Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرابلس اللبنانية على طريق إعلان العصيان المدني

تزداد القناعة بوجود تحولات بنيوية بفعل دور وسائل التواصل في الانقلابات الاجتماعية

مع ساعات الفجر الأول بدأت عملية قطع الطرقات في طرابلس والأقضية المحيطة بها، وتزامن ذلك مع هطول أمطار غزيرة، أدت إلى فيضان الكثير من الطرقات. ولم تتوقف التطورات عند هذا الحد بل تنقلت مجموعة بقيادة الناشط ربيع زين بين الإدارات الرسمية، وبلديتي طرابلس والميناء لإقفالها ومنع الموظفين من معاودة أعمالهم بصورة مستقرة. كما دعا إلى التوجه إلى دوائر المالية ومؤسسة الكهرباء ومركز الهاتف للتأكيد على الاتجاه التصعيدي.

ويتحدث باسم بخاش عضو بلدية طرابلس عن دخول مجموعة غير منظمة إلى مبنى البلدية، وتوجهوا إلى الموظفين بالكلام وحاولوا إقناعهم بضرورة الإنحياز إلى المطالب الشعبية. ويؤكد بخاش أنه لم يحصل أي أعمال تكسير أو إشكالات داخل البلدية.  ثم ما لبثوا أن غادروا القصر البلدي.

السوشيل ميديا تحتضن العصيان المدني

منذ اليوم الأول للإنتفاضة، تأكد للمتابعين أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مؤثراً في الدعوات إلى التحركات والتحفيز للمشاركة فيها. وبرز اسم ربيع زين كـأحد الناشطين الفاعلين في الميدان وعلى مستوى مواقع التواصل الإجتماعي، من خلال الفيديوهات المباشرة التي يتوجه فيها إلى الفقراء. يلفت زين أن الناس لم تعد تمتلك الصبر على تطاول الوزراء على الناس، ولا دعوات الحوار الملغومة. ويؤكد أنه يتحدث بصوت الشعب الفقير الذي فقد الأمل بسبب الرؤساء الثلاثة، وإتساع دائرة الفساد في السلطة، داعياً إلى "إرسال المسؤولين الوسخين إلى (سجن) رومية على غرار 16 ألف وثيقة إتصال بحق أبناء الشمال الذين إتهمتهم الدولة بالإرهاب، وحرمتهم من الإقتصاد والإزدهار".

يشير ربيع زين أن خطوة شل المرافق العامة التي قام بها إلى جانب مجموعة من الشبان، تأتي في سياق إعلان العصيان المدني السلمي، الذي سيتصاعد إلى دعوة الناس لعدم فتح الفواتير والرسوم للسلطة الحاكمة.  

ورغم الإنتقادات التي وجهها البعض إلى هذه الخطوة، يرد زين "إنها المرة الأولى التي نعمل فيها لمصلحة الوطن وليس لغايات حزبية أو سياسية ضيقة"، كما أنه يضع ما يصفها بالتضحيات من أجل بناء مستقبل للأهل والأبناء.

ويسخر من إتهامهم بتلقي الدعم من السفارات، لأنه يتلقى دعم من سفارات تنتشر في مختلف المناطق اللبنانية (أحياء) التبانة، والقبة، والضاحية، والمنية. ويروي زين أنهم جمعوا المال من بعضهم البعض بهدف تعبئة خزانات البنزين في السيارات، متحدياً الزعماء والمسؤولين بتبعية السفارات لأن ولاءهم مزدوج وتشهد جوازات سفرهم على ذلك.  

ومع إحتلال طرابلس مكانة هامة في ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، يتوقع البعض أن تنتشر هذه التحركات في المناطق أخرى. لذلك يعتبر زين أن الشمال أخذ المبادرة في العصيان المدني وعلى باقي المناطق اللحاق به.

التواصل في خدمة الثورة الإيجابية

إلى جانب تحفيز الناس إلى التحرك، لعبت مواقع التواصل في تعزيز موقع طرابلس على خريطة الثورة اللبنانية. ومن بين المبادرات الخلاقة كانت منصة "أنا هون" التي تقدّم عبر الفيسبوك عدد كبير من التقارير المصورة والفيديوهات والسكتشات. وتميّزت في الدمج بين المنتج الإعلامي ومواقع التواصل الإجتماعي. ويلفت صلاح الأيوبي أن القرب من وجع الناس، عزّز الثقة معهم. وما يزيد الفعالية هو الفسح المجال أمام الناس للتعبير عن مواقفهم ووجهات نظرهم بطريقة مباشرة ودون إقتطاع أو تشويه. وأتاحت إستراتيجية "تقديم الصورة كما هي ببساطتها وعفويتها" التفاعل العميق بين اللبنانيين المقيمين والمغتربين الداعمين للتحركات الشعبية.

وتمكنت منصة "أنا هون" من مراكمة الثقة والمصداقية عبر السنين، من خلال إبراز صورة الطرابلس الجميلة وعدم الإعتماد على دعم السفارات أو السياسيين. كما تمكنت من تقديم منتج إعلامي متنوّع يجذب الشرائح والأذواق. ويذكّر الأيوبي بدور وسائل التواصل في حياة الإنسان المعاصر، فالكثير من الثورات إنطلقت بدءا بهاشتاق أو صورة أو بوست.

 

إنقلاب إفتراضي

ومع مرور الأيام تزداد القناعة بوجود تحولات بنيوية بفعل دور وسائل التواصل في الإنقلابات الإجتماعية. ويصنف الإعلامي المخضرم علي شندب الأناس اليوم بين "فئة الأونلانيّن"، و"فئة الأوفلاينيّن"، وفي ذلك إشارة لإنقسام المجتمع بين شريحة تحافظ على التقاليد الإتصالية القديمة، في مقابل فئة أخرى إنخرطت في قلب العالم الإفتراضي الجديد. ويجزم أن رواد التواصل الإجتماعي كسروا إحتكار المال والأنظمة السياسية لسلطة الإعلام، وتجاوزوها بأشواط لأنهم بفضل هواتفهم الذكية أصبحوا السلطة الأولى في تحريك المجتمعات والتأثير في السياسة. ويرى أن تطور التواصل الإجتماعي في حياة الإنسان، يبرّر التحركات الشعبية بسبب ضريبة الواتساب.

في المقابل، يقدّم الأكاديمي د. منذر حمزة موقفاً أكثر تحفظاً للاعبين في الحراك الشعبي، مؤكداً أن المواطن اللبناني صرخ "لهون وبس" لأنه لم يعد يطيق الواقع القائم، فالدولة من وجهة نظره  مدانة في تخريب مقومات الحياة الكريمة للإنسان اللبناني، سواء على كافة الصعد البيئية والصحية، والتربوية، إلى جانب المشكلة المالية وزيادة مستويات الفقر والبؤس.   

ويعتقد حمزة أن على النخب أن تلعب دوراً في أساسياً في الحراك، داعياً إياهم إلى التقدّم لضبط الأمور وتأطيرها لعدم تحوير الإنتفاضة الشعبية البريئة عن أهدافها لأن المواطن فقد الثقة بدولته. ويخلص حمزة إلى أن مطالب الإنتفاضة باتت واضحة، وهي التي هتفت بها كافة الساحات من خلال مبادرة السلطة لسماع تطلعات الشباب اللبناني، وأخذ زمام المبادرة لتشكيل حكومة خبراء يثق بها المواطن، وتحقق له الكرامة.

المزيد من تحقيقات ومطولات