Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفرقاء في ليبيا... المعادلة الصفرية تهيمن على موازين القوى العسكرية بطرابلس

كر وفر بين قوات الجيش الوطني وحكومة الوفاق دون حسم صراع الوجود بينهما

تعبّر مبادرات مؤتمر برلين عن الاهتمام الدولي المتزايد بالملف الليبي في ظل تعقّد الوضع العسكري على الأرض (أ.ف.ب.)

مرّ الآن عددٌ من الأشهر على بدء السجال العسكري بين الأطراف الليبيَّة المتصارعة بشأن التحكّم في العاصمة طرابلس. الجدير بالذكر أن محاولة الدخول لطرابلس لا يمكن وصفها سوى بحالة متكررة من الكر والفر، سواء على المستوى العسكري أو السياسي. ومن غير الممكن تحديد أي تطورات واضحة في سياق الصراع بين الجيش الوطني الليبي، وقوات حكومة الوفاق، أو وفقاً للتسميَّة "قوات البركان". يوجد كثير من التشابه في التسليح والتدريب بين الطرفين، وإن كان هناك اختلاف في درجة المؤسسيَّة لصالح الجيش الوطني الليبي، وبالتالي يظل الوضع العسكري في طرابلس في حالة من الركود دون تفوّق قدرات أي طرف فوق قدرات الآخر.

تعقد الوضع العسكري أعاد إحياء دور المجتمع الدولي في الأزمة الليبيَّة، وجاءت مبادرات مؤتمر برلين الذي أُجّل إلى نهايَّة شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، لكي تعبر أن الاهتمام بالملف الليبي على المستوى الدولي لم يتراجع، لكنه كملف، دائماً في انتظار مبادرة جديدة من أحد الفاعلين.

تعاني ليبيا منذ فترة غياب الإجماع الدولي حول الأفكار المتعلقة بحلول الصراع. وهو ما يعدّ من أحد الدلائل التي تشير إلى أن الصراع السياسي - العسكري في ليبيا سوف يمتد إلى أجل طويل. في ظل غياب الاتزان في موازين القوى سياسياً وعسكرياً، والرفض المتكرر لحلول التسويَّة بين الأطراف التي تصارع بعضها بعضاً، من المتوقع أن يكون الصراع العسكري في الداخل الليبي طويل العمر.

طبيعة الصراع الليبي

منذ العام 2011، وليبيا لها سياقٌ خاصٌ في حالات الربيع العربي. هناك كثير من التحليلات، سواء في العلوم السياسيَّة أو في علم الاجتماع السياسي عن أصول الثورة في ليبيا. هناك من يرى أن ليبيا أصول ثورتها اقتصاديَّة، نشأت من حالة التهميش التي شهدتها المنطقة الشرقيَّة، خصوصاً مدينة بني غازي بالمقارنة بالغرب الليبي.

على الجانب الآخر، يوجد في مجال العلوم السياسيَّة جدليَّة حول الوضع الليبي، ويتم وضع المواقف السياسيَّة للدولة الليبيَّة، مثل أزمة بو سليم والقنصليَّة الإيطاليَّة كأحد أهم أصول الثورة. الفكرة التي من الواجب ذكرها هي كيف ابتعدت أصول الثورة الليبيَّة من أسباب وعوامل، عن مخرجات ما جاء من تطورات سريان العمليَّة الثوريَّة.

بالنظر إلى الخطاب السياسي في ليبيا نرى أن هناك حالة من التصارع في الداخل الليبي، تلقي بظلالها على كل من الحسم العسكري أو التسويَّة السياسيَّة. ما زالت ليبيا في حالة من عدم الاعتراف بشرعيَّة الأطراف الأخرى، في ظل تراجع مستمر لدور الأمم المتحدة في الدور الدولي التي من المفترض أن تلعبه. لجأ الكثير من الفاعلين الإقليميين والدوليين للتعويل على الأمم المتحدة كمنظمة دوليَّة قادرة على تنظيم عمليَّة تسويَّة سياسيَّة في الداخل الليبي. لكن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بقيادة غسان سلامة لم تتمكن من صناعة حالة من الإجماع الوطني، أو التنسيق بين الطلبات المتنوّعة للقوى السياسيَّة في ليبيا، أو تحريك المجتمع الدولي لدور أكثر فاعليَّة في الداخل الليبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقبع المسألة في غياب التوازن كما ذكرنا من قبل، معركة طرابلس أظهرت كثيراً من الحقائق عن الواقع الاستراتيجي في ليبيا. ما يجب أن ندركه من معركة طرابلس أن الحسم ما زال بعيداً، فقد شهدنا معارك في سبيعة، وفي غريان، وعلى حدود العزيزيَّة والزهراء، المداخل الجنوبيَّة للعاصمة. ولم تسفر تلك المعارك عن طرف من الممكن اعتباره أقوى من الآخر، وبالتالي يستمر الصراع في ظل انتصارات جزئيَّة لكل طرف لا تفضي إلى حلول.

التسويَّة السياسيَّة

عمليَّة التسويَّة السياسيَّة التي تفاءل بها المجتمع الدولي منذ وقت مضى إبان إعلان غسان سلامة خارطة الطريق التي اقترحها باتت بعيدة عن المنال. اعتمد غسان سلامة على خارطة طريق قائمة على التفاوض حول تعديل اتفاق الصخيرات، والخروج بصيغة جديدة لخارطة سياسيَّة تنتهي باستفتاء على الدستور، وانتخابات نيابيَّة، ثم انتخابات رئاسيَّة، ووضع سلامة مواقيت زمنيَّة لهذه الإجراءات كي يتم تفعيلها. ولكن الفشل المتكرر في إعادة إحياء اتفاق الصخيرات يضع ليبيا في احتماليَّة الرجوع إلى المربع صفر سياسياً. مسار التسويَّة كان الغرض منه خلال الفترة الماضيَّة هو الوصول إلى نسخة معدّلة من اتفاق الصخيرات، لكن نظراً إلى عدم القدرة للتوصل لمقترح يحظى بإجماع سواء على الأصعدة الإقليميَّة أو الدوليَّة، غابت الضغوط الخارجيَّة عن حلحلة الملف الليبي، وباتت التسويَّة السياسيَّة مسألة إرادة سياسيَّة نحو التنسيق، وليس مسألة رؤى سياسيَّة على حد فراد.

السؤال الذي من الواجب طرحه هو عودة مبادرات التسويَّة السياسيَّة من قبل المجتمع الدولي بشأن الملف الليبي. معركة طرابلس مما لا شك فيه خلقت حالة من التردد في المجتمع الدولي فيما يتعلق بالتدخل السياسي في ليبيا. استمرار السجال العسكري في طرابلس دون أدلة واضحة عن أي مخرجات يضع المجتمع الدولي في حالة من صعوبة اتخاذ القرار، ويضع ليبيا تحت النظر كحالة من حالات الربيع العربي.

ونذهب من هذا السؤال إلى سؤالٍ آخر، هل معارك طرابلس ومحاولة دخولها ستنتهي بنا لحل سياسي، أم لحسم عسكري تتخذ فيه القوات المنتصرة قرارات فاصلة؟

مستقبل المعركة

معركة السيطرة على طرابلس شهدت كثيراً من السجال العسكري. والداخل الليبي لا يعبر سوى عن وجود التكافؤ بين الجيش الوطني الليبي من ناحيَّة، وبين تحالفات الميليشيات من ناحيَّة أخرى، لا يوجد من هو قادر على فرض نفسه عسكرياً.

على المستوى السياسي لا يوجد طرف أقوى من الآخر، إذ إن المكانة السياسيَّة لكل طرف باتت مرتبطة بنتاج السجال العسكري على أرض الواقع. وفي النهايَّة، لا يعبر هذا الوضع الميداني عن شيء سوى إطالة أجل الصراع من ناحيَّة، وزيادة التعقيدات في محاولات حله سياسياً من ناحيَّة مغايرة.

تظل ليبيا بما يجري بها من صراعات مسرحاً للتساؤل، سواء على المستوى السياسي أو العسكري. على المستويين، باتت ليبيا في حالة من انعدام اليقين أو uncertainty، وهو ما بدأ يأخذ من رصيد كيانات الدولة الليبيَّة لدى المواطنين شرقاً وغرباً.

الجدير بالذكر أن معركة طرابلس لا تمثل المشهد النهائي للصراع الليبي بغض النظر عن أي من الأطراف في صالحه انتهت. فالمسألة في حل الأزمة الليبيَّة ليست التحكّم في طرابلس، رغم كونها العاصمة، لكنها تكمن في التعامل مع عدد من القضايا التي تخلق نوعاً من الفوضى وغياب القرار المركزي عن مدن ليبيا، مثل الميليشيات، والخلاف على القرار السياسي، وغياب القدرة على إقامة تحالفات سياسيَّة. وبالتالي، معركة طرابلس لن تمثل نهايَّة للأزمة الليبيَّة، لكن ليبيا ككل سوف تحتاج إلى معركة وفقاً لكل المعطيات، إلا إذا قام المجتمع الدولي بدوره في إعادة بسط النفوذ في الداخل الليبي خلال الفترة المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء