Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جمعيات قانونية تدرِّب الإرهابيين في تونس... لمن تعمل؟

السلطات تغلق مدرسة عُثر في داخلها على 42 قاصراً و27 راشداً يُقيمون في ظروف غير لائقة

تعلم وحفظ القرآن الكريم جزء من الهوية التونسية وهما يرسخان الانتماء الحضاري واللغوي والثقافي (أ. ف. ب.)

إغلاق مدرسة قرآنية في تونس فجّر حقائق صادمة في شأن الجمعيات الدعوية، ودورها في نشر الفكر الإرهابي، كما أعاد فتح ملف مصادر تمويلها وعلاقتها بالحركات الإسلامية في تونس. إذ فتحت النيابة العامة التونسية تحقيقاً في شبهة استغلال أطفال في إحدى هذه المدارس، في مدينة الرقاب في ولاية سيدي بو زيد جنوب تون.

يأتي ذلك، بعد تدخل السلطات لإغلاق هذه المدرسة، التي عُثر فيها على 42 قاصراً و27 راشداً يُقيمون في شكل مختلط في ظروف وصفت بغير اللائقة.

مدارس الإرهاب

تفيد الإحصاءات الرسمية في تونس بأن 47 ألف طفل، دون عمر الست سنوات، يدرسون في الكتاتيب، وهي أماكن أولية لتعليم الناشئة القرآن الكريم والدين ومبادئ القراءة والكتابة والخط والحساب، ويبلغ عددها 1664 كتّاباً، في حين يتخفى العديد من المدارس القرآنية تحت نشاط جمعيات.

وتؤكد المعطيات الرسمية وجود 22076 جمعية حتى ديسمبر (كانون الأول) 2018، من بينها أكثر من 310 جمعيات مهتمّة مباشرة بتحفيظ القرآن الكريم في إطار الجمعيات الناشطة، في المجال الثقافي والعمل الخيري، التي يصل عددها إلى 11245 جمعية.

وقالت روضة العبيدي، رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، خلال مؤتمر صحافي، إن "المُعسكر المسمّى مدرسة قرآنية لم يكن إلا قنبلة داعشية موقوتة يُعلّب فيها الإرهابيون، ويرسلون إلى الجهاد". وأضافت أن "الأطفال كانوا يتناولون الأكل بعد أن تغزوه الديدان ويتعفن في إطار ما يسمى جهاد النفس"، وأن بعضهم لا يستطيع المشي من كثرة التعرّض للضرب، حتى أن الدعوة إلى صلاة الفجر كانت بالضرب بالسياط. وأشارت إلى أن خمسة أطفال عُرضوا على اختصاصي، ثبت أن اثنين منهم تعرّضا لـ "المفاحشة" المتكررة.

حملة شرسة من المتشددين

في هذا الوقت، اتخذ محافظ بن عروس المتاخمة للعاصمة تونس، بعد حادثة الرقاب، قراراً يقضي بإخلاء بيت غير مرخص، ولا تتوافر فيه شروط حفظ الصحة، ويقيم فيه أطفال قصّر من دون أوليائهم يرتادون مدرسة قرآنية.

ويقول المحامي خالد عواينية إنهم تحركوا لإغلاق هذه المدرسة منذ العام 2015، على الرغم من أنها تعمل منذ العام 2012. وأضاف أنه إثر صدور قرار إغلاقها تمّ تهديد المعتمد (موظف إداري حكومي) وترهيبه، ما حال دون تطبيق قرار الإغلاق، الأمر الذي يؤكد وجود دعم سياسي كانت تتمتع به هذه الجمعيات في ذلك الوقت. وقال عواينية إن صاحب المدرسة شخص متشدد، وإن والده معروف في المنطقة بذهابه المتكرر إلى بيشاور في باكستان، وإنه بعد وفاته واصل ابنه ما بدأه والده.

وتقول المحامية والحقوقية ليلى الحداد، التي تواكب القضية، إن حملة شرسة من المتشددين في تونس انطلقت عقب تسليم الملف إلى القضاء، في محاولة لتحويل القضية إلى صراع أيديولوجي، وكأنها حملة انتخابية سياسية، مؤكدة أن الملف أخذ طابعاً إرهابياً. ودعت الحداد كل الحقوقيين إلى متابعة الملف حتى لا يُتلاعب به، خصوصاً أن التهمة خطيرة، وهي تدريب الأطفال على القتال من خلال فيديو وجد عند أحدهم يصور تدريبات قتالية بلباس أفغاني.

وتوضح الحداد أن بعض المدارس، على غرار مدرسة الرقاب، تعمل ضمن جمعية تملك رخصة قانونية، لكن النشاطات التي تقوم بها تخالف القانون، إضافة إلى وجود أموال طائلة في حساب صاحبها المتهم بالإرهاب.

وكان تحقيق صحافي، نشر في العام 2015، أكد أن هذه المدرسة خرّجت ثلاث شبّان توجهوا إلى القتال في سوريا بأمر مباشر من صاحبها.

تراخي الحكومة

وترى الحداد أن الخطير هو التزايد المريب لعدد الجمعيات الدعوية والقرآنية العشوائية بعد الثورة، متهمة مؤسسات الدولة التونسية بعدم مراقبتها، وعدم البحث في مصادر تمويلها، ما أسهم في تردي الأوضاع وانتشار الفكر المتطرف.

وكشف تقرير اللجنة التونسية للتحليلات المالية، في العام 2017، أن مستوى مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في تونس "مرتفع نسبياً"، واصفاً الجمعيات بأنها ذات مخاطر عليا لاستعمالها في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في المقابل، حلّلت مجموعة من الخبراء التونسيين في مجال مكافحة الجرائم المالية أكثر من 460 ملفاً من ملفات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب المحالة على القضاء، و2000 حساب مصرفي والآلاف من العمليات المصرفية، من إيداع وسحب وتحويل، وتبين أنها فاقت العشرة مليار دينار.

ورداً على الاتهامات الموجهة إلى الحكومة، قال إياد الدهماني، الناطق الرسمي باسم رئاسة الحكومة، في حوار إذاعي، إن "الحكومة الحالية رفعت 159 قضية ضد جمعيات غير قانونية، من ضمنها مدرسة الرقاب، حتى أن الشكوى المقدمة ضدها كانت منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي". وأضاف أن قراراً أولياً صدر بتعليق نشاطها في أوائل ديسمبر (كانون الثاني) 2018، مستدركاً أن المشرفين عليها لم يحترموا قرار الإغلاق.

اتهامات لحركة النهضة

أصدرت مجموعة من المحامين بياناً اتهمت فيه حركة النهضة الإسلامية باختراق أجهزة الدولة، ومحاولة تغيير النمط الاجتماعي التونسي. وقالت المجموعة إنها ستتولى القيام بجميع إجراءات التقاضي ضد مشروع "التمكين الإخواني" داخل تونس، وفق تعبيرها. ويرى هؤلاء المحامون، كما جاء في بيانهم، أن حركة النهضة نجحت في بناء شبكة من الجمعيات المدنية والخيرية المرتبطة بها مباشرة، تكفلت بتلقي التمويل الخارجي لتنفيذ المهمات المساعدة على تكريس سياسة التمكين هذه.

ووفق البيان، تكفلت حركة النهضة بتنفيذ أجندات دولية داخل تونس، بما في ذلك نقل مواطنين تونسيين إلى بؤر التوتر. ويعتبر هؤلاء أن الخيط الرابط بين جميع الأنشطة السياسية والمدنية والاقتصادية لقيادات حركة النهضة والمشرفين على هذه الجمعيات، هو التمكين وفق أدبيات الفكر الإخواني.

القرآن جزء من هوية التونسي

ويقول الباحث في الإسلاميات غفران حساينية إن تعلم وحفظ القرآن الكريم جزء من الهوية التونسية، ووجود هذه المدارس وفق منهجيات تدريس معروفة يشرف عليها متخصصون يعدّ أمراً إيجابياً في تكوين ملكة لدى الطفل، وترسيخ انتمائه الحضاري واللغوي والثقافي.

ويضيف أن ظهور مدارس مشبوهة ومعزولة عن المدن، لا تتوافر فيها شروط السلامة الصحية والأهلية العلمية للتعامل مع الأطفال وتشتغل بطريقة مثيرة للريبة، لتمرير ما لا ينسجم مع العصر والمجتمع التونسي، قد يؤدي في المدى المتوسط، إلى ظهور جيل جديد من حاملي الأفكار المتشددة، التي ذاق التونسيون مرارتها خلال السنوات الماضية.

المزيد من العالم العربي