Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يقف لبنان على أبواب أزمة دستورية؟

استقالة سعد الحريري تخلط الأوراق وتربك "العهد" ومَن يقف خلفه

فعلها سعد الحريري وقدم استقالته... جاء إعلان هذا النبأ ليشكل نقطة تحول بارزة في تاريخ لبنان السياسي. هي المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط حكومة تحت ضغط الشارع الذي حركته مطالب اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى. الانتفاضة الشعبية اللبنانية جاءت بفعل تضافر جملة عوامل، منها السياسات الاقتصادية المنتهجة بعد اتفاق "الطائف" إضافة الى منسوب الفساد الهائل الذي أنهك الاقتصاد اللبناني والقطاع العام من جرّاء ممارسة المحسوبية والزبائنية السياسية، بالإضافة الى الأوضاع المعيشية الخانقة التي تمر بها البلاد منذ سنوات من دون تقديم أي حلول جذريّة.
وتميّز الحراك الشعبي المستمر عن سابقاته من التحركات الشعبية التي كانت تُساق بقيادة وتوجيه وتمويل من أحزاب وزعماء سياسيين، إذ حالياً، يطغى عليه كما يسميه البعض، وجود أساسي للمجتمع المدني ووجود غير مباشر لأنصار أحزاب معينة إضافة الى مستقلين من كل الطوائف. بموازاة ذلك، قدّم الحراك صورة انتشار على امتداد الوطن من الشمال إلى البقاع إلى بيروت، مروراً بكسروان وصور وجبيل وصيدا إلى قلب النبطية (في أقصى الجنوب اللبناني).


إنجازات الحراك

أما إنجازات الحراك الثوري وفق مطلعة متابعة لمسار التحركات الشعبية فهي تتلخص بنقاط عدة، أبرزها "صدور الورقة الاقتصادية الإصلاحية مع التحفظ على محتوياتها. إلغاء الضريبة على تطبيق "الوتساب" التي فجّرت الانتفاضة الشعبية. توحيد فئات عريضة من الشعب اللبناني تحت مظلة المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي كانت أصلاً مؤطّرة تحت ولاءات سياسية معينة. وخروج مناطق جغرافية معروفة تاريخياً بولائها لأطراف سياسية كمدينة طرابلس التي تنتفض ضد الحريرية السياسية، والنبطية وصور ضد الثنائية الشيعية (حركة أمل وحزب الله)". كل ذلك يشير إلى خضوع متدرج من قبل الحكومة لمطالب شعبية كانت على مدى عقود مهملة ومهمشة ولا تلقى أي آذان صاغية لدى المسؤولين الحكوميين.


استقالة الحريري 

كما ترى المصادر ذاتها أن "هذه الحكومة التي أعلنت الاستقالة في اليوم الثاني عشر على الثورة هي ليست حكومة سعد الحريري، بل هي حكومة العهد وجبران باسيل ما جعلها تابعة لـ"التيار الوطني الحر" ناهيك عن أن الحكومة تضم أعضاء تابعين لحركة "أمل" و"حزب الله" وأطرافاً أخرى. وبالتالي، شكّل اتخاذ الحريري قرار الاستقالة، ضربةً كبيرة للعهد والتسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى في البلاد".
وتعتبر المصادر أن "الهدف الأول والأسهل الذي أمكن استهدافه مرحلياً هو الحكومة، إذ لا يمكن الاقتراب لا عملياً ولا قانونياً ولا دستورياً من مجلس النواب ولا يمكن لأسباب طائفية وتاريخية وسياسية إقالة رئيس الجمهورية. وبالتالي تأجج غضب الشارع وتركز على الحكومة التي تمثل الأطراف السياسية الموجودة. ومن الجدير ذكره في هذا السياق، أن الحكومات في لبنان تُشكَل على أساس ائتلافي وفق مبدأ الديمقراطية التوافقية المعمول به في لبنان بعد اتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان). وثبت واقعياً أن لوجود سلاح "حزب الله" وما يشكله من ضغط ميداني ونفسي وعملي على كل الأطراف، ثقله النوعي المؤثر في تشكيل الحكومات بحيث بات من الصعب تأليفها من دون رضاه أو وفق أجندته الخاصة ذات الأبعاد الأقليمية. لذلك فإن الحكومة المستقيلة تمثل عملياً طموحات "حزب الله" وباسيل وخصوصاً أن الأخير شكل رمزاً من رموز الاستبداد للحكومة في مرحلة من المراحل".
وترى المصادر أن "باسيل استغلّ هذه الحكومة لفتح معركة رئاسة الجمهورية باكراً، بعد بضعة أشهر من انتخاب عمه الرئيس عون. فرأيناه يتحرك على الأرض من خلال زيارات استفزازية وتصريحات نارية هدفها شد العصب وتوحيد المسيحيين حوله عبر خلق إشكالات مع المكونات الأخرى للمجتمع اللبناني. وفي الوقت ذاته، كل أوراق التفاهم التي تم الاتفاق عليها مع الحريري أو رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أو غيرهما كان جبران جبران باسيل ينقضها ويلحس توقيعه عليها". واعتبرت هذه المصادر أن "هذه الفوقية والاستبداد والنهج التي اتبعها باسيل أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تحقيق الهدف الأول

من جهة أخرى، كان خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله واضحاً منذ البداية، إذ أعلن أنه لن يتخلى عن باسيل. وتعتبر المصادر أن "أي تخلّ برأي "حزب الله" عن باسيل هو ضربة للعهد وميشال عون حليفه المسيحي الأوثق، كما أنه سيؤثر في ضرب حليفه الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري، لأن الحزب يلعب دور الحامي خصوصاً بشأن الملفات الكثيرة المرتبطة بقضايا الفساد". وأضافت المصادر أن "للحراك الشعبي ثلاثة مطالب أساسية هي: استقالة الحكومة، تشكيل حكومة انتقالية ومن ثم انتخابات نيابية مبكرة وتمكن من إنجاز الهدف الأول. لكن للأسف، تعمد كل من "حزب الله" و"حركة أمل" إلى الدفع بمناصريهما قبيل استقالة الحريري بساعات إلى ساحات الاعتصام وجسر "الرينغ" (في بيروت) لإثارة أعمال شغب، في محاولة ميدانية لتفريغ فائض القوة الذي يتمتعون به وأيضاً محاولة لاقتلاع الحراك من الشارع منعاً للاحتفاء باستقالة الحريري، لما في ذلك من رمزية معنوية وعملية، قد تشجع الحراك على البقاء في الساحات. ويخشى الثنائي الشيعي من توالي تساقط أحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى بفعل استمرار ضغط الشارع الشعبي".
 

سيناريوهات مرتقبة

يرسم المشهد السياسي اليوم جملة خيارات وسيناريوهات للمرحلة المستقبلية، فالسيناريو الأول بحسب ما تعتبر مصادر لبنانية مسؤولة هو "الإتيان برئيس حكومة تابع لمحور الممانعة (النظامين السوري والإيراني) من قماشة (الزعيمين السنيين) عبد الرحيم مراد أو فيصل كرامي أو آخرين. وفي هذه الحالة، يُتوقع أن يعمل أي من هؤلاء على تركيب ملفات فساد وتحميل وزرها لحكومة سعد الحريري بل وحتى لعهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري من أجل تحسين وتلميع صورة الفرقاء الآخرين في الحكومة".
أما السيناريو الثاني، فهو إعادة ترشيح الحريري باعتباره الشخصية السنية الأقوى، وخصوصا أننا في لبنان عملياً لا نطبق الدستور بل نسير وفق أعراف سياسية غير مكتوبة، ففي حين تنص هذه الأعراف على أن الشيعي الأقوى يتبوأ رئاسة مجلس النواب والماروني الأقوى يتربع على سدة رئاسة الجمهورية من البديهي أن يكون السني الأقوى من حيث عدد كتلته البرلمانية، على رأس الحكومة المزمع تشكيلها، وهذه هي حالة سعد الحريري. لذا من المرجح اللجوء إلى ترشيح "السني الأقوى" (أي الحريري) الأمر الذي سينقل الوضع إلى المرحلة التالية من الأزمة وهي تشكيل الحكومة. وبناءً على التجارب المريرة السابقة في هذا السياق، فإن محاولات عرقلة التأليف واردة في ظل تناقض الطروحات والاختلاف على الأسماء. بل إنه من المرجح أن يتعقد الأمر مع وجود ضغط بالشارع وسط نقمة لدى "حزب الله" وحركة "أمل" و"التيار الوطني الحر" تجاه الحريري إذ اعتبروا قرار الاستقالة "طعنة في الظهر".
أما السيناريو الثالث، فهو ترشيح رئيس حكومة توافقي من نوعية تمام سلام أو فؤاد مخزومي مع أرجحية أن تُعهد للأول مهمة تشكيل حكومة انتقالية قد تتخذ طابع تكنوقراطي على أن تنبثق منها انتخابات انتخابية. كل هذه السيناريوهات قابلة للتبدل والتشكل وفق نبض الشارع وشد العصب والضغوط الدولية".
 

أزمة دستورية في المرحلة المقبلة؟

من هنا نسنتنج أن معركة إسقاط الحكومة هي خطوة أولية للحراك نحو تبلور المنظومة الجديدة الصاعدة إلا أنه من المؤكد أن ما قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، يختلف تماماً عما سيأتي بعده. لا ريب أن أزمة دستورية تلوح في أفق الوطن اللبناني تسير جنباً إلى جنب مع الأزمات المعيشة والاقتصادية والاجتماعة ناهيك عن السلاح غير الشرعي وتناقضات المصالح السياسية ضمن النظام اللبناني على مرّ تاريخه. هذه الأزمة الدستورية مردها إلى الممارسات والأعراف التي أنتجت ما يُعرف بالمحاصصة للمناصب الحكومية بين الطوائف اللبنانية الأساسية. وهذا يعني طغيان المزاجيات والمصالح الضيقة بحجة ضمان "الميثاقية" والتوافق على عمل المؤسسات الحكومية والمبادىء القانونية. ويُعدّ هذا التناقض جوهر الخلاف ضمن بنية هذا النظام، بين محاصصة الزعماء من جهة، وبين حكم القانون من جهة أخرى. ويبقى السؤال قائماً، هل سيغدو لبنان وطناً أم يبقى مشروع وطن قيد التشكل؟

المزيد من العالم العربي