Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة لبنان بين الاستياء الدولي وتحدي الإنجازات

فرنسا أرادت تخفيف الأثقال عن الحريري، وتمنَّت تحسين وضع السجين ميشال سماحة بطلب من إيران

الحكومة اللبنانية امام تحدي الإنجازات الإقتصادية لتخفيف البرودة الدولية (أ. ف. ب)

لم ينظر المجتمع الدولي والعربي بعين الرضى إلى حكومة لبنانية الغلبة فيها لحزب الله، لكن الإدراك الدولي لضرورات لبنان السياسية والوضع الاقتصادي المتفاقم يحتمان على الدول الأجنبية والعربية التعاطي والتعاون مع الحكومة الجديدة كأمر واقع.

لكن، للتعاون مع حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة شروط مختلفة. وإذا كانت الدول في السابق تراقب بعين واحدة الوضع في لبنان، فإنها هذه المرة ستستخدم الاثنتين، وفق ما أكد مصدر دبلوماسي غربي لـ "اندبندنت عربية".

حكومة "إلى العمل" ستكون تحت المجهر الدولي، الذي سيراقب في شكل حثيث أداء الوزراء، لا سيما وزراء حزب الله وكل حلفائه في الحكومة. فالمجتمع الدولي يدرك تماماً أن للحزب حلفاء مرحليين وآخرين إستراتيجيين.

مراقبة أداء الحكومة في مكافحة الفساد هي الأولوية ليستحق لبنان وحكومته ثقة هذه الدول. وبين هذا الأداء والإفراج عن أموال مؤتمر "سيدر" (سيعطي لبنان قروضاً وتسهيلات مالية مشروطة بإصلاحات) مرحلة زمنية وشروط مسبقة على حكومة لبنان تنفيذها. في مقدم هذه الشروط، سريعاً ومن دون تباطؤ، إجراء إصلاحات تبدأ بتخفيض العجز، ووقف الهدر في ملف الكهرباء، وتحسين الإجراءات في الإدارات العامة عبر معاملات التوظيف والمناقصات وكل ما له علاقة بالإصلاح.

ويشرح المصدر الدبلوماسي الغربي حرص المجتمع الدولي على لبنان ومرونته في التعاطي مع الواقع الحالي، عندما يقول "لن نشترط تنفيذ الاقتراحات الإصلاحية التي تخطّت المئة، التي وردت في خطة ماكينزي، للإفراج عن أموال سيدر، لكننا في المقابل نطالب الحكومة اللبنانية باتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة تُظهر مدى جديتها في ملاقاة المجتمع الدولي إلى منتصف الطريق. أما إذا لم يتحقق ذلك فلن يُعطى الضوء الأخضر لبدء تنفيذ تعهدات الدول تجاه لبنان".

لكن غياب الإصلاحات لن يكون العائق الوحيد أمام وعود "سيدر"، فإلى ذلك يُضاف أداء وزراء حزب الله وسوء استخدامهم وزاراتهم، بما قد يتعارض مع القوانين الدولية وقانون العقوبات على حزب الله، الأمر الذي قد يؤثر في المجتمع الدولي ومساعداته. فهذه الدول، وفق المصادر الدبلوماسية، تدرك على سبيل المثال أن وزير الصحة الجديد ليس حزبياً لكنه من حصة حزب الله ويمثِّل سياسة الحزب في الحكومة، والحزب وأمينه العام لم يخفيا رغبتهما في التعاون مع إيران في ملف الدواء، الأمر الذي قد يضع لبنان وحكومته في موقف المتحدي والمواجه لقانون العقوبات على إيران.

في السياسة وفي الملفات الإستراتيجية، تفهمٌ دولي للانقسام اللبناني الداخلي في شأن مواضيع خلافية أهمها العلاقة مع سوريا وإيران. وينصح سفراء الدول الغربية المعنيين بلبنان بتجنب هذه الملفات وعدم استباق الأمور، كما يفعل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في شأن سوريا. فالنظام السوري خاضع لعقوبات دولية، وعلى اللبنانيين أن يدركوا أن التعامل مع هذا النظام سيضعهم في مواجهة القرارات الدولية وعرضة للعقوبات أيضاً.

في لائحة الوعود التي كانت تعهدت بها السلطة اللبنانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي عقد على أساسها مؤتمر "سيدر"، دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى حوار في قصر بعبدا لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية، لكن الدعوة لم تتمّ والحوار لم يعقد... وإذا بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يعلن، وفي توقيت مريب سبق تشكيل الحكومة، استعداده البحث في الإستراتيجية الدفاعية.

الحكومة اللبنانية تحت المجهر. أما التذاكي والمماطلة فلن ينفعا في هذه المرحلة. هذا الحذر الدولي كان سبق تأليف الحكومة من خلال مؤشرات لافتة. ففي الأيام التي سبقت التأليف، رابط سعد الحريري في باريس، وبدأ مروحة مشاورات شملت في شكل معلن لقاءات مع جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، صهر رئيس الجمهورية اللبنانية، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. أما بعيداً من الأضواء فتشعّبت الاتصالات لتطاول دوائر ديبلوماسية، خصوصاً الفرنسية. وأوضحت مصادر مطلعة في باريس أن زيارة الحريري إلى العاصمة الفرنسية كانت زيارة خاصة، ولم تكن تلبية لدعوة من أي جهة رسمية فرنسية.

وقالت إنه لم يتخلل زيارة الحريري إلى باريس أي لقاء رفيع المستوى مع مسؤولين فرنسيين، خصوصاً أنها تزامنت مع وجود ماكرون في مصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذكرت أن الحريري بادر، ومن باب اللياقة، إلى الاتصال بماكرون أثناء وجوده في مصر لإبلاغه بتطورات ملف تشكيل الحكومة، وبالتقدم الذي أحرزه وهو ما رحّب به الرئيس الفرنسي، مُعرباً عن ارتياحه حيال هذا التقدم.

وبرز هذا الارتياح من خلال البيان الذي أصدرته الرئاسة الفرنسية عقب تشكيل الحريري حكومته، من منطلق الحرص على صيانة المؤسسات اللبنانية وضمان حسن سيرها لإنجاز ما هو متوجب من إصلاحات في البلاد.

أما في ما يخص إيران، فأشارت المصادر إلى أن فرنسا حرصت باستمرار على الطلب من إيران المساعدة في تسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية، بما يتيح تسيير أمور البلاد والنهوض بأوضاعها.

ولفتت إلى عدم وجود صلة مباشرة بين هذا الموضوع وبين إطلاق الآلية المعروفة باسم "instex"، التي تهدف إلى دعم العمليات التجارية في إيران على الرغم من العقوبات الأميركية عليها.

والمقصود بهذه الآلية، هو طمأنة إيران، لأن أوروبا تريد بقاءها ضمن الاتفاق النووي والحؤول دون خروجها منه، بما يتيح مساعدة مؤسسات الدول الأوروبية العاملة في إيران على الاستمرار في عملياتها التجارية والالتفاف على العقوبات. لكن مردود هذه الآلية يبدو محدوداً ويقتصر على المؤسسات الصغيرة، ذلك أن الشركات الأوروبية الكبرى أوقفت نشاطاتها في إيران حمايةً لمصالحها. لكن أيضاً يبدو أن البيانات الرسمية لا تُعبِّر فعلاً عن الحقيقة. إذ علمت "اندبندنت عربية" أن ثمة استياءً فرنسياً وسعودياً وأميركياً من التشكيلة التي انتهى الحريري إليها، وتظهر فيها غلبة حزب الله ومن ورائه إيران والنظام السوري. لكن الحريري، مقابل هذا الامتعاض، استند إلى لحظة تلاقٍ إيراني – روسي لحلحة الوضع اللبناني، ثم انضمت فرنسا من باب تخفيف الأثقال على الحريري بعدما لمست غياب أي مظلة عربية ودولية لتحركه. وعُلم أن فرنسا تمنَّت على الحريري تحسين وضع السجين ميشال سماحة، المحكوم بجرائم خطيرة، والمتعاون مع النظام السوري. وسماحة كان تاريخياً على صلة بالمخابرات الفرنسية، ولعب دور الوسيط في أكثر من ملف بينها وبين المخابرات السورية في السنوات التي سبقت إصدار حكم قضائي بحقه. ويبدو أن التمني الفرنسي جاء بعد تدخل إيراني مع باريس.

ومن المطالب الفرنسية لتأمين الحد الأدنى من التغطية السياسية للحريري، أن تكون باريس جزءاً من أي انفتاح قد يقوم به الحريري على النظام السوري، فلا تستأثر روسيا بهذا الملف إذا فُتح في المستقبل. في المقابل، وعدت باريس بإعادة الحياة إلى مؤتمر "سيدر" الذي رعته. وتعتقد مصادر متابعة بأن "الحريري لا ينطلق من أرض صلبة" في الحكومة التي يعتبرها الرئيس عون حكومة العهد الأولى، على الرغم من مضي أكثر من سنتين على وجوده في سدة الرئاسة. وما زاد مأزق الحريري، الطريقة التي تصرف بها وزير الخارجية جبران باسيل، إذ بعد ساعات من إعلان الحكومة، عقد مؤتمراً صحافياً بدا فيه كأنه "مايسترو" الحكومة، فوضع لها الخطط، ورسم لها المسارات، ما جعل من السهل على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط استهداف الحريري، وإصابته في الصميم عندما قال إنه، أي الحريري، يفرِّط باتفاق الطائف، (الذي أصبح لاحقاً الدستور)، الذي يستمد السُنة في لبنان منه قوتهم السياسية.

وعلى الرغم من عودة الهدوء على جبهة الحريري – جنبلاط، تبقى أفعال الحكومة وإنجازاتها السبيل الوحيد لتخطي عقبتَي غياب التغطية العربية والدولية، وغلبة حزب الله في الحكومة، وإلا ستكون الحكومة عرضة لسهام كثيرة تنهال عليها من داخل لبنان وخارجه.

المزيد من الشرق الأوسط