Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جثث بالعشرات في شاحنة "اسيكس" تذكر بازمة خفية في بريطانيا

"انها المرة الاولى التي يحدث فيها أمر من هذا النوع...كلما أمعنت التفكير في الحادثة ازدادت صدمتي"

الموت الجماعي في شاحنة لتهريب البشر وضع المؤسسة الامنية البريطانية امام اسئلة صعبة (رويترز)

يوم الأربعاء 23 نوفمبر (تشرين ثاني) الجاري، توجّهت كل الأنظار في البلاد بصورة غير مألوفة نحو شاحنة بيضاء مركونة داخل منطقة صناعيّة عادية في مقاطعة "إسيكس". وأثار المشهد الذي بدا عاديّاً في بداية الأمر، صدمة واسعة إذ تبيّن أنّه يخفي مأساة من أسوأ مآسي تهريب البشر التي عرفتها بريطانيا في تاريخها.

مرّ آندي لاركين، مدير إحدى شركات الميكانيك، بمحاذاة الشاحنة عند الساعة الثانية بعد ظهر يوم الثلاثاء. ويتذكّر المشهد فيصفه، "كانت الشاحنة مزوّدة بتلك العوادم الأميركية الكبيرة المصنوعة من الكروم. حتى الشهر الماضي تقريباً، شغلت ذلك المكان شركة تبريد، فكان من الطبيعي رؤية كثير من الشاحنات الآتية من كل أنحاء أوروبا مركونة في تلك البقعة بانتظار الدخول إلى الشركة. لكن وجودها (الشاحنة) هناك في هذا الوقت هو أمر غير اعتيادي".

بعد 12 ساعة من مروره بجانب الشاحنة، فرضت الشرطة طوقاً حولها فيما احتشد عناصر الطب الجنائي في المكان خلال الساعات الأولى من يوم الأربعاء. فقد عُثر داخلها على 39 جثة تعود إحداها إلى مراهق.

وبعد رصد خط سير الشاحنة، تبيّن أنها قادمة من بلغاريا ووصلت إلى المملكة المتحدة عبر مدينة "برفليت" في "إسيكس" على متن عبّارة انطلقت من مرفأ "زيبروج" البلجيكي. لم تؤكد الشرطة التي تعمل على تحديد هويات الضحايا، جنسياتهم بعد، لكن المنظمات الخيرية نظّمت حلقات لإضاءة للشموع تكريماً لذكراهم.

وعلى الرغم من عدم تأكيد وجود صلة بين ذلك الموضوع (الشاحنة) وعمليات تهريب البشر، ذكرت جماعات معنية بالهجرة إن الحادث يسلّط الضوء على عدم الجدوى من تشديد التدابير الأمنية على الحدود لأنّها بدل أن تردع الناس عن الإلتجاء إلى المملكة المتحدة طلباً للأمان، دفعتهم إلى البحث عن طرقات أخطر فأخطر لبلوغ الشاطئ البريطاني.

وفي هذا الإطار، توفّي أربعة أشخاص أثناء محاولاتهم اليائسة عبور القناة الإنجليزية  خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وسط تدهور أوضاع النازحين في شمال فرنسا مع مداهمة الشرطة أماكنهم. ويلفت ناشطون إلى إنّ اشتداد العدوانية الذي يصاحب تضاعف الإجراءات الأمنية على جانبيّ الحدود، يدفع بالمهاجرين نحو مهرّبي البشر.

وفي ذلك الإطار، أفادت المديرة الميدانية في منظمة "هيلب ريفيوجيز" (= "ساعدوا اللاجئين") مادي آلن، إن "الدم لطّخ يدي" الحكومة بعد تلك الوفيات الـ39. وأضافت "إذا تشدّدتم في الإجراءات الأمنية، سيذهب الناس في رحلات أكثر خطورة. وتصبح التدابير الأمنية في "كاليه" و"دنكيرك" أقسى وأشدّ، لذا يأخذ الناس طرقاً بديلة. وسيستمرّ الأمر على هذا النحو، إذا واصلوا زيادة خطورة وصعوبة الطرقات "غير الاعتيادية" الأكثر أماناً".

وعبّرت كلير موسلي، مؤسسة الجمعية الخيرية "كير4كاليه" عن رأي مشابه، مبيّنة أن   "الأمن ليس حلاً. ولا يؤدي سوى إلى المزيد من الوفيات. الأمر رهيب. ماذا يحتاج الناس كي يبدأوا بالانتباه إلى هذه المسألة؟ لن يردع التشدّد في التدابير الأمنية الحدودية الناس عن القدوم إلى البلد، والحادث دليل قاطع على هذا القول".

ولاحظ سائقو الشاحنات ممن يعبرون الحدود البريطانية بانتظام، تغييراً في طريقة عمل عصابات تهريب البشر. وأفادوا أنها تواجه التشديد الأمني على طرق تهريبها "التقليدية" نحو المملكة المتحدة، عِبْرَ تشجيع عملائها الضعفاء على ركوب الشاحنات من مناطق أبعد فتضعهم في خطر أكبر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن ناحية اخرى، أوضح بول مامري من "جمعية النقل البرّي"، إنّ "بعض عصابات تهريب البشر ذكية للغاية وتأخذ مبالغ طائلة من الناس الذين يعيشون في مناطق فقيرة من العالم ثمّ تضعهم في مؤخرة الشاحنات".

وأضاف، "إذا نظرنا إلى النمط السائد خلال السنوات القليلة الماضية، نرى أنها بدأت باللجوء إلى طرق "مبتكرة" أكثر. وتردنا تقارير عن مزيد من الناس يجازفون بالعبور ربما لأن تشديد الإجراءات الأمنية قد ردعهم (عن سلوك الطرقات الآمنة)".

يوم الأربعاء، في منطقة "غرايز" الصناعية ، لم يولِ العمّال اهتماماً فعلياً إلى موضوع الحدود وسياسات الهجرة. في المقابل، أثّرت صدمة الحادثة في المجتمع كله. وكذلك تحدث العمّال عن كون مشهد وصول مهاجرين إلى المنطقة على متن الشاحنات، أمر مألوف بالنسبة لهم، لكن هذه أوّل مرّة يفقد الناس حياتهم في سياق ذلك.

وعلّق السيد لاركين على المأساة التي مرّ قربها في اليوم السابق، من دون علمٍ منه بأمرها، مشيراً إلى أنها كانت "المرّة الأولى يحدث أمر من هذا النوع. كلّما أمعن في التفكير بالحادثة تزيد صدمتي. وأفكّر الآن، هل كان بإمكانهم أن يظلوا على قيد الحياة؟ هل كنت لأقدر على مساعدتهم؟".  

وأشار مارتسن ويير العامل في شركة أمن في المنطقة، "ليس غريباً أبداً أن يترجّل الناس من الشاحنات في هذه المنطقة. وغالباً ما تراهم يغادرونها من دون أن يعرفوا إلى أين سيذهبون بعد ذلك. وأحياناً، يطرقون الباب طلباً للعمل... يدر هذا الأمر مالاً وفيراً على المهرّبين والسائقين. ويدفعهم جشعهم لفعل كل شيء. ينزلون الناس هنا كل الوقت، وغالباً ما ترى قوات الحدود يلاحقونهم في الطريق هنا. لكن هذا الحادث... هذا شنيع". 

© The Independent

المزيد من دوليات