Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاولات لسرقة عفوية الانتفاضة اللبنانية

هيئات ومجموعات "ولدت" في الساحة تتعرض للتخوين من أحزاب السلطة

يلاحظ المتجول في ساحة الشهداء في بيروت، عشرات الجمعيات والهيئات التي "وُلدت" بين ليلة وضحاها و"صادرت" الساحة، ناصبةً الخيم ومكبرات الصوت والمسارح، إضافة إلى عددٍ كبيرٍ من المعدات اللوجستية، لتسلّق الانتفاضة اللبنانية الشبابية وكسب ثقة الشارع.

في الأثناء، يرفض المتظاهرون تسمية من يتحدث باسمهم أو التواصل مع الحكومة اللبنانية، قبل إسقاطها والعمل جدياً على استعادة الأموال المنهوبة التي رُحّلت إلى خارج البلد، إلى جانب ضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

حلقات حوار

حلقات نقاش تُعقد في الساحة للتعريف عن الجمعيات والهيئات التي تعتبر نفسها مستقلة وأهدافها، وحول المواطَنة وضرورة العيش المشترك، لكن لدى سؤالنا عن سبب التأسيس في هذه المرحلة، يكون الجواب واضحاً "المرحلة الحالية تحتاج إلى عملٍ منظمٍ وميداني".

يقول أحد المتظاهرين الموجودين دوماً في الساحة، "ثمة من يحاول سرقة العفوية من الحراك السلمي، حين نزلنا إلى الشوارع وفي كل المناطق بسبب ما نعانيه من ضائقة مالية واقتصادية واجتماعية وبيئية، رافضين زيادة الضرائب على أي شيء، لم تُحرّكنا الأحزاب ولا جمعيات المجتمع المدني، نزلنا إلى الساحات بسبب فقرنا وانعدام الأفق".

السطو على الحراك

في المقابل، يقول الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية نبيل الخوري، "لا يمكن الحؤول دون السطو على الحراك، لأنه حراك مفتوح ويمكن لأي جهة المشاركة فيه. لكن حجم الانتفاضة الشعبية كبير، لدرجة أنها تجاوزت جميع القوى السياسية وقوى المجتمع المدني. ودوافعها الاجتماعية واضحة وبارزة، لدرجة أن تسييسها، أي إغراقها في أجواء 14 و8 آذار، ليس بالأمر السهل. فالجمهور ساخط ولا أحد يستطيع الوقوف في طريقه".

ويضيف "طبعاً يحق لأي طرف محاولة الاستفادة مما يحصل. لكن لا أحد يعلم كيف، لأنه من غير المعروف كيف ستتطور الأمور. يمكن لقوى المجتمع المدني واليسار والحزب الشيوعي اللبناني، المساهمة في تنظيم بعض الساحات، كما تفعل القوات والكتائب في ساحات أخرى. لكن موهوم من يعتقد أنه قادر على قطف ثمار لم تنضج بعد. الجميع يترقب بانتظار معرفة التنازل الثاني الذي ستقدمه السلطة".

نقمة

النقمة واضحة على حزب 7، الذي "احتل" مساحة كبيرة من الساحة، مزعجاً المشاركين في التظاهر بحجم مكبراته الصوتية وقوتها، وما تبثه من أغانٍ، إضافة إلى من يتكلمون على مسرحه، كأنهم من بدأ هذا الحراك، وحجم الأموال التي تُصرف في الساحة. وقد تكون النقطة الأخيرة، سبباً في النقاش الدائر في البلد عن تمويل الحراك من جهات داخلية وخارجية عربية وأجنبية.

وكتبت الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي زينا إبراهيم على "فيسبوك"، منتقدةً حزب 7، "أعتقد صار لازم حدا يحكي على صوت عالي بخصوص سبعة... مين عيّنهم يحكوا باسم العالم ومين أصلاً بيحبهم؟ وحياة ابني ما فيه شخص التقيت فيه، إلاّ وعنده مشكلة بوجودهم. بس لأنو معهم مصاري (أموال) حطّوا معدات تخلّي ما فيه صوت بالساحة يطلع غير صوتهم... هالحزب بالنسبة إلي ولكثيرين هو حزب متسلّق طلع على ضهر حراك 2015... معه أموال طائلة... ما قدر يكسب ثقة أحد خلال السنين الماضية... نزل عالساحة بمعدات ومن دون جمهور، وعم يغطي على الخطاب العام وعم يصرف أموال طائلة لدرجة إنو طلّع على الثوار صيت إنو الثورة مموّلة. مكبرات الصوت والمسرح لازم ينفكوا ومصادرة ساحة الشهداء لازم تخلص... لأن الساحة للكل ومش لسبعة ولا لغيرهم... الساحة للثوار... يلّي ما حدا بيحكي باسمهم".

 

قوى معارضة للسلطة

في المقابل، تحاول القوى السياسية المعارضة للسلطة حالياً، كالقوات اللبنانية التي استقال وزراؤها من الحكومة، والحزب التقدمي الاشتراكي، الاستفادة من هذا الحراك الشعبي، لتظهر في صورة المساند لهذه الانتفاضة.

 فالقوات مشاركة في الحكومة منذ سنين، وتعمل حالياً على توسيع شعبيتها بين المسيحيين والمشاركة في التظاهرات، وإن بصورة غير رسمية، علماً أن بعض الوسائل الإعلامية القريبة من السلطة، تقدمهاً على أنها من قادة الحراك.

 في حين أن أصواتاً مسموعة في الاشتراكي، باتت تنتقد زعيم الحزب والنائب السابق وليد جنبلاط، منتفضةً على إقطاعيته وتوريثه السياسي لابنه تيمور، خصوصاً أن مناطق الزعيم الدرزي، باتت تشهد يومياً تحركات شعبية، تواكب الانتفاضة اللبنانية.

ركوب الموجة

ومن بين المجموعات التي تتكلم عن المحتجين، وتعقد حلقات نقاش وحوارات حول أهدافها، وكيفية دعمها للحراك "مجموعة حلّوا عنا" و"بيروت مدينتي" و"هيئة تنسيق الثورة" و"حراس المدينة" ومجموعة لـ "حقي" و"نحن" و"مواطنون ومواطنات في دولة" ومجموعة "العودة إلى الوضوح الثوري" الإلكترونية، التي تنسّق بين أعضائها لطلب الدعم لتسكير الطرقات مثلاً، إضافة إلى أشخاص يحاولون التنظير والبناء للمرحلة المقبلة كشربل نحاس ورامي عليق.

وكان الأخير دخل في بداية الحراك، مع وفد من المتظاهرين الموجودين على ​طريق القصر الجمهوري،​ إلى داخل ​قصر بعبدا​ والتقى ​رئيس الجمهورية ميشال عون.

لاقت هذه الخطوة استياءً كبيراً مما فعله عليق على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع مجموعات من الحراك المدني، إلى إصدار بيان توضح فيه أنه "لا يمثل المتظاهرين، بل يمثل نفسه فقط، والضغط الشعبي ليس للاستثمار لغايات شخصية".

كما طرد المتظاهرون في بداية حراكهم الخبير الاقتصادي والوزير السابق شربل نحاس من الساحة، إذ حاول تقديم رؤية اقتصادية للمرحلة المقبلة. ومن المعلومات المنشورة عن نحاس أنه "انتقل إلى القطاع المصرفي، في مهمة ترتيب عمليات تمويل مشاريع عدّة، خصوصاً في قطاع الاتصالات وبرامج إسكانية، وأسهم في تطوير القطاع المصرفي بعد الحرب، ووضع عامَيْ 1998 و1999 برنامجاً تصحيحياً مالياً، وقدّمه إلى الحكومة اللبنانية، ويعمل في مجالَيْ الاستشارات والأبحاث الاقتصادية".

"هيئة تنسيق الثورة"

في المقابل، صدر بيان باسم "هيئة تنسيق الثورة" (جهة غير معلومة)، ومما ورد فيه، أن "لا مفاوضات قبل استقالة الحكومة"،  موضحةً "لا أحد مخوَّل بالتفاوض من قبل الهيئة مع أي جهَّة كانت، وردّنا الحازم استمرار الاعتصامات ومضاعفتها، وتجديد الدعوة إلى الجيش لحفظ الأمن وحماية المتظاهرين من اعتداءات واستفزازات القوى المناهضة للثورة، وبصورة خاصة عبر السيارات والشاحنات المتجولة بينهم، من دون نمر (لوحات) قانونيَّة لتضييع هويَّة أصحابها".

في سياق متصل، قال جيلبير ضومط من مجموعة "بيروت مدينتي" التي تشارك في الحراك، "مستمرون في الحراك، ولن نخرج من الشارع قبل تحقيق مطالبنا ومنها، استقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين ومستقلين لإدارة المرحلة المقبلة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة ووضع حد للتدهور المالي والاقتصادي ومحاربة الفساد وإلغاء الضرائب المفروضة على الفئات الفقيرة وذوي المداخيل المحدودة وإقرار مبدأ الضريبة التصاعدية واستعادة الأموال المنهوبة".

من جهة ثانية، علّق "حراس المدينة" وهم الشباب الشمالي المنظم للتظاهرات على الورقة الإصلاحية التي قدّمها رئيس الحكومة، "لا نريد ورقة إصلاحية، بل ورقة الاستقالة".

وأوضح المحامي رامي شراكية أنّ "حراس المدينة" مجموعة من الشباب المتطوع في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، بدأ حراكهم عندما التفّوا لحماية المدينة بمنع دخول شاحنات النفايات الآتية من المناطق الأخرى.

ولا تنتمي المجموعة بحسب شراكية، إلى أيّ جهة سياسية، و"ليس هناك من تمويل رسمي يغذّي تحركهم".

 

 

"نحن"

يضمّ "حرّاس المدينة"، "جمعيات وحركات من الطوائف كافة"، لافتاً إلى أنّه يترأس إحداها، وهي "حركة لبنان المستقل" وهم منخرطون في الصميم بالتحرك، إضافة إلى الجمعيات الكشفية الشمالية التي تساعد ميدانياً أيضاً و"الجمعية الإسلامية" التي استحدثت مستشفى ميدانياً للإسعاف المباشر.

كما قدّمت مجموعة "نحن"، مسودة مقترحات أولية لخريطة طريق جديدة، على رأسها هيئة مستقلة مؤقتة لإدارة المرحلة الانتقالية (بعد استقالة الحكومة)، شرط أن تكون ممنوعة من الترشح إلى الانتخابات، أو أن تتعاطى السياسة في المرحلة المقبلة. ومن مهامها: "إلغاء الطائفية بكل أشكالها ويبقى الدين حرية فردية ولبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، في مهلة تحدّدها الهيئة".

في حين ترى مجموعة "مواطنون ومواطنات في دولة"، أن "تآلف زعماء الطوائف في لبنان، لا يمكن أن يشكل دولة فعلية، واستمرار النظام السياسي القائم هو تمادٍ في الجريمة".

وتشير المجموعة إلى أنّ الحل الوحيد هو في "إقامة دولة مدنية ديمقراطية عادلة وقادرة، من خلال حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية".

ردود رسمية

في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تحدث عن "المال الواضح في الساحات"، وعن تنفيذ بعض المجموعات والحركات أجندة خارجية. وهذا ما أشارت إليه اليوم الاثنين "جريدة الأخبار" القريبة من حزب الله، متحدثةً عن دعم مالي لقنوات إعلامية "من الإمارات والسعودية"، إضافة إلى "دعم قطري بإيعاز تركي، لدعم الانتفاضة في الشمال وعكار"، ودعم أميركي "لبعض المجموعات في الانتفاضة الشعبية"، في حين أن "الفرنسيين يتولّون التفاوض مع الرئيس عون، عن بعض الشخصيات المؤثرة في التحركات".

لكن التحذير الأوضح جاء على لسان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (القريب من السلطة) من مخطط لنشر الفوضى والفتنة في لبنان عبر استغلال التحركات الشعبية.

 وقال خلال لقاء مع بعض كوادر المردة ومناصرين "إننا مع المواطنين ومع وجعهم وهمومهم، وكل ثورة تنبثق من وجعهم هي ثورة محقة، إنّما الخوف من حرف الحراك عن مساره لزرع الفوضى".

ولفت إلى أنّ الحراك في أيامه الأولى شكّل صرخة حقيقية وكان عفويّاً، ولكن ما ظهر بعد ذلك دفعنا إلى الحذر، وهناك خوف من حرف الحراك عن مساره لزرع الفوضى".

المزيد من العالم العربي