Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثورة "الخريف اللبناني": لا حلول كلاسيكية

"الحاجة كبيرة إلى مرحلة انتقالية واختصار المراحل والطقوس لتأليف حكومة مصغّرة منسجمة ضمن اتفاق على برنامج انقاذي"

متظاهرون لبنانيون يهتفون في طرابلس عاصمة الشمال الإثنين (رويترز)

بلد التسويات والحروب هو ايضاً بلد الثورات. في الماضي سُميت الانتفاضة الشعبية في لبنان "عاميات". أشهرها "عامية انطلياس" و"عامية لحفد" وانتفاضة الفلاحين في كسروان بقيادة طانيوس شاهين. عام 2005 انفجرت "ثورة الأرز" بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وكانت "سيادية" أخرجت القوات السورية من لبنان. لكن التظاهرة المليونية التي شهدتها بيروت ضد الوجود السوري، سبقتها تظاهرة حاشدة نظمها حزب الله تحت شعار "شكراً سوريا". هذه المرة لا مثيل ولا سابق لشمولية الثورة الحالية التي لا تزال بلا اسم. فهي في كل المناطق، وهي نقلة نوعية في التظاهر: من استخدام الشارع لمصلحة هذا الزعيم أو ذاك إلى استخدام الشارع لمصلحة الشعب ضد مصالح التركيبة السياسية الحاكمة. وإذا كانت من خارج ثورات ما سُمي "الربيع العربي"، فإن الإدارة السياسية التي أوصلت البلد إلى الانهيار المالي والاقتصادي تجعلها نوعاً من ثورة "الخريف اللبناني". ومن الوهم اتهام "الأيدي الخفية" بإدارتها والتصرف كأنها "صاعقة في سماء صافية" حسب المثل. فما ينطبق عليها هو الديالكتيك الماركسي: "التراكم الكمي البطيء يؤدي إلى تحوّل كيفي سريع". وتراكم المديونية والفشل في حل حتى مشكلة النفايات وتلوث الأنهار والشاطئ والوقاحة في المحاصصة والصفقات وتعميق الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية قاد إلى انفجار الغضب الشعبي في الشارع. لا بل أن هذه الثورة هي ضد الجميع. وضد الذين ضيّعوا "ثورة الأرز" وتنكروا لمبادئها وفشلوا في تحقيق وعودها. فهي ثورة لتصحيح المسار، لا فقط لتغيير حكومة أو تقديم موازنة بلا ضرائب على الفقراء. وهي لإنهاء لعبة الشعبوية التي بدت "مريحة ومربحة" بالنسبة لأهلها، إن كانت ثقيلة الأحمال وكثيرة الخسائر بالنسبة إلى الشعب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمشهد بالغ التعبير. حين ارتفع صوت الشعب، اختفى الذين تصرفوا كأنهم أنصاف آلهة. وعندما تلاقت في الساحات قوى عابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب، دبّ الخوف في صفوف الذين اعتادوا أخذ أهل طوائفهم ومذاهبهم كرهائن وأوراق يلعبون بها على طاولة المحاصصة. والتحديات أمامنا كبيرة. فليس أصعب من تحقيق كل الأهداف المرفوعة في الشارع سوى "نجاح" التركيبة السياسية الحاكمة في العودة إلى الشغل كالمعتاد عبر تقديم وعود وتسجيل خطط على الورق. ولا أخطر من الجماد السياسي سوى الذهاب إلى الفراغ السياسي في هاوية الأزمات الاقتصادية والمالية. والمعادلة واضحة: لا مجال للتحايل على الثورة ببنود إصلاحية تقدمها الحكومة الحالية، وتقول إنها ستتولى تحقيقها. وما قرره مجلس الوزراء هو ما كان مطلوباً منذ سنوات، ويؤكد أن الحكومة امتنعت عن إقراره. ولا أحد يجهل لماذا تدعو أطراف أهمها حزب الله، إلى إبقاء السلطة على حالها، مع وعود بوقف الهدر ومكافحة الفساد وتقديم موازنة بلا ضرائب على الفقراء، لا بل أن اللافت هو التلاقي بين حزب الله وأميركا على الدعوة إلى بقاء الحكومة. فالحجة هي أن عملية تأليف حكومة إذا استقال الرئيس سعد الحريري ستأخذ سنة، والانتخابات المبكرة تحتاج إلى شهور والاتفاق على قانون انتخاب. وما دام أنه لا بديل من الحريري الذي يستطيع بعلاقاته الدولية والعربية الحصول على مساعدات وعلى مظلة حماية للبلد، فإن المطلوب، كما يبدو، هو رئيس حكومة في وضع ضعيف ليحمي قوة الممسكين بالقرار. وهي أيضاً معادلة يقول فيها صاحب فائض القوة: لنا السلطة ولكم المناصب. فالوقت لم يحن بعد، كما قال السيد حسن نصرالله، لنزول حزب الله إلى الشارع. لماذا؟ لأنه "حين ينزل لا يستطيع أن يخرج من دون تحقيق مطالبه، ولأن نزوله يعني "تغيير كل المعادلات". أي أخذ السلطة كلها في لبنان. وهذه مغامرة يوحي حزب الله أنه يستطيع القيام بها، لكنها ليست في مصلحته حالياً، لأنها تضع لبنان كله في حال حصار وعقوبات. وكل شيء مرتبط بالتطورات في المنطقة وتقدم "محور الممانعة والمقاومة" الذي تقوده إيران. الواقع أن البحث عن حل كأن لبنان لم يشهد ثورة شعبية هو قراءة في كتاب خاص. لكن لبنان ليس في وضع كلاسيكي. فالحاجة كبيرة إلى مرحلة انتقالية واختصار المراحل والطقوس لتأليف حكومة مصغّرة منسجمة ضمن اتفاق على برنامج إنقاذي عملي. وهذا يتطلب أن تخفف التركيبة السياسية من الشهوة إلى المال والسلطة، وأن يتولى فريق جديد الإدارة السياسية لمصالح البلد. والمشكلة أن النظام ضيق ومهترئ وباقٍ. والسلطة فاشلة ومتنمرة. ولا خيار لدى الناس سوى الشارع. فالـ"ستاتيكو" استقرار خادع. والسؤال كما طرحه العالم الانتروبولوجي أرنست غيلر هو: "هل هناك حرية بلا تغيير؟ هل هناك تقدم حيث التكرار فقط؟".

المزيد من آراء