Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحضانة معركة الأمومة ضد التشريع

حكايات أمهات عانين ألم فصلهن عن أبنائهن باسم الدين

الراحلة نادين جوني مع ابنها كرم (مواقع التواصل الاجتماعي)

في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) كتبت نادين جوني "صورة لإبني كرم بأول يوم مدرسة، إن هذه الصورة غير موجودة بسبب حرمان الطفل من أمه. بس أنا بتخايلك متل ما بدي يا ماما، لإنه نحن ما بيحقلنا نشوفكن يا ماما، لانه نحن منتقاصص لإنه نحن أمهات، يلعن صباحكن، يلعن كل صباح منفيق قلبنا محروق فيه!".

عندما قرأت هذا المنشور قررت أن تكون نادين واحدة من الحالات التي سأقابلها وأكتب عنها في موضوع الحضانة. يوم الأحد في 6 أكتوبر، ماتت نادين في حادث سير محروقة القلب من دون أن ترى كرم وباقي الوجع متوقع.

كان يحق لنادين أن ترى ابنها يوماً في الأسبوع، وكانت تناضل للحصول على الحضانة فانضمت إلى "الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية" منذ عام 2013، إلى جانب رئيسة الحملة زينة إبراهيم التي نعتها ونظّمت اعتصاماً أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أضيئت خلاله الشموع لروح نادين.

تقول زينة إن المحاكم الشرعية ترفض تزويد الجمعيات بأرقام حول الأمهات التي تطلب الحضانة، وتضيف أنه قد يرافق كل قضية طلاق تقريباً أم تخسر حضانة أولادها.

هاشتاغ "#حضانتي_ضد_المحكمة _الجعفرية" انطلق منذ أشهر، بعد قصة غدير ابنة نائب حزب الله نواف الموسوي، الذي طارد طليقها بعدما روّع ابنتيه وأحفاده على الطريق في منتصف الليل. دفاع الموسوي كلّفه كرسي النيابة، إذ قدّم استقالته مخيّراً كان أم مسيّراً كي لا يُحرج الحزب، بعدما كان النائب المسلم الوحيد الذي وقّع على قانون حماية المرأة من العنف الأسري بعد معايشته لمعاناة ابنته.  

بالطبع ليست المحكمة الجعفرية وحدها التي تحرم الأم من الحضانة تحت شعار الدين، ولكنها الأقسى في الأحكام كون سن الحضانة فيها هو الأدنى، سنتان للصبي، وسبع سنوات للفتاة.

وكون لبنان يفتقد المواطنة ولا يوجد فيه قانون أحوال شخصية سارٍ على جميع مواطنيه، فلكل طائفة أحكامها التشريعية التي يكفلها الدستور، وهكذا تتراوح معاناة الأمهات المطلقات بالحصول على حضانة أطفالهن بحسب طوائفهن.

 

أمهات يروين قصص الحرمان والتسلط

في أيام الانتفاضة الأولى، حملت الإعلامية بادية هاني فحص، في إحدى تظاهرات النبطية، يافطتها الخاصة التي كتبت عليها "بدي شوف ولادي إياد وعلي". يومها حاول عدد من المتظاهرين مساعدتها وبحثوا عن ولديها اللذين مضى 11 عاماً على رؤيتها لهما آخر مرة، إلى أن التقت ابنها إياد بطريقة درامية ترويها بادية في في منشور على صفحتها على موقع "فيسبوك" قبل أن تسحبه ابنة عمه من أمامها. 

وكانت بادية كتبت في مقال تحت عنوان "أنا التي أكلها ذئب المحكمة الجعفرية" معاناتها قائلةً "أنا واحدة من مئات الأمهات التي جارت عليهن المحاكم الدينية باسم الله والأنبياء والكتب السماوية...".

 

تخبر بادية "اندبندنت عربية" قصة طلاقين، فبعدما تزوجت عام 1987 في عمر 16 سنة وأصبحت أماً في عمر الـ 17، طلّقت في المرة الأولى حين كان لديها ثلاثة أولاد أكبرهم بعمر الـ 5 سنوات ولا يحق لها أن تحصل على حضانتهم بحسب المحكمة الجعفرية. ولكن الوالد حينها أراد الزواج مرة ثانية من دون تعكير حياته الزوجية، وبعد جهودها والتخلي عن مهرها وحقوقها اشترط لإبقائهم معها أن تعيلهم وحدها وأن يراقبهم، فتحكّم بحياتها ثمناً لحضانتها. بعد أن كبر الأولاد وأصبحوا طلاب جامعات، خاضت تجربة الزواج والطلاق للمرة الثانية بعدما أنجبت ولدين. تقول بادية إنها كانت حاملاً بالولد الثاني حين علمت أن زوجها تزوّج امرأة أخرى، فتطلقا وأخذ الأولاد وحرمها منهما لأنها طلبت نفقة كونها موظفة في وزارة الإعلام وغير قادرة على إعالة 5 أولاد.

لم يقبل الوالد أن يدفع النفقة لأنه يريد أن ينفق على زوجته وحياته الجديدة، وكان يهدّدها دوماً بأنه سيأخذهما عندما تستقر حياته ويحرمها منهما، وكان يقول "أنا أستغلك الآن لتستقر أموري وهذه مهمتك"، مهدّداً إياها بأنها لن ترى شعرة منهما. فأخذهما تحت التهديد والشتائم ولم تراهما منذ 11 عاماً. تقول بادية "لم ألجأ إلى المحكمة الشرعية لأنني أعرف سلفاً أنها لا تنصف المرأة، قد أحصل على حضانة مشترطة ولا تضمن بقاءهما معي. ذهبتُ إلى أمه فطردتني، وأصبح يهدّدني. وصرت أذهب إلى المدرسة لرؤيتهما، فمنعني المدير وقال لي إنهوا خصامكما في الخارج".

لم ترد بادية أن تستعمل حق رؤية ولديها من خلال قوى الأمن لكي لا تعرّضهما في كل مرة لهذا الأذى. وهي تأمل أنهما يوماً ما، عندما يبلغان سن الرشد، سيطرقان بابها وهذا ما تسعى إليه. فهي ما زالت تراقب من بعيد خروجهما من المدرسة يومياً.

وتخبر بادية أنه على الرغم من أن والدها الراحل السيد هاني فحص عالم دين معروف بمواقفه الداعمة للمجتمع المدني وحقوق المرأة، إلا أنه ليس فقيهاً ومشرعاً، وكل ما كان يستطيعه تجاه معاناة ابنته هو "تفرّغ طوال سنوات حرماني من ولدي، لرتق ثقوب قلبي، يزرع فيه الأمل برؤيتهما عائدين" بحسب مقالها.

الشاعرة والإعلامية لوركا سبيتي، تزّوجت في عمر الـ 24 سنة، تقول لـ"اندبندنت عربية"، "كان لدي حس المغامرة وبعض التهوّر وكنت أشعر أن كل شيء يعالج وراهنت على أنني أستطيع تغيير طباع زوجي".

تضيف "كان عنيفاً جسدياً ولفظياً، وكوني تغرّبت كانت الحياة صعبة مع رجل سلطوي وكنت في أوجّ رفضي وتمردي وكانت شخصيتي فظة لدرجة أنني جعلت هذا الرجل يُخرج أسوأ ما لديه. وأنجبت آدم الثمرة الجميلة لهذا الزواج، هدأت للحفاظ على الطفل وعدم تشريده ولكي لا أجعله يدفع ثمن غلطتي. بعد خمس سنوات لم يعد هذا الزواج يحتمل. وأنا أنتمي لأسرة لا تدين الطلاق، وكنت قبل الزواج أرقص في فرقة كركلا وأعمل مدرسة رياضة لكنني استقلت من أعمالي. لذا عدت وتحمّلت المسؤولية للبدء من جديد".

 

تتابع لوركا "طلبت من زوجي السابق أن يترك لي وكالة طلاق لأنه سيسافر في رمضان (لا يتم الطلاق في رمضان)، فتركها معتقداً أنني سأهدأ ولن أتخلى عن الامتيازات المالية من المبنى بثلاث طوابق والسيارات لأعود إلى بيت أهلي المتواضع... بعد العيد مباشرةً، ذهبت إلى المحكمة الجعفرية أنا وصهره صاحب الوكالة بالطلاق، سألني الشيخ إن كنت أريد طلاقاً رجعياً أم خلعياً فاخترت الخلعي (أي لا تراجع فيه)، فعاد زوجي بسرعة وبدأت الحروب، أخذ آدم وبدأ يمارس حقوقه الشرعية التي لم يكن يعتقد بها، ومنعني من رؤية ابننا وأقفل خطه، فاتصلت بأخته التي أخبرتني أنه سافر مع آدم فجُننت، وذهبت إلى المحكمة لأشتكي أنه خطف الطفل، فقال القاضي إنه أبوه ويحق له تسفيره ولا يحتاج لإذني".

لم تفقد لوركا الأمل وظلّت تتصل إلى أن رد الزوج واشترط عليها العودة إليه لترى ابنها، فرفضت. وبعد فترة، عاد مع الولد ولم يسمح لها برؤيته، فذهبت إلى المدرسة ورأته بعد 3 أشهر، كان عمره 4 سنوات. تعاركت مجدداً مع الزوج، الذي أراد تحطيمها ولم يهتم حقاً بالحصول على الحضانة، حتى اتفقت معه على أن يبقى آدم معها ويقضي الصيف مع والده.

تقول الوالدة إن القاضي نصحها بأن تذهب وتعيش حياتها وتتزوّج، سائلاً "من سيرضى أن يتزوجك ومعك ابنك، إن الشرع ينقذكن من هذه المسؤولية". وتضيف "تزوجت أنا لاحقاً رجلاً أعزباً، ربينا أنا وزوجي مازن آدم الذي أصبح اليوم عمره 14 سنة وأنجبنا بنتاً، وتصالحت مع طليقي ونظّفت روحي من الحقد والغضب وأصبحنا أصدقاء".

دفتر شروط للزواج

بعد حملات نظّمتها جمعيات نسوية وحقوقية لجأت المحكمة الجعفرية إلى إطلاق دفتر شروط لا يقبل إتمام أي زواج قبل إطلاع الزوجين عليه، ويتضمّن حقوقاً للمرأة تستطيع وضعها كشرط لعقد الزواج، مثل الطلاق والحضانة. هذا الإجراء الوقائي قد يساعد المرأة لاحقاً، ولكن ماذا عن المطلقات اللواتي يستجدين رائحة أولادهن الآن؟

المزيد من تحقيقات ومطولات