Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرحية "نهاية الحب" للفرنسي باسكال رامبرت في عرض تجريبي مصري

مكسب محدود لـ "المسرح الفقير" من رهانه على الممثل

من مسرحية "نهاية الحب" المصرية (اندبندنت عربية)

ينتمي العرض المسرحي "نهاية الحب" الذي قدمه المخرج الفرنسي على مسرح الجامعة الأميركية في القاهرة، إلى ما يسمى "المسرح الفقير" الذي أسَّس له البولندي جيزري غروتوفسكي وتأثَّر به الكثير من المخرجين حول العالم، أبرزهم بيتر بروك، وأوجينو باربا.

وباسكال رامبرت كاتب ومصمم رقصات ومخرج مسرحي وتلفزيوني فرنسي، حائز على جوائز عدة، عرضت مسرحياته ورقصاته في أوروبا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط، وصنع" نهاية الحب" للنسخة الخامسة والستين لمهرجان "أفينيون" في 2011، وعرض منذ ذلك الحين أكثر من مئة وخمسين مرة، وبأكثر من عشر لغات حول العالم.

في هذا النوع من المسرح عليك - كما أراد غروتوفسكي- مقاومة التفكير في المسرح باعتباره تجميعاً لتخصصات فنية عدة، مثل الديكور والإضاءة والموسيقى والأزياء، فالممثل وحده هو المنوط به عمل كل شيء، كل ما هو بصري يقدمه بجسده، وكل ما هو سمعي يقدمه بصوته.

ركَّز غروتوفسكي على ما يعرف بتقنية "الترانس"؛ أي تكامل جميع القوى النفسية والجسدية التي تنطلق من أعماق الممثل وغرائزه، وتنفجر بصورة تكشف هذه الأعماق. وتقوم هذه التقنية على ثلاثة عناصر: الموقف الاستنباطي، الاسترخاء الجسدي، تركيز نشاط الجهاز العضوي كله في منطقة القلب.

إن تكنيك الممثل هو جوهر الفن المسرحي، كما أشار غروتوفسكي، وعلى الممثل أن يقدم نفسه هدية كاملة في العرض، وهو غير مرغم على حمل قناع لا يخصه. عليه أن يصنع قناعه من النسيج الحي لجسده، فالصدق التام من الممكن الوصول إليه.

مكان الحدث

العرض، قدم نسخته المصرية محمد حاتم، وناندا محمد، وهما الاسمان اللذان حملتهما شخصيتا تلك النسخة "ناندا وحاتم"، وقد قام بترجمة النص إلى العربية كريم الشريف.

"ناندا" و"حاتم"، كما وضح من سياق العرض، زوجان يعملان بالتمثيل، والمكان الذي تدور فيه الأحداث هو خشبة مسرح، بدأ الحب بينهما فوقها، وأعلنا نهايته فوقها كذلك.

لا أحداث بالمعنى المتعارف عليه، ولا حوار كذلك، فقط مونولوغان طويلان، يلقي كل منهما مونولوجه في مواجهة الآخر الذي يقف معظم الوقت على مسافة منه، ونادراً ما تضيق هذه المسافة. يبدأ العرض بمونولوج طويل لـ "حاتم"، الذي يقف على يسار المتفرج، يعدد فيه أسبابه للانفصال عبر كلمات هي أشبه بالنصال التي يوجهها إلى الزوجة، التي تقف في المواجهة، على يمين المتفرج، صامتة تماماً من دون حراك، في البداية ثم تبدأ بمرور الوقت، وبتأثير المونولوج القاسي للزوج، في الانهيار، بعدها يتم تبادل الأدوار، لتقف هي في اليسار لإلقاء مونولوجها الذي لا يقل قسوة أو فجاجة عن مونولوج الزوج، ما يؤدي إلى انهياره هو الآخر.

نحن أمام مباراة تمثيلية، نراقب أداء الممثلين وتأثير ما يتلقاه كل منهما من عبارات خشنة وجارحة تصل حد الابتذال أحياناً، سواء من الزوج أو الزوجة، وإن كان الزوج أكثر حدة، وأكثر كفراً بعبارات من عينة "فلنبدأ من جديد... فلنمنح لكل منا فرصة للتراجع"، وغيرها من العبارات التي تردد في مثل هذه الأحوال. هو شخص أكثر عملية وأكثر صراحة، يعرف كيف يوجه سهامه في الموضع الصحيح، غير عابئ بتأثيرها في الطرف الآخر.

الممثلان كانا على درجة عالية من الوعي والإيمان بما يقدمانه، الحركات والانفعالات محسوبة بدقة، واستخدام الجسد والجهاز الصوتي، على درجة عالية من الحساسية والفهم لطبيعة الشخصية، وطبيعة المسرح الذي يقدمانه، المسرح الذي جاء عارياً تماماً من أية جماليات أو محسنات سوى الجسد والصوت، وما يتطبله ذلك من ضبط إيقاعهما، حركة وسكوناً، انفعالاً وهدوءاً، لتعويض هذا الغياب الجمالي المتمثل في التخصصات الفنية الأخرى، لا ديكور، لا موسيقى، لا أزياء بعينها، والإضاءة، أو على وجه الدقة الإنارة، عبارة عن مصابيح نيون تعطي إحساساً بالبرودة، وتعطي كذلك إحساساً بالعملية أكثر من كونها مؤثراً جمالياً، وكل ذلك مقبول ما دمنا في إطار المسرح الفقير.

مونولوغ طويل

تكمن أزمة هذا العرض في أمرين، الأول هو ذلك المونولوغ الطويل الذي يلقيه كلا الممثلين، بخاصة أن به تكراراً يبعث على الملل، هناك جمل وعبارات بعينها حرص كلاهما على تكرارها، ربما أراد المخرج، وهو كاتب النص أيضاً، من هذا المونولوغ الطويل دفع المشاهد إلى مراقبة هذه العلاقة بعمق وهي تنهار، والتشبع بما يشاهده أمامه، لكن الأمر وصل حد الملل، حتى أن الممثل نفسه، وضمن سياق العرض، يقول ما معناه "إن ما أراد أن يوضحه وصل وعلى من يريد مغادرة القاعة أن يغادرها"، وهو ما حدث فعلياً حيث غادر بعضهم القاعة في منتصف العرض تقريباً. هل راهن المخرج على قدرة المشاهد على الاحتمال؟ ربما.

هناك فاصل قصير جداً لا أدري هل هو من نسيج العرض أم جاء كحيلة لالتقاط الأنفاس، حيث يدخل مجموعة من الأطفال طالبين من الممثلين إخلاء القاعة لأن لديهم بروفة، وحتى هذا الفاصل المصطنع، في ظني، لم يفلح في تخفيف حدة الملل التي أصابت المتفرجين.

الأمر الآخر هو تقديم العرض على مسرح علبة، مع أنه غير مناسب لمثل هذا النوع من العروض، فمن بين أغراض المسرح الفقير التي لمح إليها غروتوفسكي، هو ذلك التلاحم بين الجمهور والممثلين، وهو ما لا يحققه مسرح العلبة. كانت هناك مسافة واسعة بين الجمهور وبين الممثلين، صنعت مسافة أوسع في عملية التلقي والاستمتاع، حيث لم يتمكن الممثلون ولا الجمهور من الاقتراب بما يسمح بهذه الحميمية أو هذا التفاعل بينهما.

شاهدت نسخة لهذا العرض قدمت في فرنسا، كانت منصة التمثيل في منتصف القاعة، والمشاهدون يتحلقون حولها، ما أتاح للجانبين فرصة الاقتراب والتفاعل، وربما ذلك ما منح العرض فرصة الانتشار والتجوال حول العالم.

ربما لو قدم هذا العرض في قاعة، أو حتى لو سمح للمشاهدين بالجلوس فوق الخشبة والتحلق حول الممثلين، لاكتسب مزيداً من الدينامية، ولاستمتع المشاهدون أكثر بالأداء التمثيلي، الذي لم يتوسل العرض إلا به وراهن عليه، لكنه لم يكسب رهانه بشكل مطلق.

المزيد من ثقافة