كان التأكيد الرسمي اليوم لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 متوقعاً، وإن كان محبِطًا بدرجة لا توصف. فقد أعلن الرئيس ترمب نيته الانسحاب من الاتفاقية بمجرد توليه منصبه في عام 2017، ومع تطلعه لإعادة انتخابه (بغض النظر عن إجراءات عزله)، يحاول جاهداً الوفاء بوعود حملته الانتخابية.
وانسحاب ترمب الفوري في عامي 2017 و2018 من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعث برسالة مدوية إلى المجتمع الدولي مفادها أن القوة العظمى في العالم لم تعد مهتمةً بتلك المفاهيم "الاشتراكية" المرتبطة بالعلم، والتعليم والثقافة، ناهيك عن حقوق الإنسان. وإذا بقي هناك بصيص أمل في عدم قيام هذه الإدارة بمحو عقود كاملة من المكاسب في جعل الدول تحترم التزاماتها القانونية ودعم البيئة، فقد تبدد هذا الأمل عندما عيّن ترمب الحاكمة السابقة اليمينية المتطرفة نيكي هالي سفيرة لدى الأمم المتحدة، ومن بعدها كيلي نايت كرافت، الشخصية البارزة وزوجة قطب قطاع الفحم من ولاية كنتاكي.
إن الإعلان الرسمي اليوم هو مجرد تتويج للعملية، وقمة الاستثناء الأميركي في أسوأ تجلياته. إنه فعل شنيع ومخجل، لكن الأهم من ذلك كله هو أنه أمر مرعب. فما من شك أن بيان الحكومة اليوم هو أكثر مقامرة أميركية فتكاً منذ غزو العراق، حيث تعاظمت المخاطر أكثر من أي وقت مضى، وإن لم تكن دائماً بالطرق الأكثر وضوحاً.
إننا ندرك جميعا أن أزمة المناخ تنتج عنها تغيرات مناخية بالغة في جميع أنحاء العالم، مع ذوبان الكتل الجليدية القطبية بوتيرة أسرع من المتوقع، واحتمال أن تصبح "فيضانات تفع كل مئة عام" أحداثًا سنوية بحلول عام 2050، ونفوق الأنواع المهددة بالانقراض، وارتفاع مستويات مياه البحار، وتدمير سبل العيش في الصحراء بسبب عواصف الرمل والغبار، ونزوح المهاجرين من أميركا الوسطى عبر طرق خطرة جرّاء ارتفاع درجات الحرارة والأحداث المناخية القاسية لطلب اللجوء في الولايات المتحدة، حيث من المحتمل أن يُسجنوا ويفصلوا عن أطفالهم (إذا نجحوا أصلا في بلوغها) .
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبلغت أزمة المناخ درجة سيئة وخطيرة للغاية، وأصبح معها الناس يعانون ما يطلق عليه الخبراء "الحزن المناخي" ، وهو حالة نفسية مرتبطة بمجموعة من الظروف البيئية المروعة التي يمكن تجنبها. يفضل من يُنكر التغير المناخي التركيز على الطقس في مناطق عيشهم، حيث يتحدثون عن مدينتهم وكيف أنها تشهد شتاءً بارداً غير معتاد، أو أن بلدة ابن عمهم شهدت العام الماضي عواصف ثلجية غير مسبوقة. إن ما يحتاجه ترمب ومحيطه من الدجالين الذين ينكرون أزمة المناخ هو إدراك أن الأمر يتعلق بأكثر من مجرد الطقس.
من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى أكثر من 9.3 مليار في عام 2050، وسيعيش نحو 1.4 مليار منهم على مستوى أقل من عتبة الجوع. وكما كتب مرشدي السابق - المسمى "الأب الروحي للقانون الجنائي الدولي" شريف بسيوني - عن الأزمة العالمية المقبلة، "من المرجح أن ينزلق هؤلاء السكان المحليون المتأثرون إلى الفوضى - حيث سيفتك الأقوى منهم بأضعف الفئات... علاوة على ذلك، فإن هذه الدول الفاشلة والسائرة في طريق الفشل غالباً ما ستولِّد مجموعات من الأشخاص الذين، بالإضافة إلى الانقضاض على مواطنيهم، سيُصَدِّرون العنف إلى دول أخرى ويحرمون الأفراد الآخرين من حقوقهم الإنسانية. ومع تصاعد العنف المنزلي، العابر للحدود الوطنية والدولية بسبب عوامل عالمية، سيتعزز العنف العرقي والديني وتتعزز الأنظمة القمعية الجائرة والاستغلالية التي تنتهك حقوق الإنسان من دون رادع بسبب إخفاق النظام الدولي في توفير الأمن الجماعي". وكما يوضح الأستاذ بسيوني، فإننا لن نعاني جميعاً من عواقب القرارات البيئية على قدر واحد، حيث أن الفئات الأضعف في العالم هي التي ستكون الأكثر تضررا في البداية، وهو أمر أصبح واضحاً بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم.
إن الفكرة الخطيرة البائدة التي تنطوي على أن العالم يجب أن يفعل ما تمليه الولايات المتحدة، بينما تفعل هي ما تشاء، قد طال أمدها وانتهت صلاحيتها. وبصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تتحرك الصين لسد الفجوة التي تخلفها الولايات المتحدة بانسحابها من السياسة والدبلوماسية الدولية. لكننا لا نجازف فقط بفقدان هيمنتنا على العالم في الشؤون السياسية أو الاقتصادية حين نسمح بحدوث ذلك، بل نجازف بفقدان كوكبنا بأكمله. لقد كنا نقف مكتوفي الأيدي، والآن نعمل بنشاط على تدمير كوكبنا.
إن خروج الولايات المتحدة من اتفاق باريس هو أكثر من مجرد إهانة للمجتمع الدولي، والتي يمكن اعتبارها مجرد موقف سياسي. بل إنها خطوة أقرب إلى حرب عالمية ثالثة تُشن من أجل المياه العذبة والعشب الأخضر والهواء النقي، وهذا يكفي ليجعل الانسان يحلم بكوابيس.
© The Independent