأناشيد الثورية في أنه يدعو إلى السلم والولاء للوطن بعيداً من أي اعتبار ديني، في حين أن تمجيد الحرب هو الذي كان العنصر الغالب على البقية. وبحسب دوماني، حافظ نشيد الثورة على النغم الشرقي مع ربع الصوت، كما أن الموسيقى تنتهي بنغم يعطي الأمل والفرح عندما يعلن أنها "ثورة للحرية".
تعتمد دوماني الموسيقى وسيلةً لتجسيد القضايا السامية، لذلك هي سعيدة بردود الفعل الإيجابية التي أعقبت إطلاق "نشيد الثورة" من طرابلس، وهو استمرار لنشيد "يلا ننشر السلام" الذي قدّمته بعد انتهاء الأحداث بين جبل محسن وباب التبانة. وجاء هذا النشيد ليعبّر عن تعلّق المرأة اللبنانية بالفن، فالسيدة دوماني التي تعمل في مجال التوعية بمرض السكري، اندفعت عند انطلاق الثورة إلى المشاركة في هذا النشيد، وهي على غرار اللبنانيات الرائدات في الشرق، أثبتت أن الانتفاضة تجاوزت القمع السياسي والاجتماعي، لتكرّس دور المرأة في الحياة العامة.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المرأة في السياسة

منذ سنوات، ينشط الحراك النسوي على خط مشاركة المرأة على الصعيد السياسي وصناعة القرار. وتلفت الناشطة السياسية رولا المراد إلى أن المرأة فرضت نفسها شريكاً في هذه الثورة ومواجهة السلطة وعلى المنابر، لأنها تحمّلت المآسي والفساد على كل الأصعدة التربوية والصحية والسياسية كالرجل تماماً، وهذا يفرض أن تكون شريكةً في التغيير ووضع الحلول. وتطالب مراد بالانتقال من مرحلة التمييز بين الرجل والمرأة إلى الحديث عن المواطن.
تعوّل النساء على لعب دور رئيس في المرحلة المقبلة وعدم الاكتفاء بأن تكون قطعة أكسسوار في المكاتب السياسية للأحزاب. لذلك تأمل مراد في أن تفرز الثورة اختصاصيين واختصاصيات، وكفاءات وقيادات قادرة على الولوج إلى مطبخ الثورة وبناء الوطن الجديد وبلوغ بر الأمان.
ولا تطالب النساء اللبنانيات بأكثر من معاملتهن كمواطنات متساويات في الحقوق. وتشير المراد إلى مجموعة من حقوق المرأة التي يجب إقرارها وفي مقدمها منح الجنسية لأبنائها، والحماية من العنف، وأن تكون شريكة في مراكز القرار. وتعبّر المراد عن ثقتها بالقضاة النساء والحقوقيات كي يلعبن دوراً كبيراً في محاربة الفساد وتجاوز المرحلة الحساسة.

المزيد من العالم العربي