Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شباب العراق يقتلع أوتاد إيران

محمد علي موحدي كرماني اتهم المتظاهرين بأنهم "شيعة الإنجليز"

الجيل الصاعد بدأ يرفض الاحزاب الدينية (أ.ف.ب)

بعد مضي ستة عشر عاماً، عمل النظام الإيراني فيها على ترسيخ أتباعه وصنائعه في وزارات ومؤسسات الدولة العراقية. وفي الوقت نفسه، دأب حكام إيران على مدّ نفوذهم في مختلف النواحي والمجالات التجارية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وكذلك في بثّ استخباراتهم من خلال واجهات الجمعيات والمؤسسات الخيرية والدينية والسياحية والتعليمية...الخ. وصارت النجف وكربلاء "المقدستين" ينتشر فيهما "زواج المتعة" الذي لم يألفه المجتمع العراقي سابقاً، وكثر فيها تعاطي المخدرات بين الشباب، وتداول العملة الإيرانية "التومان"، ودوريات رجال الأمن الإيراني في المناسبات الدينية.

ومع توالي السنين، والشرخ الطائفي الذي أحدثته في النسيج الاجتماعي، ظنّت إيران أنها أمسكت بالعراق على نحوٍ مُحكم، خصوصاً بعد العمليات الوحشية التي شنتها مجموعاتها المسلحة في 2014، وارتكابها المجازر في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار ونينوى، ضد ثورة العشائر العربية جراء الظلم والحيف والاضطهاد الذي لحق بهم، لا سيما في رئاسة نوري المالكي لمجلس الوزراء ما بين (2006-2014)، إذ بذريعة مكافحة الإرهاب ومحاربة داعش، تم تدمير وقتل وتشريد بشكل منهجي واسع في المناطق والمُدن ذات الغالبية السُّنية.

استفحال الفساد

بيد أن القبضة الإيرانية على العراق، نتج منها استفحال الفساد المالي والإداري في الحكومات المتعاقبة والسلطات، وعدم تنفيذ أي من المشاريع الإنمائية والزراعية والصناعية...الخ، بل تدهور اقتصادي أكثر فأكثر، وتردٍ كبير في الخدمات وتراجع خطير في الصحة والتعليم والتربية وغيرها. بينما الدخلاء القادمون من إيران ومن الخارج والموالون لهم يتنعمون وحدهم بخيرات البلاد، مع سلوكية دونية يمارسونها بالقهر والإذلال والتعالي والاقصاء بحق الأصلاء.

وعلى الرغم من خروج تظاهرات شعبيَّة بين الفينة والأخرى، في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية ذات الغالبية الشيعية، لكن سرعان ما يتم السيطرة عليها من خلال مراجع دينية وسياسية بوعود واهية لامتصاص الغضب ليس إلا، وقمع واعتقال واغتيال تجاه الذين لا ينخدعون بالوعود الزائفة.

وسط أجواء الفساد والتردي والإقصاء والتسلط الإيراني عبر صنائعها ومواليها، كان الجيل الصاعد من الأطفال العراقيين يتفتح رويداً رويداً. حتى أدركوا يقيناً أن الأحزاب الدينية السياسية الحاكمة والمرتبطة بالمشروع الإيراني هي أُس البلاء في البلاد، فلا مستقبل لهم ولوطنهم في ظل فساد أحزاب الخراب. وإن العملية السياسية الجارية منذ عام 2003 يجب إسقاطها والتخلص منها. ولقد تبلور موقفهم بتظاهرات واحتجاجات عفوية صادقة، مطالبين الحكومة بمكافحة الفساد والبطالة وتحسين الخدمات وغيرها من المطالب، بعدما أمهلوا الحكومة شهراً كاملاً، طيلة سبتمبر (أيلول)، لتحقيق مطالبهم المشروعة، وإلا سينزلون للشارع في تظاهرات يكفلها الدستور.

 

قاسم سليماني

كان الأول من أكتوبر (تشرين الأول) دامياً للشباب المنتفض، إذ سقط منهم مئات الضحايا وآلاف الجرحى، في بغداد والعديد من المحافظات. إذ تعرضوا لطلقات القناصين، والرمي بالرصاص الحيّ، والقنابل الغازية والدهس بسيارات القوات الأمنية، وهجمات عناصر الحشد من العصائب وبدر والنجباء وغيرهم. لذلك تجاوز الشباب المنتفض حدود المطالب واتجهوا نحو الأهداف، فهم يريدون إسقاط النظام السياسي برمته، الذي ينخره الفساد نخراً، ولم يعدّ في القوس نزعاً. وفي الخامس والعشرين من ذاك الشهر، أعلنوا مضيّهم نحو تحقيق الأهداف التي رفعوها، ومن ذلك اليوم، فإنهم يقدمون الضحايا والجرحى حتى كتابة هذه السطور.

وفي محاولة يائسة طار قاسم سليماني من طهران إلى بغداد يوم الثلاثاء 30 أكتوبر، ومن مطار بغداد الدولي حملته سمتية (مروحية) خاصة إلى المنطقة الخضراء، دخل على مكتب رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي كان مجتمعاً بقادة عسكريين وأمنيين حول كيفية كبح الاحتجاجات الشبابية، وجّه سليماني كلامه إلى المسؤولين العسكريين والأمنيين قائلاً "نحن في إيران نعرف كيف نتعامل مع الاحتجاجات، لقد حدث هذا في إيران وسيطرنا عليه". فهمَ الجميع إن سليماني يتولى بنفسه القيادة في هذا الخصوص. بعد يوم واحد، تحديداً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) كان من بين التظاهرات التي عمّت أغلب المحافظات العراقية، تظاهرة كبيرة تجوب مدينة كربلاء، في إحدى اليافطات الطويلة، كُتب عليها بالحرف العريض "قاسم سليماني المجرم الدموي يجتمع بالقوات الأمنية الخائنة لضرب التظاهرات". وبالفعل، هذا ما جرى.

يعتقد سليماني أن أساليب الاندساس والترويع واستخدام القوة المفرطة لترهيب المتظاهرين، على سبيل المثال، ما جرى في إيران ما بين أواخر 2009 ومطلع 2010 وكذلك في 2017، والتي تمكنت الحكومة الإيرانية من القضاء على الحراك الشعبي، فيمكن تطبيق ذلك في العراق أيضاً.

أقول هذا هو الفشل والتخبط بعينه، إذ الخلط ما بين الشأن الداخلي والتدخل الخارجي. فالعراقي المنتفض ليس ضد قواته الأمنية والشرطية والعسكرية، بل ضد القوات الإيرانية التي يراها قوة استعمارية، توجب عليه أن يضحي بروحه من أجل دحرها وتحرير بلاده منها. فالمجابهة والمواجهة لدى العراقي ضد القوة الإيرانية الدخيلة، تُعدّ مواجهة تاريخية تخص وجوده ومستقبله، وشتان ما بين نفسية المنتفض العراقي المندفع بحماسة وإرادة متطلعاً إلى التحرير والحرية، وبين نفسية الإيراني الدموي الذي يفرض نفوذ بلاده عنوة.

إن الشباب العراقي بإصرارهم على التحدي والمضي قُدماً في المواجهات السلمية بإسقاط النظام السياسي، ومحاسبة أحزاب الخراب، إنما يقتلع أوتاد إيران من أرض العراق. لذلك على الإرادة الدولية أن تتحمل مسؤولياتها بحماية المحتجين المدنيين ضد العنف والقتل المتعمد الذي تمارسه آلة القتل الإيراني؛ وما نتائج التحقيق والتقرير الصادر من "منظمة العفو الدولية" عن قنابل الغاز التي تفجر جماجم المتظاهرين العراقيين إلا برهان جلي.

إن الهلع الذي ينتاب حكام إيران، ابتداءً من علي خامنئي الذي وصف الاحتجاجات الشعبية المستمرة في العراق ولبنان بأنها "أعمال شغب تديرها أميركا وإسرائيل وبعض دول المنطقة"، وصولاً إلى خطيب جمعة طهران محمد علي موحدي كرماني، الذي أتهم المتظاهرين بأنهم "شيعة الإنجليز"، وقال: "إن شيعة بريطانيا متوغلون في صفوف الشعب العراقي". ودعا العراقيين أن يكونوا حذرين. ناهيك عن عودة قاسم سليماني إلى بغداد، وقيادته لعمليات القمع والقتل، فكل ذلك يعكس حالة الخوف الشديد الذي يمرّ فيه النظام الإيراني من خسارة مشروعه في العراق.

إن تحرك الشباب العراقي باقتلاع الأوتاد الإيرانية، سيكون رد الفعل قوياً ومدوياً داخل إيران نفسها، وفعلاً بدأت اليافطات تكثر في طهران بتأييدها إلى التظاهرات العراقية. فالشعوب داخل جغرافية إيران تمور وتغلي أيضاً من طغمة العمائم الحاكمة. وبالضرورة سيمتد رد الفعل بقلع الأوتاد لينهي المشروع الإيراني، وسياسته الداعمة للإرهاب في المنطقة العربية خصوصاً، وفي العالم عموماً.

المزيد من آراء