Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المثقفون اللبنانيون غابوا عن تظاهرات الشوارع... لكنهم رحبوا بالحدث عبر شبكات التواصل الاجتماعي

الثورة الشعبية صدمت السياسيين وحقّقت وعياً جديداً وقضت على مفهوم "القطيع"

السؤال الذي لا بدّ من طرحه إزاء الحدث الوطني الكبير الذي جسّدته التظاهرات الشعبية التي تعم مدن لبنان ومناطقه منذ أيام، هو: أين هم المثقفون اللبنانيون مما يحصل من حولهم في الساحات والشوراع، بل ما هو موقعهم أو موقفهم من هذه الثورة الشعبية التي خلقت حالاً من الوعي السياسي والوطني الجديد الذي لم يكن مألوفاً من قبل؟ طبعا لا جواب واضحاً وكاملاً عن دور المثقفين في قلب هذا الحراك الذي يتسم بالكثير من العفوية والحماسة، والبعيد عن أي اتجاه أيديولوجي أو حزبي. فالمثقفون اللبنانيون لا يمكن إدراجهم في خانة سياسية واحدة أو تيار واحد، فهم منقسمون مثلهم مثل الشعب حزبياً وطائفياً وربما مذهبياً، وبعض منهم علمانيون ومدنيون ومتمردون على النظام الطائفي.

نادراً ما أطل مثقفون على الشاشات التلفزيونية التي تغطي كل التظاهرات نهاراً وليلاً، من قلب الشوارع والساحات، فهم ربما، ما خلا قلة قليلة بصفة فردية، لم ينزلوا إلى التظاهر مؤثرين مواكبة الحدث تلفزيونياً، ما عدا بعض الفنانين من مغنين وممثلين، آثروا في اليوم الأول أن يخطفوا الأضواء بنظارتهم الشمسية ولا سيما بعض الفنانات اللواتي أتين بأناقتهن المعهودة. واليوم فاجأ المغني والموسيقي مارسيل خليفة جمهور المتظاهرين في طرابلس فظهر حاملا الميكروفون وحيا المتظاهرين الذين رددوا اغنيات ثورية له. لكنّ مثقفين كثراً من كتاب وصحافيين وناشطين في الحراك المدني أطلوا عبر السوشيل ميديا، من فيسبوك وتويتر وسواهما، فكتبوا تعليقات ومقالات ورفعوا شعارات ونشروا صوراً مؤثرة من قلب التظاهرات تعبر عن حقيقة هذه "الثورة" الشعبية. وما يمكن قوله هو أن المثقفين عموماً والمقصود المثقفين غير الحزبيين وغير المنتمين إلى  إيديولوجيات طائفية ومذهبية، يبدون كأنهم مصابون بحال من الذهول وربما الافتتان بهذه التظاهرات التي فاجأت الجميع، من سياسيين ومواطنين، بحماستها وصفائها و"نظافتها" وعفويتها وبعدها عن أي نزعة طائفية، على الرغم من ضمّها كل أطياف المجتمع، طائفياً ومناطقياً واجتماعياً. حتى أن حزبيين كثيرين نزلوا إلى التظاهرات، ولكن بصفتهم مواطنين ينتمون إلى هذا الشعب. لم تكن الأحزاب اللبنانية التقليدية التي طالما احتكرت حركة الشارع على اختلاف مشاربها، تتصوّر أن الشارع قد يفلت من قبضتها يوماً، هي التي تسيطر على منافذ "شعوبها" وعلى حقوقهم وتقودهم كـ"القطعان" إلى مواقف ومواقع بل "مصائر" تقررها هي بنفسها. لم يكن يتصور حزب الله مثلاً أو حركة أمل أن ترتفع في الجنوب والبقاع أصوات تعارضهما علناً وتعترض على سياستهما الحزبية الأنانية وتفضح أخطاءهما الكثيرة علناً، وقد بلغت الجرأة ببعض المتظاهرين حد تمزيق صور نبيه بري رئيس حركة أمل ورئيس مجلس النواب منذ ثلاثين عاماً. وعلّق شبان جنوبيون "يافطات" تصف كل النواب بالسارقين ومنهم نواب حزب الله وحركة أمل. ومن ناحية أخرى ارتفعت أصوات في بيروت وكل المناطق المسيحية تهاجم كل الفريق السياسي وعلى رأسه الجنرال ميشال عون رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وكذلك ارتفعت أصوات ضد رئيس الحكومة سعد الحريري وتيار المستقبل منادية بسقوط الحكومة وأن لا خروج من الشارع قبل سقوطها.

 لقد أثبت المتظاهرون فعلاً أن الشعب يرفض بدءاً من هذه اللحظة التي يمكن وصفها بـ "التاريخية" أن يعامل بصفته "قطيعاً" سياسياً وطائفياً وأن يساق إلى صناديق الاقتراع وكأن لا رأي له ولا موقف. ولعل الإطلالة الغاضبة للسيد حسن نصرالله أمس في خطاب له، هي خير دليل على الصدمة الشعبية التي تلقاها من الشارع وفي عقر داره، ورفع إصبعه مهدداً الشعب اللبناني، بعقاب هو إنزال جماعة حزب الله إلى الشارع. وهدّد خصومه إذا فكروا بالاستقالة من الحكومة بـ "العقاب"... ودافع عن العهد باستماتة جازماً أن العهد لن يسقط وكأنه هو صاحب القرار النهائي. أما رئيس الجمهورية فيبدو كأنه في وادٍ آخرَ وقد نُقل عنه أنه يطمئن الشعب إلى أن الأمور ستلقى حلولاً إيجابية من دون أن يحدّدها.

وعي سياسي جديد

تحمل التظاهرات التي تعمّ كل المدن والمناطق اللبنانية حالاً من الوعي السياسي والوطني الجديد. المتظاهرون هذه المرة ينتمون إلى الشعب مباشرة بقرار شعبي حر وليس بقرار حزبي أو طائفي، مواطنون عاديون نزلوا ليعبروا عن واقعهم المعيشي المأزوم، فقراء لا تتوافر لهم أدنى شروط العيش البسيط، أناس لا حقوق لهم بل واجبات فقط وعليهم تلقى الضرائب عشوائياً، أشخاص لا حق لهم بالتطبّب ولا بالاستشفاء ولا بضمان شيخوخة، مقعدون جاءوا على كراسيهم النقالة، عمال، طلاب مهدّدون بالبطالة، أساتذة من كل الفئات لا ينالون حقوقهم، جامعيون يناضلون من أجل الجامعة اللبنانية، عجائز، آباء، أمهات يطالبنَ بحقهنّ في تجنيس أولادهنّ، أطفال... هذه هو "شعب" التظاهرات الوطنية، السلمية، التي لا تفرّق بين مواطن وآخر.

تأخذ إحدى الكاتبات في تعليق لها على فيسبوك على المثقفين عدم نزولهم إلى الشارع، تردّ عليها كاتبة وشاعر بأنهما نزلا مع سواهم من مثقفين لكن نهر المتظاهرين ابتلعهم. غير أن الملاحظ أن المثقفين بدوا في غاية النشاط على فيسبوك وتويتر. الشاعر محمد شمس الدين كتب يقول: "هي لحظة تاريخية نادرة لم يسبق لها مثيل في ذاكرتنا القريبة من الجمهرات التاريخية اللبنانية التي كانت تؤسس لمفهوم الشعب اللبناني. هي ظاهرة عابرة للطوائف والزعامات التقليدية ذاك أن أساسها الفكري ضمناً قائم بالمعنى المدني للمواطنة وليس للانتماء الطائفي وهي حقيقة واضحة في الهتافات والتصاريح المعلنة للجمهرة الثائرة". الشاعر يوسف بزي كتب مرات معلقاً على ما يحدث ومما قال عن إطلالة السيد حسن نصرالله الغاضبة: "خوف نصرالله على النظام اللبناني الذي دبّره باللين والعنف، بالترغيب والترهيب، هو خوف على إنجازه الأكبر: الوصاية على لبنان. لقد انحاز للسلطة القائمة ضد جمهوره". الروائية نجوى بركات نشطت بشدة على فيسبوك ومما كتبت: "كلنا خائفون على المصير، ولكن دعونا نفرح بالذي يجري فهو غير مسبوق في لبنان. إنها المرة الأولى يتحرك الناس فيها ضد طوائفهم أو لنقل من خارجها، ضد الطغمة السياسية الحاكمة وعصاباتها". وكتبت الروائية والناشرة رشا الأمير تقول: "لبيك يا لبنان. نتابع ونشارك ونحلم مع الأصدقاء بعقد اجتماعي جديد". وكتب الشاعر وديع سعادة من سيدني يقول: "لا تقولوا لدينا مطالب بل قولوا لدينا حقوق ونريد حقوقنا". الممثل فادي أبو سمرا قال باختصار:"الجنوب هو البوصلة". وكتبت الناقدة ناتالي خوري غريب: "للمرة الأولى في لبنان الشعب يتكلم في الساحات وعلى الشاشات والسياسيون في منازلهم مجبرون على الإصغاء". ورحّب المسرحي جو قديح برجال الدين من كل الطوائف الذين شاركوا علناً في التظاهرات قائلاً: "أهلاً وسهلاً بكم كمدنيين بيننا". وكتبت الناشرة عزة طويل معلقة على روح الحرية التي يتميز بها المتظاهرون: "لبنان يرقص، لبنان يدبك، لبنان ينتفض". وكتب الشاعر جاك الأسود: "كلما صرنا جوعانين أكلونا". وكتب المسرحي عبيدو باشا قصيدة بالعامية يقول مطلعها: "يا شعب التعب/ ابنك أنا تعبان". وكتب الناقد جان جبور: "بداية الوعي، بداية الأمل، كسر القيد الطائفي". وكتب الشاعر والمسرحي يحيى جابر واقفاً أمام تمثال الكاتب القتيل سمير قصير:"كيفك سمير... اشتقتلك. نحنا رجعنا على الساحة. وينك اليوم؟". وكتب الصحافي إيلي الحاج مذكراً بالضريبة على الواتس أب التي كانت شرارة التظاهرات: "الواتس أب تلفون الفقراء، يا حكومة الأغبياء ماذا فعلتم؟". أما مثقفو حزب الله وحركة أمل وسائر جبهات الصمود والتصدي فلم يظهروا على فيسبوك ولم يعلقوا واكتفى بعض إعلامييهم بإطلالات تلفزيونية عبّروا من خلالها عن رفضهم التظاهرات ووصفها بأنها مؤامرة عابرة. ولم يغبْ عن فيسبوك كتاب ومثقفون سوريون وعرب متحمسون للتظاهرات وفي مقدمهم الشاعر نوري الجراح الذي كتب مراراً موجهاً تحيات إلى الشعب الثائر، وكتب الروائي خالد خليفة قائلاً: "يا رب احمِ لبنان والثورة اللبنانية من شبيحة النظام اللبناني والنظام السوري". وكتبت الشاعرة السورية هالة محمد: "شي ببكي، يارب تظبط معهم، رجاء قلب سوري محروق".

المزيد من ثقافة