Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وأميركا والمواجهة المفتوحة على أرض الآخرين

ترمب نشر فيديو إشعال النار بالقنصلية الإيرانية في كربلاء تزامنا مع الذكرى الأربعين لاقتحام سفارة واشنطن في طهران

أفراد من قوات الأمن العراقية أمام القنصلية الإيرانية في كربلاء (رويترز)

ليس من باب الصدفة أن يعمد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لنشر فيديو يعود لمجموعة من الشباب العراقي يشعلون النار في محيط القنصلية الإيرانية في مدينة كربلاء وما تعنية من رمزية دينية وإنزال العلم الإيراني عن ساريتها ورفع العلم العراقي على الجدار الفاصل مع الخارج. فاختيار التاريخ أيضا له دلالة، واختياره ليس عبثيا، فهو يقارن الذكرى الأربعين لقيام مجموعة من الشباب الثوري الإيراني باحتلال السفارة الأميركية في طهران والتأسيس لمسار من العداء بين البلدين وقطع العلاقات بينهما.

ما قام به ترمب يوحي بأن ما حدث في كربلاء، يضاف إلى الشعارات التي تصدح بها حناجر الكثير من المشاركين في التظاهرات التي تعم مدن ومحافظات الفرات الأوسط والجنوب العراقي التي تعلن العداء الصريح لإيران وتطالبها بالخروج من بلدهم "إيران بره بره" وقيامهم بإحراق صور مؤسس الثورة الإمام الخميني والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، شكّل دفعا إيجابيا للمعركة التي تخوضها واشنطن مع النظام الإيراني على خلفية نفوذ الأخير في هذا البلد وبلدان أخرى في المنطقة، وأن معركة "بالنيابة" تجري بين الطرفين من دون أن تكون واشنطن مجبرة أو مضطرة للدخول في دائرة المخاطرة بزج أي من جنودها وإمكانية خسارة أي منهم في مواجهة مباشرة ومفتوحة مع طهران، على الرغم من الحشود العسكرية التي قام بها البنتاغون في محيط ايران ردا على الاستفزازات التي قامت بها قوات حرس الثورة ضد هذه الحشود العسكرية، ما يوحي بأن واشنطن بدأت تشعر بأنها على طريق تحقيق نصر ميداني "مجاني" ضد إيران في المناطق التي تشكل عمقا استراتيجيا لنفوذها، ما يسهم بمحاصرتها وإجبارها للعودة إلى داخل حدودها بما يخدم تنفيذ أحد البنود الاثني عشر التي سبق أن أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو كمقدمة لأي تفاوض حول العقوبات التي فرضتها واشنطن على النظام الإيراني بعد انسحابها من الاتفاق النووي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تعد طهران تخفي أو تختبئ وراء شعارات "مكابرة" في التعامل مع الأحداث التي تشهدها الساحتان اللبنانية والعراقية، وبالخصوص في العراق، فخرجت من باب "الإنكار" إلى دائرة الاعتراف بالاستهداف لها ولدورها ولحلفائها في هذين البلدين، معترفة بأنها دخلت في مواجهة أو معركة مفتوحة "غير مباشرة" مع واشنطن لم يعد فيها مجالا لتبادل الرسائل بأيدي لا حاجة فيها لارتداء فقازات. وباتت على اعتقاد بأن الأمور دخلت مرحلة تتعارض مع كل ما كانت تتصوره، أدركت معها أن العداء الأميركي لها لم يتراجع بناء على ما تعتبره "هزائم" استطاعت أن تلحقها بالإدارة الأميركية – سياسية وعسكرية واقتصادية - عندما لم ترضخ للشروط الأميركية للتفاوض أو إسقاط الطائرة المسيرة أو إعلان الاستسلام أمام العقوبات الاقتصادية، وأن التوقف عند ما تشهده الساحتين اللبنانية والعراقية يكشف استمرار ارتفاع نسبة هذا العداء وتعدد الأوجه المعبرة عنه ويسلك مسارا تصاعديا، ما قد يدفعها لطرح سؤال حول المدى الذي قد يبلغه هذا العداء معها ومع المحور الذي تقوده والتأُثير الذي قد يتركه هذا العداء على دورها ونفوذها ومجال تحركها؟

تعتقد طهران ودوائر القرار فيها أن أسلوب الحرب الأميركية ضد إيران في المنطقة انتقلت إلى نمط جديد يختلف عن كل الأنماط السابقة التي يمكن التفكير فيها التي سيطرت على المرحلة السابقة من المواجهة بينهما، وترى أن المرحلة الجديدة تبتعد عن أسلوب المواجهة المباشرة، إلى مرحلة السعي للسيطرة على مصادر القرار ومراكز اتخاذ القرار في الدول التي تشكل المجال الحيوي للنفوذ الإيراني، وأن هذا الأسلوب سيكون السياسية الأميركية المعتمدة في المدى المنظور والمتوسط، وهي حرب تستخدم فيها واشنطن كل ما توفره المرحلة من أدوات تواصل اجتماعي و"ثورات ملونة" تستخدمها لممارسة الضغوط على الحكومات والفصائل "المقاومة"، بالاعتماد على عنصر "المفاجأة والمباغتة" بناء على تحضيرات واستعدادات طويلة ومتشعبة قامت بها واشنطن لبناء شبكاتها البشرية المدربة التي تبلغ حسب التقديرات الإيرانية نحو 40 ألف فرد قامت واشنطن بتدريبهم وإعدادهم ومهمتهم النفوذ إلى منصات التواصل الاجتماعي واستقطاب القوى الاجتماعية الفاعلة والمؤثرة، والعمل في إطار الأهداف الأميركية التي تسعى لنشر "الفوضى الخلاقة"، على أن تستفيد هذه الشبكة في العراق مثلا من الانتشار الواسع لشبكة "فيسبوك" التي يقدر عدد المشاركين فيها من العراقيين نحو 20 مليون عراقي (تقديرات إيرانية). وهو المبدأ نفسه الذي تعتمده هذه الإدارة في التعامل مع الساحة اللبنانية، من خلال إظهار الحراك الشعبي الاعتراضي بأنه خارج كل الأيديولوجيات الدينية والفكرية والحزبية، ومخاطبة الغرائز الاجتماعية والشعبية ما يعطي الحراك قبولا وتأييدا اجتماعيا، فضلا عن عدم وجود "قيادات" محددة ومعروفة تتحدث باسمه، بانتظار اللحظة المناسبة التي تسمح بصناعة هذه القيادة وأدلجة الحراك وتقديمه كبديل وحيد مقبول ومحبوب للسلطة القائمة.

ما تراه طهران مخططات أميركية يتم تنفيذها عبر الحراك الشعبي على الساحتين العراقية واللبنانية، تعتقد أنه يصب في إطار المساعي والجهود الأميركية الهادفة "لإفشال" الدور الإيراني، وهذا المسار حسب اعتقادها، يلبي بعدا من أبعاد هذه الجهود الأميركية، بحيث إنها إذا لم تنجح في استمرار النظام والمحور الذي يقوده في المنطقة، فإنها على الأقل تسهم في الحد من تمدده وتوسعه في المحيط والإقليم، ومن أجل ذلك فإن واشنطن تقوم بفرض حصار على أصدقائها وحلفائها الإقليميين، عبر تسخير آلية المجتمع الدولي القانونية والأممية، ما يساعدها على إدخالهم في أوضاع معقدة ونزع الشرعية عنهم، إلى جانب توفير الأرضية من أجل ظهور جبهة غير منضبطة في الظاهر تقوم بمساعدة أطراف في السلطة على إضعاف هؤلاء الحلفاء أو إسقاطهم.

من هنا، فمن غير المستبعد أن تلجأ طهران إلى توظيف التغريدة التي أطلقها الرئيس الأميركي حول قنصليتها في كربلاء إلى أقصى حدود، وأن تتخذ منها ذريعة لتعزيز هذه الاعتقادات التي تنطلق منها للتعامل مع موجات الاعتراض الشعبي التي تعم العراق ولبنان، وأن تدفع باتجاه المواجهة المفتوحة معها انطلاقا من أن المعركة باتت واضحة بين محورين كل منهما يعمل على إخراج الآخر. ما يعني أن المعركة ستبقى مفتوحة على المجهول في المدى المنظور على الأقل.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء