Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخوف والصيد في غريمزبي: مدينة قد تؤشر إلى الفائز في الانتخابات البريطانية المقبلة  

اعتبرت مقاعدها رمز الفوز الضروري للمحافظين لانها بلدة متوزعة بين ولائها للعمال ورفضها للبريكست. وثمة ميادين اخرى لمعركة المقاعد النيابية

أسماك القدّ من الثروات الرئيسة لغريمزبي، ورفع بوريس جونسون إحداها في مؤتمر صحافي باعتبارها أتية من... اليونان! (غيتي)

خلال العصر الذهبي لقطاع صيد الأسماك في مدينة غريمزبي في خمسينيات القرن الماضي، كان القطار ينطلق كل ساعة من مرفأ المدينة باتجاه لندن مباشرة، محمّلاً بالسمك الطازج ولا شيء سواه.

ويشير ديفيد أورنزبي، القائم بأعمال مدير العمليات في "مركز غريمزبي التراثي لصيد الأسماك"، إلى ذلك موضحاً أن "الحمولة كانت تنتقل مباشرة من السفن وعبر السوق لتوضع بعدها على متن قطار ينتظرها. واعتُبر هذا الميناء مرفأ الصيد الأوّل في العالم".

ويخبر كبار السنّ روايات عن مرفأ مكتظ بمراكب الصيد إلى درجة أنه باستطاعتك عبوره كاملاً إن قفزت فوق الحبال التي رُبطت بها المراكب إلى المرفأ. وتدافع الأطفال حينها وتشاجروا في ما بينهم للظفر بفرصة مساعدة البحّارة الذين كانوا يتقاضون أجوراً عالية ويشتهرون بسخائهم. كذلك آمن البحّارة بخرافة قديمة تروي إن الرجل يجب ألّا يغادر اليابسة أبداً وفي جيبه المال، ما دفعهم إلى إعطاء حفنات من القطع النقدية للصغار الذين تحلّقوا حولهم لحمل أمتعتهم.

وما تزال غريمزبي اليوم معروفة بصيد الأسماك ويمرّ عبر سوقها 20 ألف طنّ من الأسماك سنوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل، لكن التجارة الضخمة والإزدهار الماضي اختفيا منذ زمن بعيد. وأصبح الماضي ضرباَ من الخيال بالنسبة إلى مرفأ أضحى اليوم متردّياً. وتترجم القيود المفروضة على كمية الأسماك المسموح بصيدها، وفق تحديد من الاتحاد الأوروبي، بأنه لم يتبقّ سوى عدد قليل من المراكب في هذا المكان. وتراجع حال أحياء المدينة بالتتابع. إذ اندرجت ستة من أصل ثمانية أحياء انتخابية تابعة لها، ضمن معدّل الـ10 في المئة من المناطق الأفقر في المملكة المتحدة. ولم يعد القطار يصل بين المدينة ولندن مباشرة، ولا بحّارة سفن الصيد يتشاركون نقودهم مع الأطفال. أكثر من ذلك، اختفى البحّارة تقريباً.

باختصار، شهدت هذه المدينة تغييراً هائلاً على مدى الأجيال الثلاثة أو الأربعة الماضية. وسيخبركم السكان أن هذا التغيير لم يكن كلّه نحو الأفضل.

وربّما تقف المدينة الآن على أعتاب تحوّل جذري جديد. إذ ظلّت دائرة غريمزبي الكبيرة الانتخابية معقلاً وفياً لحزب العمّال منذ العام 1945. ولكن، إذا صدقت إحدى التوقعات، تكون المدينة موشكة على انتخاب نائب عن حزب المحافظين للمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

وفق توقعات شركة الاستشارات السياسية "إيليكتورال كالكولوس" المتخصصة في التحليل الكمّي، سوف تفوز عضوة المجلس البلدي ليا نيسي بالمقعد النيابي، إذ تتنافس مع ميلاني أون التي تملك أغلبية ضئيلة تصل إلى 2.565 صوت.

ما الأسباب؟

لا شكّ أنّ الموضوع خاضع للتخمين. لكن، في مدينة صوّت 71 في المئة من سكانها لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن الناخبين في هذه المنطقة التي تناصر حزب العمّال تقليدياً وتاريخياً، مستعدون أن يقدموا على خطوات غير مسبوقة في سبيل تنفيذ بريكست، بل باتوا مستعدين الآن أن ينتخبوا حزب المحافظين.

وقد أقدموا بالفعل على هذه الخطوة نوعاً ما. وفي انتخابات المجالس البلدية في شهر مايو (أيّار) ربح المحافظون مجلس شمال شرق دائرة لنكولنشاير المحلية. ومثّل ذلك مرّة أولى يتولّى فيها الحزب هذه الهيئة منذ تأسيسها في العام 1996.

يخبرني مات والش أثناء جلوسنا داخل حانة "ويلينغتون آرمز" الشهيرة في المدينة "انتخبت حزب العمال طوال حياتي. لكن هذه المرّة، سوف انتخب المحافظين. أريد للصوت الذي أدليت به في 2016 أن يُسمع".

وتجعل تلك الأمور كلها مدينة غريمزي فريدة وشبيهة بكثير من مقاطعات الشمال الانتخابية في نفس الوقت. إذ تعتبر كلّها معاقل لحزب العمّال ولكنها مملؤة بمناصري الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ومن يفوز بمقاعد من ذلك النوع، لا بدّ أن يثق بفوزه في الانتخابات.

ذهبت إلى تلك المدينة الواقعة على الساحل الشرقي من مقاطعة لنكولنشاير التي يقطنها 90 ألف شخص، في اليوم الذي أكّد فيه نايجل فاراج أنّ حزب بريكست سوف يقدّم مرشحين عن المقاعد كافة في المملكة المتحدة.   

عندما ظهرت صورته على التلفاز في حانة بيبيز ذاك المساء، لاقت بعض الاستحسان من الموجودين. وقلّة من الأشخاص الذين تحدثت إليهم هنا تريد تصويتاً شعبياً. إذ يعتبرون أنهم شاركوا بالفعل في هكذا تصويت. والآن، يريدون أن يروا نتيجة تصويتهم قيد التنفيذ. وإذا قرر حزب بريكست تقديم مرشح عنه هنا، فلا شكّ أنه سيفوز بأصوات الناخبين أيضاً. 

ويذكر والش الذي جالسني في حانة ويلينغتون، أنه "بعد مرور ثلاث سنوات، ما زالوا يتجاهلوننا". كيف يشعر إزاء ذلك؟ "بالعجز والغضب". ثم يضرب طابة بلياردو بعصاه، ويضيف "صوتنا غير مهم لأننا غير أثرياء ولا متعلمين ولا نعيش في لندن".

ويضيف أنه يحب بوريس جونسون "تستطيع شرب كأس معه، أليس كذلك؟" يسأل عامل النظافة البالغ من العمر 49 عاماً، قبل أن يتابع "حتى لو كان محافظاً حقيراً".

في هذه البيئة، تجد النائبة ميلاني أون نفسها في وضع لا تحسد عليه. إذ ناصرت السيدة البالغة 40 عاماً من العمر التي لم تدخل البرلمان سوى في العام 2015، حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي خلال الإستفتاء. لكنها في الشهر الماضي، كانت بين 19 نائب من حزب العمال دعموا صفقة بريكست التي قدّمها رئيس الوزراء [بوريس جونسون]. وما أقدمت على هذه الخطوة سوى لشعورها بضرورة تمثيل رأي ناخبيها. وأضافت، "عبّروا عن رأيهم الصارم والصاخب".

بسبب عملها هذا، قابلها مناصرو البقاء الممتعضون بسيلٍ من الإساءات. وكتب لها أحدهم في رسالة إلكترونية "أيتها الحقيرة الشريرة المخادعة". وأضاف آخر "ربما بحوزتهم معلومات مسيئة عنك بسبب فضيحة جنسية رهيبة أو ما شابه". ويبدو أنها تلقّت رسائل أسوأ أكثر من ذلك.

ومن غير المؤكد حتى أن يكون موقفها قد أكسبها أصدقاء في أوساط مناصري بريكست في غريمزبي. وبالنسبة إليهم، بغض النظر عن موقفها الشخصي، لا ثقة في قدرة حزب العمال على تنفيذ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مهما كانت  الأحوال.

عندما أحاول الإتصال بأون لمناقشة هذا التناقض، تُعلمني مديرة مكتبها كايتي بورجيس أنّ لا وقت لديها. وعندما أذكر ما حصل معي، يعلّق ناخبٌ بقوله "هذا أسلوبها مع ناخبيها أيضاً على ما أعتقد".

في المقابل، تخصص ليا نيسي لي بعض الوقت على الأقل. واجتمع بعضوة المجلس البلدي في متحف التراث الذي ذكرته سابقاً (في الحقيقة، يبدو رائعاً) كي نتناول سندويشات السمك المقلي. وتبدو منهمكة في ترتيب معرض في هذا المكان عن فريدي فرينتون. من هو؟ أحد أشهر أبناء غريمزبي... ممثل سينمائي صنع فيلماً اسمه "عشاء لشخص"، وقد نال شعبية واسعة في ألمانيا لدرجة أنّه يُعرض هنا كل موسم عيد ميلاد.

وبرأي نيسي "بالنسبة لهم [سكان غريمزبي] يشبه الثنائي الكوميدي موركام ووايز". وتضيف أنّ "شهرته في ألمانيا تفوق شهرة وينستون تشرشل" وهو ما يبدو غير معقول كلياً. وماذا عن الممثل ديفيد هاسلهوف؟ "مممم، ليس مشهوراً جداً على الأرجح ".

تتحدّر نيسي، مثل فرينتون، من غريمزبي (وهذا حال السيدة أون أيضاً). هل ستقدر فعلياً على إحداث خضّة سياسية في مدينتها؟

تجيبني المنتجة الإعلامية البالغة من العمر 50 عاماً "أعتقد أنّ حظوظنا هذه المرة هي الأفضل خلال جيل كامل. تاريخياً، كنت لتنظر إلى هذا المقعد وتقول إن الأمر صعب. لكن، ما أسمعه من الناس الآن هو أنهم لا يحبون جيريمي كوربين ويحبون بوريس... وبالطبع هناك موضوع بريكست. وهم يثقون بنا كي ننفذّ الانسحاب".

شخصياً، صوتّت تلك الابنة لمهاجر إيطالي، لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي.  ووفق كلماتها، "إنها المرة الأولى التي اضطررت فيها إلى حزم أمري داخل حجرة التصويت. لكن البلد اختار الانسحاب. وأظن أن الناس كانوا على حق. وارتبط خيارهم برغبتهم في الاستقلال والسيادة. إن كنت تؤمن بالديمقراطية، فعليك تنفيذ هذا الخيار الآن".

وربّما حسمت مسألة تحديد حصص صيد الأسماك خيار غريمزبي أيضاً. إذ يلقى اللوم هنا بشكل واسع في مسألة تردّي قطاع الصيد، على القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على كميات الأسماك المسموح باصطيادها. "فلنخرج من الاتحاد الأوروبي. وربّما عندها نستطيع البدء بالصيد من جديد"، وفق كلمات مارغريت جونز في مركز فريشني بلايس للتسوق.

ولا يبدو مهماً بالنسبة لها أنّ المدينة تعتبر معبراً رئيسياً على طريق استيراد السيارات الألمانية أو أنّ الاتحاد الأوروبي موّل جزئياً سوق الأسماك الجديد الذي أنشئ في العام 2012. وتضيف جونز، "ما أهمية كل هذا في ظل الكساد الإقتصادي؟ تعيش هذه المدينة كساداً اقتصادياً منذ 40 عاماً".

ولكن يجب التأكيد أنّ غريمزبي ليست المدينة القاتمة التي تصوّرها رسوم الكاريكاتور والصحافيين المستقرين في الجنوب.

وعلى الرغم من الكساد، ما زالت المدينة تملك الكثير من الميزات الحسنة. إذ يبدو الناس هنا ودودون ويحبون الحديث مع الآخرين، وفي المرفأ بعض المعالم السياحية المذهلة حقاً مثل برج المرفأ البالغ ارتفاعه 200 قدماً، وطاحونة "فيكتوريا فلاور" الخالية لكن المزمع تجديدها، كما يعتبر ريف لنكولنشاير وولدز بمثابة كنز قومي. وتتمتع مدينة كليثوربس الساحلية المجاورة بخمسة أميال تقريباً من الشواطئ الذهبية التي تضج بالحياة خلال فصل الصيف.

من ناحية اخرى، لدى سكان المدينة طبعاً مخاوفهم التي ستلعب دوراً خلال الانتخابات العامة. إذ تصل البطالة هنا إلى 7 في المئة، والتحصيل العلمي أقل من المستوى المطلوب. كذلك تعتمد "مستشفى ديانا أميرة ويلز" الموجودة في المدينة على إجراءات مالية خاصة. وتزيد معدلات الإدمان على الكحول والمخدرات وحمل المراهقات عن المتوسط الوطني، فيما تواجه الشرطة مشكلة تهريب المخدرات نحو المناطق الريفية. وقد ثار بعض الغضب عندما اقترح مجلس بلدية شمال شرق لنكولنشاير إيقاف العمل بتخفيض على ضريبة البلدية بالنسبة للعائلات الأكثر فقراً.

ويرى إيان بارفيلد، مرشّح حزب الديمقراطيين الأحرار عن المنطقة "إنها مدينة ساحرة. لكن فيها مشاكل تستوجب المعالجة. لا أعتقد أننا وحدنا في هذا الوضع لكن ربما يساهم موقعنا الجغرافي في مشكلة التغاضي عنّا. لا يستثمر وويستمنستر [مقر مجلس النواب] لدينا بكل بساطة. والناس قلقون على مستقبلهم، ويحتاجون إلى حكومة تتفهّم مخاوفهم وتساعدهم".

ولا يبدو على الرجل البالغ من العمر 55 عاماً أنه يتأمل كثيراً بالفوز في الانتخابات. ويقدّم تقييماً صريحاً وغير متوقّع لوضعه، فيقول "إنّ فرص فوزي ضئيلة". وباعتباره المرشّح الوحيد الذي يجاهر بدعمه البقاء في الاتحاد الأوروبي، يلفت إلى شعوره بأنّ موقفه أصبح يكتسب شعبية هنا.

أحقاً؟ أسأله، لأنني لم أستشعر هذا الموقف من حديثي مع الآخرين. يطرق لحظة ثم يعترف "ما زالت مدينة منحازة بشكل كبير إلى بريكست".

ويؤيّد غراهام طومسون، صاحب مجوهرات غراهام طومسون في سوق البلدة هذا الرأي. ووفق كلماته، "لقد صوَّتُّ شخصياً لصالح خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي لكنني عرفت أنني سأكون جزءاً من أقلية". لمن سيعطي صوته الآن؟ يجيب "أنا تاجر صغير. وسوف أميل إلى الحزب الذي يخفف الدفعات والضرائب عني".

وأنطلق من السوق نحو حانة "ويلينغتون بوتس" حيث ألتقي بمات وولش المذكور سابقاً. بعد حديثنا أجرّه خارجاً كي نلتقط صورة في شارع فريمان، وهو شارع التسوّق الرئيسي العصري سابقاً الذي يربط المرافئ بباقي البلدة وتحتلّه الآن متاجر الرهانات والسجائر الإلكترونية. 

يشير بيده إلى أسفل الطريق، حيث يظهر برج المرفأ، ذاك العامود المرتفع 200 قدماً الذي وضع في خمسينات القرن التاسع عشر (1850) كي يساعد في مدّ المرفأ بالطاقة. وبحسب كلماته، "أُنظر إلى هذا. فكّر بالثروة التي أنفقت في سبيل بنائه. لكن، ما الذي تبقّى هنا اليوم؟ لا أعلم إذا من الممكن تغيير الأمور مجدداً. لكن مع بريكست أو من دونه، لا يشعر الناس هنا أن أحداً لا يسعى حتى إلى مساعدتهم". 

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات