Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني مقتل زعيم "داعش" لخارطة التطرف؟

قتل بن لادن لم يؤثر في انتشار تنظيم القاعدة... وإعادة إعمار المناطق المحررة من الإرهاب هي الحل أمام المجتمع الدولي

لا شك أن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي إبراهيم عواد البدري (أبو بكر البغدادي) يعد ضربة أخرى مهمة للتنظيم بعد خسارة أراضيه التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا وأفول وهج خلافته المزعومة. إلا أنه يجب الحذر من المبالغة في اعتبار ذلك انتصارا حاسما أو اعتقاد أن ذلك يعني نهاية التنظيم، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: خطورة التنظيمات الإرهابية الحقيقية في أفكارها وأيديولوجياتها المتوارثة المتعدية للشخوص، والعابرة للجغرافيا والأزمنة. فأفكار محمد عبد السلام فرج، صاحب كتاب (الفريضة الغائبة)، وأبو عبد الله المهاجر كاتب (فقه الدماء) ، وأبو بكر ناجي صاحب كتاب (إدارة التوحش) وفتاوى غيرهم الكثير ممن قضوا نحبهم من سدنة الفكر المغالي المتشدد لاتزال متداولة وحية بين أوساط أتباع التيار التكفيري.

ثانياً: سبق للتنظيم أن فقد أباه الروحي ومؤسسه الأول أحمد الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي) عام 2006، ثم تلا ذلك مقتل خلفه حامد الزاوي (أبو عمر البغدادي) عام 2010، وكذلك أحد أبرز قياداته ومتحدثه الرسمي طه فلاحة (أبو محمد العدناني) في 2016، ومع ذلك لم يسقط التنظيم أو يفقد أتباعه، بل حدث العكس من ذلك. فقد توسعت قاعدته البشرية والجغرافية في السنوات اللاحقة بشكل لم يكن مسبوقا من قبل.

قريبا من ذلك حدث لتنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن في عام 2011، وهو صاحب المكانة الرمزية لدى التيار التكفيري المتطرف. إذ توسع التنظيم وانتشر بعد مقتله، خصوصا في سوريا، وإن كان قد شهد انقسامات وخلافات لا تزال في طور التشكّل والتطوّر. وهو ما يمكن أن يحدث مع داعش بشكل أكثر حدة من السابق، حيث أنه قد ظهرت الانقسامات والخلافات خلال السنوات الماضية بين من يمكن أن نطلق عليهم الغلاة وغلاة الغلاة داخل التنظيم.

 ثالثاً: إن رمزية البغدادي، وأهم منجز حققه في مخيلة أتباعه والمتعاطفين مع التنظيم هو تحقيقه لمشروع "دولة الخلافة" المزعومة وطلبه البيعة. إلا أن "خلافته" أصبحت حبراً على ورق قبل مقتله بفترة طويلة، وبالتالي لو أن مقتله كان في أوج انتشار وسيطرة التنظيم لربما كان سيكون أكثر أهمية.

على الرغم من ذلك، بقي نجاح التنظيم في السيطرة على أراض شاسعة وإعلانه إقامة دولة الخلافة المزعومة في 2014 و2015، وإنْ تلاشت، عامل جذب يتداول برومانسية بين أتباع التنظيم كدليل على إمكانية تحدي الحدود والقوى العظمى وإقامة المشروع متى توافرت الفرص.

 لا يزال التنظيم يملك الأتباع والخلايا النائمة في العديد من الدول. ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تعاني نقصا مع الأسف في عدد الدول الهشة والضعيفة التي توفر بسبب طبيعتها الهيكلية ملاذات آمنة لتنظيمات كهذه تضطر للجوء إليها متى اضطرت إلى ذلك.

كما أن التطورات الأخيرة في شمالي سوريا من انسحاب للقوات الأميركية والغزو التركي ضد القوات الكردية المشكلة للغالبية العظمى من قوات سوريا الديموقراطية، الحليف الأول للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، يهدد بإعادة إحياء الفرص للتنظيم لإعادة ترتيب الصفوف، وتحرير الأتباع من السجون والمخيمات، وتكرار الهجمات من الصحراء كما حدث بداية هذا الشهر على الرقة أحد أهم معاقل التنظيم في السابق، وربما إعادة السيطرة على بعض الأراضي.

لا أعني إطلاقا التقليل من شأن ما تحقق من إنجازات هائلة وجبارة في الحرب ضد هذا التنظيم سواء في العراق، أو سوريا، أو غير ذلك من الدول. فقد تبددت أحلام خلافته المزعومة وتحول شعاره واقعاً من "باقية وتتمدد" إلى "زائلة وتتبدد"، مما يعني حرمان التنظيم من الملاذ الآمن للتجنيد والتدريب والتخطيط للعمليات. إلا أن المعركة ضد الإرهاب طويلة المدى ومتعددة الأوجه، والمعالجة الأمنية العسكرية – على أهميتها – هي واحدة فقط من تلك الأوجه، ومن الخطورة بمكان الاعتماد عليها وحدها في إعلان الانتصار. فقد يؤدي ذلك إلى الاتكالية وتحويل الموارد والجهود وبالتالي إعطاء مساحة لأتباع التنظيمات للتنفس ومعاودة الظهور بشكل قد يفاجئ الكثيرين - ما عدا المراقبين عن كثب.

ما يجب على المجتمع الدولي التركيز عليه لمجابهة خطر التطرف وظهور التنظيمات الإرهابية على المدى الطويل هو إعادة الاستقرار وتوفير الخدمات للمناطق المحررة والمساهمة في إعادة بنائها، وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة من خلال المساعدة في بناء القدرات ومجابهة الفساد المتغلغل في كثير من هذه الدول، وتوحيد المواقف لوضع حد ومجابهة التدخلات السلبية ودعم الميليشيات المسلّحة من قبل بعض دول الإقليم – خصوصا إيران – في العديد من دول المنطقة، ومجابهة الخطاب والتجييش الطائفي بشقيه السني والشيعي.

من المهم كذلك أن تتحمل الدول – بخاصة الغربية – مسؤولياتها في إعادة مواطنيها سواء من البالغين أو الأطفال الذين انضموا لهذه الجماعات الإرهابية ومحاكمتهم وإعادة تأهيلهم بدلا من التنصل عن ذلك بسبب "الكلفة السياسية". إن هذه المهام أو الواجبات تتطلب نفسا طويلا وجهدا مضاعفا كما أن آثارها ليست آنية، إلا أنها في غاية الأهمية إن رغب العالم في التحدث بجدية عن أي "انتصار" على الإرهاب.

المزيد من آراء