سيطرت قوات شرق ليبيا الموالية للقائد العسكري خليفة حفتر، الأربعاء 6 فبراير (شباط)، على حقل الشرارة النفطي (900 كلم جنوب طرابلس)، في جهة الجنوب - الغرب، والقريب نسبياً من الحدود التشادية.
لهذا الحدث أبعاد عدة تتجاوز المشهدية الميدانية العسكرية التي تحجب الخبر وتجعله عابراً وسط شريط حكايات الحرب الليبية، أو ربّما تمنحه بعض الأهمية نظراً لأهمية الحقل النفطي المكتشف في ثمانينيات القرن العشرين.
فالحدث الليبي، كما يبدو، يتقاطع مع الأولويات الفرنسية راهناً، وهي، كما تقول، الاستقرار في تشاد برئاسة إدريس ديبي. وقد تزامن حراك قوات حفتر من شرق ليبيا في اتجاه الحدود الجنوبية التشادية النيجيرية والسودانية مع غارات القوات الجوية الفرنسية على "مجموعات إرهابية" تنشط في الجنوب الليبي وعبر الحدود مع تشاد. وكأن الهدف من الحراكين الليبي والفرنسي هو إبعاد تلك المجموعات الإسلامية المتشددة من تلك المنطقة التي تشكل معبراً مهمّاً نحو أفريقيا. ولا تُخفي قوات حفتر أن الغاية من عمليّتها هي تطهير المنطقة من "العصابات المحلية والأجنبية والإرهاب التي تزعزع الأمن وتستغل فوضى الحدود لإقامة قواعد خلفية... ومحاربة الهجرة غير النظامية"، وفق تعبيرها.
وفي الوقت نفسه، تُعد الحدود الليبية التشادية طريقاً مهمة في خريطة أنابيب النفط الليبي "المهم" بالنسبة إلى فرنسا.
قدر صعب
لأسباب كثيرة وعميقة لا يمكن فصل الحدث الليبي عن التشادي. فالموقع الجغرافي للبلدين وحدودهما المشتركة وتاريخ علاقتهما بمثابة قدر تسكنه الأشباح وتتحرك فيه الأرواح الشريرة، وفق متابعين للشأن الليبي. وقد جعل هذان الموقع والحدود من الجارين شقيقين لدودين أو خصمين لا يستغني أي منهما عن الآخر.
فمنذ استولى العقيد معمر القذافي على الحكم في ليبيا (1969) دخلت العلاقة بين البلدين في صراع لم يخلُ من المؤامرات والتدخلات العسكرية واحتضان كل منهما المعارضة في البلد الآخر. وقد تجدد ذلك مع وصول حسين حبري إلى الرئاسة في تشاد (1982). إذ اشتعلت حرب حدودية جعلت الرئيس التشادي الحالي، إدريس ديبي، متهماً من جانب حبري بتدبير انقلاب للإطاحة به بمساعدة القذافي. فما كان منه إلا أن فر إلى ليبيا ومن هناك إلى السودان الذي تمتد إليه قبيلته الزغاوة. كذلك جعلت الحربُ الضابط حفتر أسيراً في تشاد (1987)، قبل أن يغدو معارضاً للقذافي وينتسب إلى "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" ومقرّها تشاد ثم قائداً لجناحها العسكري، قبل أن يطيح ديبي بحبري (1990) وينفتح على القذافي منهياً الوجود الليبي المعارض على أراضي تشاد. وغادر حفتر بطائرة أميركية إلى الكونغو الديمقراطية ثم إلى منفى يستعد فيه للعودة إلى ليبيا.
ولعل فترة ديبي- القذافي من أكثر أيام التعاون هدوءاً. وقد تحولت ليبيا من عدو إلى جار ودود ووسيط يفتح بيته للمتخاصمين التشاديين كي يتحاوروا. لكن، وعلى الرغم من الهدوء والإيجابية، ومن استخراج تشاد البترول، لم تشهد تطوراً اقتصادياً وإصلاحات. وأجرى ديبي تعديلاً دستورياً لانتخابه لفترة رئاسية ثالثة. ما أدخل البلاد في توتر أمني وسياسي، من عناوينه الخلاف بشأن سياسته.
خشية
على الرغم من أن القصة ليست تراجيديا شخصيّة، إلا أنها كما يبدو تحفظ لحفتر وديبي دورين رئيسيين أو أكثر. فإذا تمكّن حفتر، الذي يسيطر على الهلال النفطي شرقي البلاد، من الاحتفاظ بالسيطرة على حقل الشرارة وتأمين خطوط إمداده يكون قد أحكم سيطرته على قطاع النفط في ليبيا. وتُقدّر الطاقة الإنتاجية لحقل الشرارة بنحو 430 ألف برميل يوميّاً.
ويقع الحقل في منطقة تجاذب يسعى كل فريق على الساحة الليبية إلى السيطرة عليه أو إلى إغلاق أنابيبه لأسباب أمنية وسياسية أو نفطية. مثلما هي الحال مع قبائل الزنتان التي أوقفت عملية النقل، في منطقة الحمادة الحمراء (400 كلم جنوبي العاصمة طرابلس)، احتجاجاً على قرارات المؤتمر الوطني العام.
ويُخشى أن يعمد حفتر الذي تحسّنت علاقته بروسيا إلى عرقلة جهود الأمم المتحدة لتنظيم مؤتمر وطني لانهاء المرحلة الانتقالية وتمهيد الطريق لتنظيم انتخابات. وهو ما دفع مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة إلى مطالبة الأطراف بضبط النفس.
وتعارض حكومة الوفاق الوطني الليبية ورئيس مجلسها الرئاسي فائز السراج العملية العسكرية التي تنفذها قوات حفتر. وقال السراج إن المجلس لن يسمح بأن يصبح الجنوب ساحة لتصفية الحسابات السياسية، أو مدخلاً للفتنة بين المكونات التي تشكل نسيجه الاجتماعي.
في سياق مواز، توجهت قوة من حرس المنشآت النفطية التابع لحكومة الوفاق الوطني إلى حقل الشرارة، لقطع الطريق على محاولة قوات حفتر بسط سيطرتها. في حين دعا رئيس المجلس الليبي الأعلى للدولة خالد المشري الولايات المتحدة الأميركية إلى المساعدة في الحد من التدخلات الدولية في الشأن الليبي.
وفي خطوة غير مسبوقة تهدف إلى منع حفتر من التفرد بالقرارات، أعلنت طرابلس تعيين مسؤول عسكري سابق في نظام القذافي، هو الفريق علي سليمان كنا، قائداً عسكرياً للمنطقة الجنوبية.
والفريق كنا الذي دعم القذافي حتى مقتله، كان فر من ليبيا العام 2011 قبل أن يعود إلى مسقطه جنوب البلاد في 2015 حيث يحظى بدعم قبائل كبرى عدة من بينها الطوارق وقبيلة القذافي.
حالة القوة القاهرة
دعا الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، المتمركز في شرق البلاد، المؤسسة الوطنية للنفط (مقرها العاصمة طرابلس حيث توجد حكومة الوفاق التي يرأسها السراج ولا يعترف بها حفتر) إلى رفع حالة القوة القاهرة عن الحقل. وكانت المؤسسة أعلنت حالة القوة القاهرة في الحقل عندما أغلقته في ديسمبر (كانون الأول) 2018 ، بعدما سيطر عليه رجال القبائل ومحتجون مسلحون وحراس تابعون للدولة مطالبين بأجور وتخصيص أموال لتنمية المنطقة.
وغرد مسؤول تنفيذي في شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو) التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط على تويتر نقلاً عن شركة (أو.إم.في) أن من الممكن إعادة فتح الحقل في مارس (آذار). وتدير المؤسسة الحقل في شراكة مع شركات ريبسول وتوتال وإكوينور.
تأجيج التوتر القبلي
يعتبر متابعون للشأن الليبي أن هذه العملية تهدد بتأجيج التوتر في منطقة سبق أن شهدت معارك دامية بين قبائل التبو (أقلية ليبية سمراء) وقبائل عربية للسيطرة على طرق التهريب، وذلك حتى توقيع اتفاق سلام العام 2017.
وفيما يرى محللون أن العملية العسكرية التي ينفذها الجيش الوطني تنطوي على رهانات نفطية، كون التبو يسيطرون على حقول مهمة بين الكفرة ومرزق وأوبار، يشكو كثيرون من قبائل التبو من التمييز ومما يعتبرونه "تطهيراً إتنياً". ويتهم هؤلاء الجيش الوطني الليبي" (حفتر) بأنه فسح المجال أمام قبائل عربية منافسة للتوغل في مناطقهم، علماً بأن هذا "الجيش" يضم أفراداً من التبو في صفوفه.
وقال يوسف كلكوري العضو في برلمان طبرق لوكالة الصحافة الفرنسية إن التبو يرفضون بشدة دخول أفراد من قبيلتي أولاد سليمان والزوي العربيتين إلى مدنهم. وقدم وزير من التبو في الحكومة الموازية في الشرق (يرأسها عبد الله الثني) استقالته. وتحدث الاثنان عن ممارسة "تطهير إتني" بحق هذه القبائل.
لكن العميد أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي ندد بما اعتبره "حملة إعلامية". وأكد لفرانس برس أن "إخواننا من التبو يقاتلون إلى جانبنا".