Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تُخبرنا رغبة  ليام نيسون في الثأر لامرأة تعرضت للاغتصاب من قِبل رجل أسود عن المجتمع والأعراق؟

سعيدة لصراحة نيسون حيال هذه القصة كونها تسلّط الضوء على ظاهرة لا يفهمها سوى القليلون

ملصق إعلاني يظهر صورة الممثل الإيرلندي ليام نيسون خلال مهرجان برلين للأفلام, 7 فبراير (شباط) 2019. (أ.ف.ب) 

عندما يُؤتى على ذكر الممثل ليام نيسون في أي حديث هذه الأيام، يذكر كثيرون شخصياته التي يجسدها على شاشة السينما لا سيما رغبته في تحقيق العدالة بيديه من أجل أحبائه.
بدءاً من فيلم "تيكن" Taken  الذي يقول فيه: "إذا أطلقت سراح ابنتي الآن سينتهي الأمر عند هذا الحد. لن أبحث عنك، ولن أطاردك، ولكن ما لم تفعل ذلك، فسأبحث عنك وأجدك وأقتلك"، وصولاً إلى المقولات الأقل شهرة والمغلفة بذات الجو من الإثارة، كما في فيلم "الركض طيلة الليل" Run All Night وفيلم "الراكب" The Commuter  كما يسميه البعض أيضاً "تيكن على متن القطار")، اللذين استمتعنا فيهما بأدوار نيسون التي جسد فيها دور الباحث عن الانتقام بعاطفة الأبوّة. حتى الآن.
في مقابلة مع ذي اندبندنت وفي خضم الحديث عن فيلمه الأخير "كولد بيرسوت" Cold Pursuit, (الجدير بأن يسمى "تيكن في الجليد")، تحدث نيسون عن تجربته الشخصية عندما تعرض أحد المقربين منه إلى "اعتداء إجرامي". واصفاً رد فعله بـ "الهمجي"، روى نيسون قصة مزعجة كشف فيها عن تعرض امرأة تربطه بها علاقة شخصية للاغتصاب أثناء سفره.
إذ يقول "تعاملت هي مع حادث الاغتصاب بطريقة استثنائية.
"لكن رد فعلي لحظتها كان أن... سألتها، هل عرفت من الفاعل؟ لا. ما لون بشرته؟ فقالت إنه كان رجلاً أسود البشرة".
قام نيسون عقب ذلك برد فعل تقشعر له الأبدان؛ فبدلاً من أن ينشغل بالرعب الناجم عن الاغتصاب أو الألم الرهيب لمعرفة أن أحداً تربطه به علاقة شخصية تعرض لاعتداء فظيع، اكتفى نيسون بالتركيز على سواد الجاني متعطشاً للانتقام بأي شكل، بغض النظر عن عثوره على الفاعل من عدمه.
إذ اعترف "أخذت أجوب الشوارع وفي يدي هراوة متمنياً أن يقترب مني أحدهم - أخجل من قول ذلك - استمريت على هذه الحالة لما يقرب من أسبوع كامل، متمنياً أن يعترض طريقي أي ’أسود لعين‘ بعد خروجه من الحانة، أتفهمين ما أقصد؟ كي أتمكن من...قتله"، في رد فعل وصفه فيما بعد بالـ "فظيع".
يفسر نيسون إلى حد ما سبب ميوله الثأرية تلك بأنّه تعرض للعنف وشهد عدداً من أعمال القتل الانتقامية في أيرلندا الشمالية خلال فترة الاضطرابات فيها. ولكن ما أدهشني عندما قرأت تصريحه هو مدى عمق إيمان المجتمع على ما يبدو بالتفوق العنصري للبيض الذي تكشف عنه "وحشية السود" تجاه "امرأة لا حول لها ولا قوة" (عادة ما تكون المرأة بيضاء في هذا السياق، ولو أننا لم نعرف لون بشرة الضحية في هذه الحالة).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قبل أن أواصل كلامي، أود أن أؤكد أنني لا أزعم أن نيسون أخطأ في الشعور بالغضب أو أن رد فعله كان خارجاً عن المألوف مقارنةً بغيره ممن يتعرضون لظروف مماثلة، ولكن في ظروف كالمذكورة أعلاه، غالباً ما يكشف "التحيز المسبق" عن نفسه في ردود أفعال المرء على جرائم مثل الاغتصاب وفقاً لما أوضحه لاسانا هاريس الأستاذ المساعد لعلم النفس التجريبي في كلية لندن الجامعية، ولو لم يكن بمقدورنا بالطبع أن نعرف ما إذا كان الأمر كذلك في حالة نيسون.
ما أتحدث عنه هنا فكرة قديمة لطالما استخدمت منذ قرون لإعطاء الدافع للعنصريين، ولا سيما الرجال البيض، من أجل إضفاء الشرعية على تعاملهم بعنف وقسوة ضد السود، فهي ذاتها الرواية التي سمعناها عند تعذيب إيميت تيل وقتله في ولاية ميسيسيبي عام 1955. وفي هذه البلاد أيضاً، يقال إن أعمال الشغب في سباق نوتنغهام سيء السمعة عام 1958 اندلعت بعد أن شوهد رجل أسود يغازل إلى امرأة بيضاء في إحدى الحانات.
وهي نفس الفكرة التي يُقال أن ديلان روف – القاتل الذي أردى تسعة أشخاص رمياً بالرصاص في كنيسة في تشارلستون بعد نحو 60 عاماً من الحادثتين المذكورتين أعلاه – قالها صارخاً قبل إطلاقه النار على ضحاياه. "أنتم تغتصبون نساءنا وتستولون على بلادنا، عليكم أن تغادروا".
هذه ليست الأمثلة الوحيدة؛ وما عليك إلا أن تطالع بعضاً من تاريخ أي مستعمرة أوروبية سابقة للعثور على أمثلة لذات الدعاية المغرضة. فبعد الحرب العالمية الأولى، استخدمت ألمانيا "الرعب الأسود على نهر الراين" (الفكرة التي تقول بهمجية الجنود الفرنسيين الاستعماريين من أصل سنغالي - "الكتائب السنغالية" - وما يمثلونه من تهديد جنسي للنساء) لنزع الشرعية عن الجيش الفرنسي.
بطبيعة الحال، فإن الاختلاف الرئيسي بين نيسون وهذه الأمثلة هو حقيقة أن أحدها جاء على وقع حادثة فعلية، في حين تقوم معظم ردود الأفعال التي تنم عن التفوق العنصري للبيض دائماً على الأكاذيب والشائعات. فضلاً عن ذلك، لم يرتكب نيسون أي فعل متهور وعبر عن خجله من أفكاره تلك فيما بعد. ولكنني أتساءل إن كان كلا المنهجين يرتكزان على فكرة أساسية (ولو كانت لا شعورية) تشير إلى اختلاف السود أو عدم تحضرهم أو وحشيتهم - بدلاً من التركيز على حقيقة أن الاعتداء الجنسي والاغتصاب هما بحد ذاتهما أفعال بغيضة، أياً كان مرتبكهما.
وبالمناسبة، أنا سعيدة بصراحة نيسون حيال هذه القصة التي "لم يعترف بها" لأي شخص آخر، كونها سلطت الضوء على ظاهرة لا يفهمها سوى القليلون  ولكنن يجب أن نتحدث عنها.
على الرغم من اعتقاد الممثل المعروف بتعلمه الدرس من هذه المحنة بعد أن فكر فيها في نهاية المطاف قائلاً لنفسه "اللعنة! ما الذي تفعله؟"، فإنني لأزعم أن هناك شيئاً أكبر يمكننا تعلّمه من ذلك كله. شئنا أم أبينا، فإن العنصرية كانت وستظل ذات آثار نفسية على المجتمع أعمق مما يدركه الكثيرون.
 

© The Independent

المزيد من آراء