Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا استغرق الموقف الأميركي تجاه احتجاجات لبنان وقتا طويلا؟

واشنطن قد تشكل عاملاً حاسماً لدعم المتظاهرين لكنها تتوخى الحذر

على مدى أسبوعين كان هناك نقص واضح في الرسائل الصادرة من الإدارة الأميركية حيال احتجاجات لبنان (أ. ب)

شكلت دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو القادة السياسيين في لبنان إلى الإسراع بتشكيل حكومة جديدة عقب استقالة سعد الحريري ومطالبته بالامتناع عن أي عنف أو استفزاز ضد المتظاهرين، خروجاً عن الصمت المشوب بالحذر الذي انتهجته الإدارة الأميركية منذ اشتعال الاحتجاجات قبل أسبوعين. وباستثناء بعض التصريحات العامة من مسؤولين في الخارجية الأميركية تدعم حق التظاهر، ظل الرئيس دونالد ترمب- الذي لا يتوقف عن التعليقات السياسية- ووزراء إدارته صامتين حيال ما يجري في لبنان على الرغم من ضخامة الأحداث ودلالاتها غير المسبوقة، ما أثار علامات استفهام حول أسباب ذلك الصمت الأميركي، وخلفيات ربط اتخاذ موقف بحدوث تحرك في السلطة اللبنانية.

أسباب الصمت

وتشير وسائل إعلام أميركية إلى أنه على مدى أسبوعين، كان هناك نقص واضح في الرسائل الصادرة من الإدارة الأميركية حيال احتجاجات لبنان، ففي الوقت الذي عبر فيه مرشحون ديمقراطيون للانتخابات الرئاسية الأميركية مثل السيناتور إليزابيث وارين، والسيناتور بيرني ساندرز عن دعمهما للحركة الاحتجاجية في لبنان، بدا الرئيس الأميركي صامتاً بشكل غريب على أحداث قد تتسبب في إضعاف خصم واضح للولايات المتحدة، ألا وهو حزب الله الذي فرضت الإدارة الأميركية عليه عقوبات اقتصادية أخيراً.

ويُرجع بلال صعب الباحث في معهد الشرق الأوسط، وهو مركز تفكير ودراسات في واشنطن، سبب صمت الإدارة الأميركية خلال أسبوعين من الاحتجاجات إلى أحد أمرين، الأول هو عدم رغبة الولايات المتحدة الأميركية في أن تبدو وكأنها تُحرض على التظاهر والاحتجاج ومن ثم تعوق من مسيرة هذه التظاهرات، والثاني أن الصمت ربما يشير إلى حالة الارتباك التي اتسمت بها سياسات الرئيس ترمب في الشرق الأوسط.

حسابات الموقف الأميركي

وبينما أوضح بيان وزارة الخارجية الأميركية أن التظاهرات السلمية عبّرت عن رغبة الشعب اللبناني في حكومة كفوءة وفعالة وإصلاح اقتصادي ووضع حد للفساد، يقول مراقبون إن الكيفية التي اختارت إدارة ترمب التعاطي بها مع الأزمة يمكن أن تُشكل عاملاً حاسماً، فتدفع في الاتجاه الإيجابي من أجل الشعب اللبناني وتحقيق طموحاته، لكن واشنطن ينبغي أن تكون حذرة لأنها قد تضر بالوضع الأمني الهش وربما الكارثي في البلاد.

وتعتبر الكاتبة والصحافية الأميركية سولوم أندرسون في تقرير لها، أن الانتفاضة الشعبية اللبنانية، تمثل فرصة لإدارة ترمب كي تعبر عن دعمها بحذر للحركة الاحتجاجية والتي قد تقود إلى تشكيل حكومة أفضل من وجهة النظر الأميركية وكذلك بالنسبة إلى الشعب اللبناني، لكنها تضيف أن الموقف الأميركي يقتضي الامتناع عن أسلوب اليد الثقيلة والحذر في عدم استخدام لغة مثيرة مثل تلك التي استخدمها ترمب خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران قبل أشهر.

مخاطر كبيرة

غير أن هناك مخاطر كبيرة إذا ما كررت الولايات المتحدة أفعالها الخاطئة، ذلك أنها قد تُطلق العنان لفوضى أكبر في منطقة مضطربة بالأساس.

ويرى جورج لوبيز، الخبير في قضايا العقوبات الاقتصادية، أنه على خلاف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لجأ ترمب إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية كمطرقة مؤثرة عن بعد، وكلما أحدثت العقوبات تأثيراتها، كلما ظهرت نتائج أفضل.

سلاح العقوبات

ويُقر كثير من المراقبين في العاصمة الأميركية، بأن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترمب على حزب الله سرّعت من وتيرة المخاوف الاقتصادية في لبنان بعدما اتهمت واشنطن حزب الله بالضلوع في تفجير أهداف أميركية وخطف مواطنين أميركيين خلال الثمانينيات، كما أصبحت العقوبات الأميركية وسيلة لخنق حزب الله وتقييد قدرته على إجراء معاملات مالية حول العالم.

أضعف هذا الدور الأميركي حزب الله الذي اعترف أمينه العام حسن نصر الله بشرعية المطالب التي رفعها المحتجون، ولكن مع تأكيد رفضه تشكيل حكومة جديدة، فضلاً عن التهديد ولو بشكل مبطن بأن حزب الله قد يسعى إلى احتواء الوضع بالسيطرة على بيروت كما فعل في 2008.

الثقة في حزب الله اهتزت

ويقول بلال صعب إنه لا ينبغي المبالغة في تأثير الاحتجاجات على القوة السياسية والعسكرية لحزب الله، إلا أنه لا شك في أن التظاهرات هزت الثقة في الجماعة، مشيراً إلى أن الاحتجاجات المتواصلة شملت لبنان بل امتدت إلى أماكن لم يكن أحد يتصور أن تصل إليها، وهو ما تمثل في احتجاج الناشطين الشيعة ضد ممثليهم في الحكومة.

ويضيف صعب أن الجرأة الكبيرة في إظهار ذلك وطبيعة انتشار الاحتجاجات، من المؤكد أنها جديدة، وهي لا تمثل بالتأكيد أخباراً سعيدة لحزب الله.

هل من حل للأزمة؟

بحسب الصحافة الأميركية، فإن التوترات السياسية التي وقعت في بيروت عقب الاشتباكات والهجوم على المحتجين من عناصر موالية لحزب الله وحركة أمل، تجعل الأجواء ملبدة ومُستعصية على حل يؤدي إلى اتفاق على رئيس حكومة جديد بعد استقالة الحريري، وأنه حتى لو واصل الحريري عمله كرئيس لحكومة تصريف أعمال، فإن قدرته على معالجة الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي ستتقلص بدرجة كبيرة، وقد يؤدي تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية إلى مزيد من التوتر والاضطراب الاجتماعي في الشارع اللبناني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى مراقبون أن استقالة الحريري التي اعتبرها المحتجون انتصاراً لهم، ستفتح شهيتهم لتحقيق بقية مطالبهم، وبخاصة أن شعارهم الرئيس طوال الحركة الاحتجاجية هو "كلن يعني كلن" أي ضرورة رحيل رموز النظام الطائفي الذي يعتمد على توزيع السلطة والمناصب الرئيسية بين السنة والشيعة والمسيحيين، حيث ساهم ذلك النظام الطائفي المعقد في الحفاظ على السلام، لكنه أيضاً جعل اتخاذ قرارات حاسمة أمراً صعباً، كما ساهم في انسدادات سياسية طويلة من قبل.

ووفقاً للدستور اللبناني، يتعين على الرئيس ميشال عون حال قبوله استقالة الحريري، عقد مشاورات ملزمة مع الكتل البرلمانية لتسمية مرشحيها لرئاسة الحكومة، ثم يكلف من يحصل على النسبة الأعلى من الأصوات تشكيل الحكومة، غير أن عملية تشكيل حكومة جديدة قد تستغرق أشهراً مثلما استغرق الاتفاق على الرئيس عون عامين ونصف، كما استغرق تشكيل حكومة الحريري تسعة أشهر أخرى.

وتتمثل إحدى أكبر العقبات لتشكيل حكومة جديدة، في تمسك عون ونصر الله باستمرار وزير الخارجية جبران باسيل- وهو زوج ابنة عون- في منصبه على الرغم من إصرار محتجين على استقالته وتوجيه السباب له خلال التظاهرات.

تحذيرات من العنف

وفي الوقت الذي حذرت الولايات المتحدة من العنف ودعت الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية إلى مواصلة حماية المتظاهرين، فإن تكرار هجمات عناصر حزب الله وغيرهم على المحتجين السلميين، ينذر بتحول الأمور إلى العنف، خصوصاً بعدما مثلت استقالة الحريري هزيمة لحزب الله الذي يعتبر المحتجون أنه تحالف مع رموز سياسية يتهمونها بالفساد.

وبعد تهديد نصر الله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري مما وصفاه بالفوضى إذا ما استمرت الاحتجاجات، يرى مراقبون في واشنطن أن أياً كانت الاستراتيجية والهدف، فإن الوضع سيتحول إلى العنف إذا لم يتخل حزب الله عن بعض نفوذه السياسي.

ونظراً إلى وجود جماعات وكيلة أخرى لإيران في المنطقة، فإن أي مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في لبنان، تنذر بإمكانية انتشارها إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات