Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأحزاب… قبائل لبنان!

يرفع شباب ثورة 17 أكتوبر اللبنانية شعارات رفض الحزبية في بلادهم

طلاب لبنانيون يتظاهرون امام مبنى وزارة التربية في بيروت الجمعة 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي (أ. ب.)

أول هدية لبنانية أحصل عليها في صباي، أسطوانة تضم أغنية "غنيتُ مكة" لفيروز، من ألحان الأخوين الرحباني وكلمات الشاعر سعيد عقل (المعجب بالديكتاتور معمر القذافي!)، الهدية جلبها لي من لبنان، عامل لبناني مسيحي من قرية "بيت شباب"، يعمل في ليبيا ويسكن بحي "الصابري" بمدينة بنغازي، مسقط الرأس وحيث أعيش، ودكان أبي ما يتزود منه العامل بحاجاته بـ"الدّين". واضطُر أبي تحت إلحاحي، أن يشتري لي جهاز "بيك آب"، كي أشغل الأسطوانة، وأصبحت أول شخص، يمتلك جهاز الـ "البيك آب" في حي الصابري، وفيروز تصدح "غنيت مكة".
هكذا بدأتُ علاقةً بلبنان: مسيحيون يتغنون بمكة، وآخر يُهديني الأسطوانة، لكن ما سيتبيّن لي في أول شبابي، أن لبنان صرح مبني من تراب وعلى تراب، حين أفقت عام 1975، على أول حرب أهلية تندلع، في عالمي وفي العالم العربي، وكشاب مفعم باليسار، انحزت إلى طرف "القوى الوطنية اللبنانية"، فالأحزاب المكونة لهذه الجبهة.
كنتُ في بلادٍ، شعارها وقانون حاكمها المطلق "مَن تحزب خان"، فكنت من الخائنين، حيث قضيتُ سنوات عشر في السجن، بعدما نلت حكماً بالمؤبد، بتهمة الشروع في تأسيس حزب، وكان العقيد معمر القذافي، أحد أهم المتورطين في الحرب الأهلية في لبنان، ذكر في كتابه الأخضر، الملخِص لنظريته العالمية الثالثة: "أن الحزب قبيلة العصر".
الملفت للنظر أن الليبيين، أثناء ثورتهم في فبراير (شباط) 2011، وما بعدها، سيردد شبابهم الثائر، بوعي أو دون وعي، نظرية القذافي، الذي ثاروا ضده، على اعتبار أن "الحزبية إجهاض للديمقراطية"، ثم سيكرر الجزائريون، في الموجة الثانية من الربيع العربي، رفض الأحزاب، التي مع السلطة وتلك المعارِضة، ثم تجيء ثورة لبنان 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فيرفع الشباب شعارات، رفض الأحزاب والحزبية في لبنان، وما يرددون في ساحاته، شعار الربيع العربي: "الشعب يريد إسقاط النظام".
 

الأحزاب في منطقتنا

 

حقيقة أن مسألة الأحزاب، في المنطقة بخاصة، مسألة شائكة منذ البدء، منذ بزوغ حركات التحرير، ثم بالأساس على يد العسكر، الذين سيطروا على السلطة عبر انقلابات، أشهرها انقلاب الزعيم الشعبوي جمال عبد الناصر الذي ألغى الأحزاب وأدانها، ضمن ما يمكن تسميته "أدبياته السياسية"، المستندة إلى حجج مستعارة من السرديات الكبرى، كالماركسية.
فعلت ذلك أيضاً المنظمات الدينية للإسلام السياسي، وحتى القومية الشوفينية، المتفردة بحكم الحزب الواحد. وكما يبدو أن هذا، مشترك أساس بين هذه الأطراف، أتت به سرديات هذه القوى السياسية المهيمنة.
أضف إلى ذلك، ما استجد في العالم أخيراً، من مراجعة وتشكيك، في الحالة الحزبية القائمة، بخاصة في الغرب، من حيث التأسيس النظري والعملي للحزبية وعلاقتها بالديمقراطية.
على الرغم من ذلك، فإن الموقف من الأحزاب والحالة الحزبية، الذي برز عقب الربيع العربي، يختلف في أساسه عن المسببات القديمة في المنطقة وعما استجد في الشارع والنظرية السياسية الغربية. فالمثال الليبي يأتي مع منعٍ للأحزاب منذ الاحتلال العثماني، لم ينتهِ مع الاحتلال الإيطالي للبلاد في عام 1911، الأمر الذي أكد المنع. وأعقب ذلك النظام الملكي في عام 1951، ثم سلطة القذافي المطلقة (1969 – 2011).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في الجزائر فيختلف الأمر، من حيث أن السلطة العسكرية الحاكمة للجزائر، منذ الاستقلال في عام 1962 وحتى الساعة، سمحت عقب انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 1988 بتشكل الأحزاب، ومشاركة شكلية في السلطة، إضافة إلى أحزاب معارِضة منزوعة الأنياب.
فكيف هي الأحزاب اللبنانية، التي قامت منذ فترة الانتداب الفرنسي، فالاستقلال، على تقاسمٍ للسلطة وفق عرف دستوري طائفي؟ هذا الشأن الطائفي، وهو جوهر الدولة اللبنانية، انعكس بشكل بيّن على نشأة الأحزاب، التي تمثل طائفة، ورأس الطائفة عائلة، هي رأس الحزب-الطائفة، أي أن "القبيلة اللبنانية" تمظهرت بشكل حزب ولارتباط الطائفة بالدين، كانت الأحزاب بشكل ما أحزاباً دينية!
وعليه كانت الأحزاب، واجهةً فحسب لشرعية سلطة الطائفة، ومن هذا الأمر المعيب، الذي دُعي بالديمقراطية اللبنانية، نشأ حزب الله، فـ"آية الله" (حسن) نصر الله! الديكتاتور المتخفي بدستور لبنان الطائفي، الأمر الذي أشرتُ إليه في مقالة سابقة، نُشرت في "اندبندنت عربية" تحت عنوان "ديكتاتور لبنان".
الواضح أن شباب الربيع العربي، يُجمعون على مناهضة السلطة القائمة، يريدون إسقاط النظام، وشباب لبنان الذين تابعتُ نفراً منهم، في ندوة تلفزيونية، لا يرفضون الأحزاب، كأحد أسس الديمقراطية، التي يحلمون ويطمحون ويعملون، بما استطاعوا إليه سبيلاً، لتحققها في بلادهم، لكنهم يرفضون تمظهر هذه الأحزاب عندهم، فالأحزاب اللبنانية بنظرهم، وفي هذا الحال، تزييف للديمقراطية، كما هو قول القائل "إن من تحزب خان".
يحضرني بالمناسبة، موقف حصل مطلع السبعينيات، حيث دعت أجهزة القذافي، ثلةً من كتّاب وشعراء عرب، لزيارة البلاد والالتقاء بـ"العقيد"، الذي صال وجال خلال اللقاء معهم، شارحاً "نظرية عالمية ثالثة"، في خطاب حماسي طويل.
وعقب الخطبة ناقشه بعض الحضور، من بينهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، الذي قال للقذافي "أنت تقول مَن تحزب خان، السؤال خان مَن؟" 
اقرأ المزيد

المزيد من آراء