عندما انطلق السباق داخل الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية بداية عام 2019، أشاد كثيرون بالمرشحين المتنافسين باعتبارهم الأكثر تنوعاً في التاريخ، والأكثر تمثيلاً للطيف السياسي داخل الحزب، ما يضمن تحفيز الناخبين وإثارة اهتمامهم وبالتالي المنافسة على المنصب الرئاسي. لكن بعد 10 أشهر من الحملة الانتخابية و15 مناظرة متلفزة شاهدها ملايين الأميركيين، أطلت الظنون برأسها وانتابت المخاوف قيادات الحزب حيال ضعف المرشحين وعدم قدرتهم على هزيمة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب إذا تمكن من تجاوز تحقيق المساءلة واتهامه بانتهاك الدستور في ما يُسمى بفضيحة أوكرانيا داخل الكونغرس.
بايدن يدافع بلا ذخيرة
ويشير قادة الحزب الديمقراطي إلى أن حالة الضعف التي تبدو في المرشحين الرئيسيين بمن فيهم جو بايدن نائب الرئيس السابق، الذي وجد نفسه في موقف الدفاع عن سلوكيات نجله هانتر الذي يتهمه الرئيس ترمب بالفساد حين كان عضواً في مجلس إدارة أكبر شركة أوكرانية خاصة في مجال الغاز.
كما أن أداء بايدن تجمد في مكانه ولم يقدم أفكاراً جديدة لصغار الناخبين الديمقراطيين لإبهارهم وتحفيزهم، فضلاً عن نذر الخطر التي تحيق به بسبب ضعف كمية الأموال التي جمعتها حملته الانتخابية حتى الآن، ما يجعله غير قادر على خوض غمار معركة انتخابية طويلة وصعبة من دون ذخيرة وأموال.
ساندرز ووارين... أقصى اليسار
وإذا كان بايدن الذي اعتبره البعض فرس الرهان في السباق الانتخابي قبل تفجر ما يُسمى بفضيحة أوكرانيا، أصبح مثيراً لقلق الغيورين على فرص الحزب، فإن المنافسيّن التاليّين في استطلاعات الرأي السيناتور بيرني ساندرز والسيناتور إليزابيث وارين يثيران قدراً مماثلاً من القلق كونهما يحملان أفكاراً وأيديولوجيا النقاء الليبرالي على أقصى يسار الحزب ما يجعل حظوظهما في الفوز بالانتخابات الرئاسية أمراً صعباً. وهو ما عبر عنه بعض المؤثرين داخل الحزب ومنهم القس جوزيف داربي، الذي عبر عن خشيته من تكرار تجربة السيناتور الديمقراطي جورج ماكغوفيرن الذي كان نموذجاً للتقدميين وترشح عام 1972 ضد الجمهوري ريتشارد نيكسون الذي اكتسح الانتخابات.
وبحسب استطلاع أجرته صحيفة واشنطن بوست مع 17 من قيادات الحزب الديمقراطي، تتمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه المرشحين وبخاصة التقدميين منهم، في أنهم بحاجة إلى اتفاق نصف الشعب الأميركي على ما يطرحونه من أفكار. وهو ما يعجز عنه ساندرز ووارين وآخرين الذين يدعمون نظام التأمين الصحي الخاص عبر برنامج يوفر الرعاية الصحية لجميع المواطنين الأميركيين، وهو أمر يراه البعض فخاً وقعوا فيه، حيث توجه إلى هؤلاء الكثير من الانتقادات حول كيفية تمويل هذا البرنامج الضخم.
مرشحون بلا زخم
أما بقية المرشحين، فقد حقق كل منهم لحظة تألق في مرحلة ما طوال الأشهر الماضية، إلا أن أياً منهم لم يقترب من إنجاز الزخم اللازم خلال السباق الانتخابي. فبعدما حقق مرشحون من يسار الوسط مثل عضو الكونغرس السابق عن ولاية تكساس بيتو أوروك، والسيناتور كاميلا هاريس حماسة جماهيرية في بداية السباق، إلا أنها سرعان ما ذبلت.
كما أن بيت بوتيغيغ، عمدة مدينة ساوث بيند السابق، الذي جذب الانتباه في المناظرات الأخيرة عبر مداخلاته القوية مع بقية المرشحين، فشل في كسب ود الناخبين من الأميركيين الأفارقة وسط تسريبات بأنهم يشعرون بعدم الارتياح تجاهه كونه ينتمي إلى المثليين.
المرشحون المعتدون الآخرون مثل السيناتور آمي غلوباشار ومايكل بينيت وستيف بولوك ظلوا جميعاً في القاع على قائمة استطلاعات الرأي.
هيلاري تترقب
أدى كل ذلك إلى إثارة تكهنات بأن هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية التي خسرت الانتخابات السابقة عام 2016 أمام ترمب قد ترشح نفسها، على الرغم من أن مساعديها اعتبروا أن فرصة حدوث ذلك محدودة. لكن مقربين منها أفصحوا لوسائل إعلام أميركية أنها تشعر الآن بتبرئتها من التهم التي حاول ترمب إلصاقها بها بعدما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية مؤخراً أن التحقيق الذي أجرته حول رسائل هيلاري الإلكترونية التي أرسلت إلى خادم كمبيوتر خاص، لم يكشف أي دليل بأنها أساءت التصرف عمداً بشأن المعلومات السرية في هذه الرسائل.
وفي حين اعتبر هؤلاء المقربون من هيلاري أنه من غير المحتمل أن تترشح للانتخابات، إلا أن النسبة ليست معدومة لأنها ما زالت تنظر في الأمر.
وكانت مقالة افتتاحية في صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل قد أثارت الجدل حول ترشح هيلاري، حيث طرح كاتب المقال ويلي براون، عمدة سان فرانسيسكو السابق، فكرة ترشحها باعتبارها الوحيدة القادرة على هزيمة ترمب، خصوصاً في ظل أحلك اللحظات التي يمر بها حالياً من تحقيقات في الكونغرس إلى انتقادات واسعة من الديمقراطيين بل والجمهوريين كذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى مراقبون أن هيلاري كانت دائماً حريصة على البقاء تحت الأضواء. فقبل أيام ظهرت في شبكات تلفزيونية عدة خلال ترويج كتاب ألفته مع ابنتها تشيلسي. كما دخلت في معترك خلافي مع المرشحة للانتخابات الرئاسية تولسي غابارد، عضو مجلس النواب، كما أنها لم تتوقف أبداً عن انتقاد ترمب على وسيلته المفضلة تويتر.
تختلف وجهات النظر تجاه كلينتون، لكنها تعكس في جزء منها الانقسامات الفكرية والتفاوت بين الأجيال داخل الحزب، التي تغذي حالة القلق المتزايدة الآن. فالعديد من المخضرمين في الحزب الذين عاصروا انتكاسات كبيرة سابقة للحزب الديمقراطي، يفضلون دعم مرشح معتدل وأكثر وضوحاً بالنسبة إلى الشريحة الأكبر من الناخبين، بينما يميل الناخبون الجدد إلى المرشحين الحماسيين المُفعَمين بالحياة.
بلومبيرغ ينتظر بايدن
حاكم نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ (77 سنة) جدد اهتمامه بالترشح للانتخابات الرئاسية داخل الحزب الديمقراطي، حيث أكد لأصدقائه والمقربين منه أنه لا يزال ينظر في الأمر، إلا أنه ربط ذلك بتعثر حملة بايدن أو انسحابه من الانتخابات.
ويرجع سبب ترشح الملياردير بلومبيرغ إلى خشيته من ارتفاع أسهم وارين التي اختلف معها كثيراً في السابق حول سياساتها المعادية للشركات والضرائب الضخمة التي تعتزم تطبيقها في حال فوزها بالرئاسة، والتي يعتبر أنها ستقود الحزب الديمقراطي إلى أقصى اليسار وتقضي على فرص إزاحة ترمب من الرئاسة العام المقبل.
وعلى الرغم من أن بلومبيرغ لم يخف طموحاته الرئاسية وقرر عام 2016 عدم الترشح كي لا يقسم الصوت الديمقراطي، إلا أنه من غير الواضح أن هناك تغييراً قد طرأ على ذلك، أو ما إذا كان الناخبون الديمقراطيون يرغبون في دعم مرشح بدرجة ملياردير.
في المقابل، فإن البعض يعتبر أن بلومبيرغ ربما يكون قادراً على توحيد تيار الوسط داخل الحزب الديمقراطي وجذب الناس نحو الوسط بعيداً من الاستقطابات التي ورطت الديمقراطيين والجمهوريين. وسواء كان الديمقراطيون راغبون في دعمه كممثل للتيار الوسطي أو لا، فإنهم في النهاية يريدون الفوز بالبيت الأبيض، وبلومبيرغ يمنحهم بديلاً استثنائياً.
ومع كل التوقعات التي تجري داخل أروقة الحزب الديمقراطي، فإن عدداً من مخضرمي الحزب اعتبروا أن حالة القلق طبيعية داخل الحزب. فالديمقراطيون يقلقون من كل شيء، وأياً كان الفائز بترشيح الحزب في النهاية فسوف يخضع للاختبار.