Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب في مأزق بسبب تخبط سياسته الخارجية

يُقدم ترمب نفسه على أنه صانع سلام. ولكن أميركا صارت، في منتصف ولايته الرئاسية، أكثر عزلةً، وهو اليوم في موقع ضعف أكثر من أي وقت مضى.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

حين تعلو أصوات في الداخل، قد يحاول القادة تشتيت الانتباه العام من طريق الإقدام على مغامرات خارجية تُقدم على أنها نصر. وفي بعض الأوقات، قد تجري هذه السياسة على خير ما يرام. لكن فرص نجاح مثل هذه الخطوات محدودة في حال دونالد ترمب. إذ أعلن رئيس الولايات المتحدة، في الباب المخصص للسياسة الخارجية في خطاب حال الأمة، أنه سيعقد قمةً جديدة مع كيم يونغ- أون، الرئيس الكوري الشمالي. وتُعقد مفاوضات مع حركة طالبان على مصير أفغانستان. وفي سوريا، أعلن ترمب أن تنظيم داعش هُزم بناءً على توجيهاته وتعليماته. وفي منطقة أقرب إلى بلاده، ندّد الرئيس الأميركي بحكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا، وحمل مسؤولية الإضطرابات إلى السياسات اليسارية.

لم تصدر تهديدات عسكرية ضد فنزويلا أو أي جهة أخرى. وميل ترمب إلى التوسل بالقوات المسلحة أضعف من ميل معظم أسلافه في البيت الأبيض. وشنّت أميركا ضربات في سوريا، إثر هجوم نظام الأسد الكيماوي في أبريل (نيسان) الماضي، لكن هذه الضربات جاءت بعدما تورط ترمب بتغريدة مفادها أن "الصواريخ مقبلة" فور مشاهدته صور الغوطة على التلفزيون، وقبل أن يتواصل مع مسؤولي وزارته.

في نهاية الأمر، وجّه ديبلوماسيون أميركيون ومسؤولون عسكريون إلى الروس تحذيرات تفصيلية مبكرة تُطمئنهم مع النظام السوري إلى أن الصواريخ ستضرب قواعده بعد إخلائها، وأن الخسائر ستكون قليلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترمب، وهو متهرّب من الخدمة الإلزامية في فيتنام، تربطه مشاعر مودة بالعسكر، وهذا كان جلياً في العدد الكبير من الجنرالات السابقين الذين عيّنهم في إدارته. ولكنهم اليوم غادروا إدارته، وعلاقة الحب بينهم انتهت، وأدت إساءته المتواصلة لمن غامروا بحياتهم في سبيل الوطن، من أمثال الراحل جون ماكين، إلى إزدرائه في الأوساط العسكرية وأجهزة الاستخبارات، وتبدّد الثقة به. ولعلّ أكثر الصور إنباءً خلال خطاب حال الاتحاد هي صورة كبار القادة العسكريين الجالسين بصمت مهيب ومتحفظ. وثمة صقور في إدارة ترمب، وأبرزهم مستشار الأمن القومي، جون بولتون، وهو كذلك تهرّب من الخدمة الإلزامية في حرب فيتنام. وبولتون ما يزال على تأييده اجتياح العراق وما يزال يهدد بتغيير نظام مَن يعتبرهم أعداء. ولكن الرئيس نفسه وقاعدة مؤيديه لا يظهرون ميلاً يعتد به إلى الحروب الخارجية.

وعلى خلاف الكونغرس، يلتزم ترمب الحذر ويتجنب الإدلاء بتصريحات حربية تستهدف روسيا، حتى بعد حوادث مثل التسميم بغاز نوفيتشوك في ساليسبوري البريطانية. ويُستبعد وقوع مواجهة مع الكرملين حول أوكرانيا أو حول بؤر التوتر في شرق أوروبا. ويقول منتقدوه إن السبب الرئيس وراء هذا الاستبعاد هو علاقات ترمب السرية المفترضة بالكرملين. ويواصل المستشار الخاص، روبرت مولر، التحقيق في ما إذا كان الرئيس مرشح موسكو في الانتخابات الأميركية. ويرى بعضهم أن انتقاد ترمب الناتو دورياً في وقت لا ينتقد فيه روسيا، هو كذلك دليل على ارتباطه المفترض بموسكو. والمسألة ستتضح أكثر عند زيارته بريطانيا للمشاركة في مؤتمر الذكرى السبعين على تأسيس الناتو في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ويُتوقع انتهاء تحقيق مولر وتقديم تقريره حينذاك. والقمة مع كيم يونغ- أون، في فيتنام نهاية الشهر الحالي، هي أبرز ما أماط اللثام عنه ترمب. ولكن هذا اللقاء متوقع. فهو الثاني من نوعه، ولم يعد جديداً مثل اللقاء الأول.

وإلى هذا، لم يُنجز كثير في قمة سنغافورة الأولى، على خلاف تصوير ترمب للأمور. فهو قال "لو لم أنتخب رئيساً للولايات المتحدة، لم نكن لنبلغ ما بلغناه اليوم، بل أرى أننا كنا لنكون في حرب كبرى مع كوريا الشمالية". وهذا غير صحيح، ولا يوحي أي مؤشر بإعداد باراك أوباما أو كيم يونغ - للحرب. وترمب هو من لوَّح بالحرب حين تسلم منصبه بتغريداته وتوعده بإطلاق عنان "الغضب والنيران" ومحو كوريا الشمالية. وتغريداته عززت التوتر وزادت احتمالات إشعال فتيل نزاع، لكن مسؤولاً رفيعاً في إدارته، على غرار وزير الدفاع السابق جايمس ماتيس، تدارك الأمر وسعى إلى عدم خروج الأمر عن السيطرة.

وصوَّر ترمب قمة سنغافورة على أنها نصر كبير فازت به سياسته والولايات المتحدة. وفي الواقع، بدا أن كيم يونغ - أون تفوّق عليه. فعلى الرغم من أنها لم تجرِ اختباراً نووياً جديداً، رفضت كوريا الشمالية تفكيك برنامجها النووي أو السماح بدخول مفتشين دوليين. وبلغنا كذلك من مراقبي الأمم المتحدة، أن بيونغ يانغ تسعى سعياً حثيثاً إلى ضمان سلامة قدراتها النووية والصاروخية الباليستية من الدمار أثناء الضربات العسكرية. وإذا نجح ترمب في إحراز تقدم فعلي في قمة فيتنام وانتزع تنازلات فعلية من كوريا الشمالية في شأن برنامجها النووي، يمكنه إعلان فوز ديبلوماسي عظيم. ولكن هذا قد لا يتحقق، وإذا تحقق سيُنظر فيه. واقترح جون بولتون أن تحتذي بيونغ يانغ النموذج الليبي حين نُزع سلاحها في عهد العقيد معمر القذافي وتنازله عن البرنامج النووي الليبي مقابل ضمانات أمنية. ولا يخفى أحداً مصير القذافي: أطاح به التدخل الغربي وسُحِل. وكيم يونغ - أون معذورٌ إذا شعر بشيء من الخوف والارتياب من السير في مثل هذا المسار.

وأشار ترمب في خطابه إلى أن 7 آلاف جندي قضى نحبه، وأن 7 تريليونات دولار أنفقت في عقدين من الحروب في الشرق الأوسط. وهذا طبعاً تبديد للدماء الأميركية والثروات. ولكنه لم يذكر العدد المضاعف من أبناء المنطقة الذين ماتوا في هذه النزاعات أو الدمار الهائل الذي أُنزل بها. ولم تحرّك إدارة ترمب ساكناً لوقف هذه الحروب. وأول زيارة رسمية للرئيس إثر تسلمه منصبه كانت إلى الخليج لبيعها علناً السلاح المستخدم في النزاعات، ومنها مذبحة اليمن. والمشكلة المزمنة بين إسرائيل والفلسطينيين تفاقمت في عهد ترمب، مع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ويريد الرئيس ترمب إعادة القوات الأميركية إلى الوطن وهذا ما يقبل به عموم الأميركيين. لكن مثل هذه العودة ليست مسألة يسيرة، على نحو ما إكتشف الرئيس أوباما الذي سعى إلى الأمر نفسه. وأعلن ترمب فعلياً النصر على داعش في خطابه، وأشار إلى خسارة الإسلاميين مساحات شاسعة من الأراضي، قائلاً "حين تسلمتُ السلطة، كان داعش يسيطر على أكثر من 20 ألف ميل مربع في العراق وسوريا. وهذا قبل عامين فحسب. واليوم، حرّرنا معظم الأراضي من قبضة هؤلاء الوحوش المتعطشين للدماء".

في الواقع، كثيرٌ من هذه المكاسب تحقق في عهد إدارة أوباما. والحق أن داعش ما يزال يتحرك في الميدان على الرغم من انتهاء الخلافة إلى حد ما. وسيسمح انسحاب مفاجئ للقوات الأميركية، على ما يقترح ترمب، لتنظيم داعش وحلفائه برص الصفوف. وهذا طبعاً رأي الجيش الأميركي وكبار أعضاء الكونغرس، والجمهوريين والديموقراطيين الذين يُعدّون خطوات تحول دون انسحاب الرئيس أحادياً من سوريا.

ويرغب الكونغرس في الحؤول دون انسحاب مماثل في أفغانستان. ففي 2003، بعد عام على سقوط نظام طالبان، سُحبت موارد مدنية وعسكرية أميركية وبريطانية من هذا البلد، في وقت كانت الحاجة ماسة إلى الاستقرار وإعادة الإعمار، وضخت هذه الموارد في المستنقع العراقي الدامي. وعادت حركة طالبان، وكان رعاتها يمدّونها بسبل الحياة، وهم عناصر من القوات المسلحة الباكستانية والاستخبارات السرية، وعبرت الحدود حيث ملأت الفراغ الأمني ورصت صفوفها. واضطر الأميركيون والبريطانيون إلى إعادة نشر أعداد كبيرة من القوات في 2006 لوقف المد الطالباني وتغيير مسار الأمور. ويُرجح أن يترتب على سحب القوات الأميركية عودتها في المستقبل.

وحريّ بالمرء الإقرار بأن تفاوض الأميركيين مع طالبان، في محله ومصيب. ولكن يجب إشراك الحكومة الأفغانية في ما يجري وعدم إقصائها على ما هي الحال اليوم. وترمي المفاوضات إلى تقاسم السلطة مع طالبان، وما يُخشى هو وقوع نزاع على السلطة بين الإسلاميين على اختلاف ألوانهم اليوم في البلاد. ولا شك في أن هذا رأي الرئيس الافغاني، أشرف غني، وهو استحضر ذكرى سلفه، محمد نجيب الله، الذي أُخرج من مجمع الأمم المتحدة حيث لجأ، وعُذِّب وقُتِل، وتركته حركة طالبان معلقاً على عمود إنارة في 1996 إثر سيطرتها على كابول. "ضحايا الحرب أفغان، ولذا، يجب أن يُمسكوا هم بمقاليد مبادرة السلام"، أعلن غني أخيراً. "نصرّ على إجراءات [أمن وسلامة] لأننا لم ننسَ ما حلَّ بنجيب الله. كلنا نعرف أنه خُدِع. فالأمم المتحدة قطعت عهداً عليه بالسلام، ولكن الأمور انتهت إلى كارثة". ويرجح أن تتواصل المفاوضات. ولكن سبق أن أجريت مفاوضات لم تثمر، والطريق طويل قبل أن يعرف المرء ما إذا كانت هذه المفاوضات ستطوي هذه الحرب الطويلة.

وحين زعم أنه أتى بـ"معجزة اقتصادية" في أميركا، أراد ترمب أن يحذر من حرف هذه المعجزة عن مسارها بسبب "حروب وسياسات غبية أو تحقيقات حزبية سخيفة... وإذا كان السلام ليتحقق، لا مكان للحرب والتحقيق. فالأمور لا تجري على هذا المنوال!". وإشارته المتكرر إلى التحقيقات تشي بقلق الرئيس فعلياً من الغيمة السوداء التي تحوم فوقه مع خطر المساءلة والعزل. ويشعر واحدنا أن الدولة الأجنبية التي ستخلّف الأثر الأكبر في مصير رئاسة ترمب ليست سوريا أو أفغانستان أو فنزويلا، بل هي روسيا فلاديمير بوتين.

© The Independent

المزيد من آراء