Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيم طرابلس تحتضن أوجاع اللبنانيين ومآسيهم

"السلطة فقدت شرعيتها وفرصة إسقاط النظام تتزايد مع بقاء المواطنين في الساحات"

متظاهرات يرسمن لوحات خلال احتجاجات ضد الظروف الاقتصادية الصعبة في ساحة النور في مدينة طرابلس اللبنانية يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ف.ب)

تزدحم ساحة النور في طرابلس شمال لبنان بأوجاع الناس وقضاياهم، حيث تتسابق الألسنة لإخبار قصصها مع الأزمات المتراكمة، وجعلها مبرراً للخروج إلى الساحات وإطلاق الثورة، لا بل ثورات على النظام السياسي القائم. ففي حنايا الحراك الطرابلسي، انتشرت الأكشاك والمسيرات التي يترجم كل منها قضية مطلبية مزمنة.

أين العفو العام؟

داخل خيمة تصدرتها لوحة المطالبة بالعفو العام، تحلّق النسوة حول أم أحمد البقار، السيدة التي اختبرت جيداً ألم الفراق ووجع أهالي الموقوفين الإسلاميين. لا تتوقف السيدة المنقّبة عن ترداد المظلومية التي لحقت بها وعائلتها، فالأحكام الظالمة شتتت عائلتها، ثلاثة من أبنائها في السجون واثنان غادرا البلاد خوفاً من أن تصطادهم الدولة لمعارضتهم النظام السوري. هذه التجربة المريرة دفعت بالسيدة لأن تلعب دور ما تعتبره "كشف مخالفات القضاء العسكري في لبنان"، لذلك فهي تترك بيتها الكائن في القبة، لتأتي إلى ساحة النور وتكون على الموعد مع الثورة.

من جهته، يؤكد المحامي محمد صبلوح، أن "رئيس الحكومة سعد الحريري قدّم الكثير من الوعود لإقرار العفو العام، ولكنها لم تصل إلى خواتيمها، ربما بسبب مخالفة التيار الوطني الحر". وبحسب صبلوح، فإن "السلطة تخيط قانوناً على قياسها، يعفو عن تجار المخدرات وعملاء إسرائيل، ويستثني الموقوفين الإسلاميين".

ويطمح أهالي الموقوفين الإسلاميين ومحاموهم بأن "تتحرك السلطة الثورية لإنصاف أبنائهم وتكريس حرية التعبير". ويعبّر الناشط أبو ربيع البيروتي، عن "خوف شريحة كبيرة من الناس الذين ينتمون فكرياً إلى مدرسة تُعادي النظام السوري، والتي تجد نفسها مستهدفة ومهددة بالسجن في كل حين، بحكم التاريخ والجغرافيا والقضاء المسيّس".

جنسيتي كرامتي

ومنذ اليوم الأول للحراك، كان لافتاً لنظر الحاضرين اليافطات المطالبة بالمساواة والحصول على جنسية الأم اللبنانية. وفي كل يوم تتحرك مجموعة من الشبان والسيدات في الساحة، للتأكيد على أن بطاقة الهوية وحدها غير كافية لتأكيد الولاء للبنان. ويولي محمد وهبي المولود لأم لبنانية، أهمية كبيرة لمشاركة حملة "جنسيتي كرامتي" في الساحة، للتأكيد للحاضرين أن القانون الذي يحرم أبناء اللبنانية من الجنسية من أكثر القوانين التمييزية. ويأمل في أن تأتي هذه الثورة بتغيير يؤدي إلى إقرار قانون يمنح الجنسية اللبنانية للأولاد الذين يحبون لبنان، ولا تتجاوز معرفتهم  بوطن والدهم إلا الاسم.

ولم ينتظر أبناء اللبنانيات الإذن من أحد لمشاركة أقربائهم وأهلهم في ثورتهم، لأنهم جزء من النسيج الاجتماعي اللبناني، ولا ينقصهم إلا من ينصفهم بعيداً من سياسة التحاصص الطائفي والمذهبي، والحسابات العنصرية.

يسقط حكم المصرف

شهدت ساحة النور اليوم الأربعاء 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، على مجموعة من التظاهرات الفرعية التي جابت الساحة، حيث جال عدد كبير من الشبان أصحاب التوجه اليساري بين الموجودين، ورفعوا لوحات كُتبت عليها شعارات ضد السياسة الاقتصادية للدولة اللبنانية، قبل أن يتجمعوا داخل خيمتهم التي أحاطتها لوحات كتب عليها "يسقط حكم المصرف".

ويحمّل الناشط جمال عمر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مسؤولية الوضع الراهن، ويتهم السلطة الحاكمة بالتبعية لصندوق النقد الدولي، لأنهم لا يهتمون لشؤون الفقراء، وإنما تقوم استراتيجياتهم على تكريس التفاوت الطبقي، وتقديم القروض والمنافع للأغنياء، وحرمان الفقراء من الحد الأدنى للخدمات، وتركهم لمصيرهم في مواجهة الفقر والبطالة.

كما استقبل الحاضرون بالترحاب تظاهرة طلاب وأساتذة الجامعة اللبنانية، وأكد هؤلاء تمسكهم بالثورة ورفضهم للقرارات الفوقية التي خططت لإجهاض الحراك وابتزاز الهيئات التعليمية والطلاب، ووضعهم أمام  خيارين، إما ترك الشارع أو خسارة العام الدراسي.

مواطنون ومواطنات

توحي اللوحة التي تتصدر خيمة "مواطنون ومواطنات في دولة" بكثير من التفاؤل للحاضرين، فهي تجزم بأن "السلطة سقطت"، وتدعو الناس إلى المجيء لمناقشة المرحلة الانتقالية المقبلة.

فرصة إسقاط النظام

وفي هذا الشأن، تعتقد الناشطة ناريمان الشمعة أن "فرصة إسقاط النظام تتزايد مع بقاء المواطنين في الساحات"، مضيفةً أن "السلطة فقدت شرعيتها بالكامل، بفعل نزول الناس إلى الشارع". وتعتبر أن "المشكلة الأساسية والمطلب ليس سقوط الحكومة وحدها أو في مجلس النواب، وإنما تكمن في النظام الطائفي وتوظيف الطائفية في السياسة لحماية الفاسدين والمافيات، ومنع ملاحقتهم أو محاكمتهم".

وتعرض الشمعة طرحاً للخروج من الأزمة بحكومة انتقالية من 16 عضواً كحد أقصى تتمتع بصلاحيات واسعة، ويقصى عنها الساسة الحاليون. وتتولى هذه الحكومة مهمة إجراء انتخابات نيابية مبكرة. كما تلفت الشمعة إلى أن تجمعها سبق له أن نبّه إلى بلوغ حد الانهيار على أبواب 2020، ولفت النظر إلى أن أموال المودعين بخطر في ظل تدني احتياطات مصرف لبنان وعدم معرفة مصير المعادن الثمينة الاحتياطية التي تمتلكها الدولة.

في المحصلة، تتكشف كل يوم المظالم التي يعانيها المواطن اللبناني. ولئن كان الوجع يوحد الناس، فإنه في الوقت نفسه يفضح تقصير السلطة تجاه شعبها.

المزيد من العالم العربي