باكراً، بدأ النهار الطرابلسي من دون أن ينتظر توجيه رئيس الجمهورية كلمته إلى اللبنانيين، فالكلمة سبقتها الكثير من التسريبات غير المتفائلة. وما إن أنهى خطابه حتى تأكدت التوقعات، فارتفعت صرخات الاستهجان التي ملأت ساحة النور، لتمتزج مع أغنية فيروز "بحبك يا لبنان"، وتوجه رسالة رفض لبقاء الوضع القائم في السلطة على حاله.
ومع تقدّم ساعات النهار، قامت مجموعة من الناشطين يرتدون سترات "طرابلس تنتفض" بلصق صورة تجمع الوجوه السياسية الطرابلسية ومزيّلة بعبارة "كلن يعني كلن" لإدانة السياسة التي اعتمدها نواب ووزراء المدينة طوال العقود الثلاثة الماضية، ومنعهم من ركوب موجة الحراك الشعبي. هذه الصورة اختصرت مطالب التغيير بالنسبة للكثير من اللبنانيين ومن البوابة الطرابلسية، ورفع غطاء "القداسة" عن الزعامات التقليدية.
حاضرون رغم الأمطار
رغم هطول الأمطار الغزيرة، حافظت ساحة النور على الحضور الشعبي الكثيف. لا شيء تغيّر إلا نوعية اللباس، حيث ارتدى أكثرهم السترات البلاستيكية وحملوا المظلات. فيما استتر البعض منهم تحت الخيم التي استحدثت بألوان العلم اللبناني وكتبت عليها عبارة "ثورة". وحافظ الحضور العائلي على حاله، حيث استقبلت "ساحة النور" عدد كبير من العائلات، ومن بين هؤلاء ميرنا زكريا وعائلتها المؤلفة من أربعة أولاد، تحدثت الوالدة عن وجود واجب المشاركة الذي يقع على عاتق الجميع، وتشير إلى أنها تحضر يومياً للتعبير عن موقفها هي وأصدقائها ضد العهد والفساد، لأن مطلب التغيير هو مطلب وطني. وتدعو زكريا جميع المواطنين للتحرك والنزول الى الشارع لتعزيز موقف الثورة وانتصارها، لأن البديل سيكون الهجرة والسفر من البلد. أما ابنها الأصغر عصمت، فقد عبّر بعفوية الأطفال عن سبب حضوره، فهم يتظاهرون من أجل العائلات التي تحتاج إلى الخبز. أما البنت الكبرى تغريد تضع مشاركتها ضمن الشق التطبيقي للمنهج الدراسي. وتقول إنها درست في مادة التربية التزام الدولة بتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين، وهذا ما لا نجده فعلياً في لبنان.
كما شهدت الساحة حضور وفد من مجدل عنجر للتعبير عن تضامنهم مع طرابلس، والتأكيد على مكانة طرابلس المركزية على صعيد المطالب الشعبية الوطنية. وتزايد عدد الرايات البيضاء التي تحمل شعار الجيش اللبناني بشكل ملحوظ لتغطي جزء كبير من الساحة أمام المنصة. كما بادر القيمون على رفع الأذان بمشاركة المتظاهرين في وقت صلاتي المغرب والعشاء.
خطاب خارج السياق
وضع الحاضرون خطاب الرئيس ميشال عون خارج السياق، لأنه لم يقترح أي خطوات عملية. وبحسب أستاذ العلوم السياسية وليد أيوبي، فإن هذا الخطاب يعبّر بصورة جلية على انتهاء صلاحية الطبقة السياسية. كما يلفت إلى نمط بات يتكرر في خطابات شركاء الحكم، فهي خطابات قائمة على تقاذف المسؤولية ورفض الاعتراف بأخطائهم التي جرّت المشاكل للبلد، وهذا يؤشر على عدم قدرتهم على إدارة البلاد. ويرى الأيوبي أن السيناريو الأسهل تنفيذاً والأقل كلفة، هو حكومة خبراء، تحضّر لمرحلة انتقالية وإجراء انتخابات نيابية بناء لقانون انتخابي على قياس طموحات الناس، وصولًا إلى إعادة تشكيل السلطة بسبب انعدام الثقة بين السلطة الحالية والمواطن.
يعتقد أن الحوار الوطني الذي يطرحه الرئيس عون هو لإعطاء فرصة جديدة للطبقة السياسية الحالية التي أثبتت عدم فاعليتها، وأضاعوا الفرص طوال ثلاثين سنة مضت، وتجديد حضور النظام الطائفي.
ومع تصاعد المطالب على لسان الكثيرين لإمساك الجيش بزمام المبادرة والحكم بسبب رفض العودة الى الوراء في ظل وجود الطبقة السياسية الحالية. يتحفظ الأستاذ أيوبي على هذا الاقتراح، ويردد على غرار الجماعات الحقوقية "نريد لبنان دولة مدنية" وأن يطبق مبدأ الذي يحفظ الوظيفة العلمية للعسكر "السياسة تبني والعسكر يحمي".
خطاب الرئيس واجهة
يشكر الناشط سامر دبليز رئيس الجمهورية على خطابه لأنه خدم الحراك وتحوّل إلى ما يشبه صب الزيت على النار، ويضع الخطاب في دائرة "النكران والانفصال عن الواقع".
ولم تتوقف الانتقادات لخطاب رئيس الجمهورية عند حد السياسة، وإنما تجاوزها إلى حدود انتقاده في الشكل والمضمون. وعلى حد تعبير الناشط سامر دبليز، "الرئيس عون هو الرئيس الدستوري، أما الحاكم الفعلي فهو جبران باسيل" وهذا ما يفسّر النقمة تجاهه من أقصى الشمال إلى الجنوب. لذلك فهو يطمح مع كثيرين لإنهاء بدعة الحكومات التوافقية التي يجب أن يجتمع فيها الجميع ليتقاسموا المغانم.
من ناحية اخرى لم يتأخر بعض الناشطين من الحديث عن استهداف مقصود للرئيس نجيب ميقاتي، لمنع سقوط السلطة وفق "لعبة أثر الدومينو".