كان لجدتي الجميلة كيس قماشي خاص بسحاب، فيه نقود معدنية قليلة لا قيمة لها ولكنها كانت تساوي عندها ثروات الدنيا. تثبتها بدبوس في ثيابها من الداخل عند منطقة الصدر في "عبّها".
شكّلت هذه المنطقة من الجسم المصدر أو المنجم، فكانت مصدر إطعام الأطفال وإلى جانبها بنك المنزل. كثر يتذكرون كيف كانت جداتنا وأمهاتنا يمددن أيديهنّ إلى "عبّهنّ" الغني لفك أزمة ما، ذلك المال كان مليئاً بعاطفة روائحهنّ وقلقهنّ وحرصهنّ على أن يخبئنَ القرش الأبيض لليوم الأسود.
حقائب القرن الـ 14
كانت الحقائب أو الجزادين في القرن الـ 14 عند الرجل تختصر بحزام يلف على الخصر، ولدى المرأة عبارة عن أكياس حريرية أو قطنية أو جلدية لحمل النقود وبعض الأشياء الخاصة كعدة خياطة صغيرة وبعض المجوهرات، وكانت تثبّت في الثياب الفضفاضة من الداخل خوفاً من السرقة، ثم تطور الأمر وظهرت الجيوب الداخلية في الثياب في القرن الـ 16، ومع قيام الثورة الفرنسية تقلص حجم الثياب تدريجاً إلى أن أصبحت أضيق، وبعضها ملتصقاً بالجسم، الأمر الذي جعل ظهور الجيوب الخارجية والحقيبة منطقياً وضرورياً في آن، خصوصاً حقيبة اليد.
خرجت الحقائب من داخل الجلابيب والفساتين لتستقر على الأكتاف وفي اليدين، وصار لها شخصيتها وموضتها.
حقائب كبيرة وصغيرة بأشكال لا تحصى باتت تشكّل خطّاً خاصاً في الموضة، وتشكل هوساً لدى كثيرات للحصول على الأشكال والعلامات التجارية. هذا من الخارج لكن في الداخل، فقد تعمّ الفوضى وقد يكون الترتيب سيد الموقف بحسب شخصية حاملتها.
الحقائب... وواقع الحياة
وتعبّر الحقائب عن واقع الحياة، ولها دلالاتها، ففي ألمانيا مثلاً ظهر الغنى على الحقائب في الألوان وأنواع المواد المستعملة أيام الرخاء، كما ظهرت عليها أوقات الحروب، فأصبحت الحقائب تميل إلى اللون الأسود وغاب الابتكار والفن لصالح الحرب.
ولا تختصر وظيفة حقيبة اليد على حمل أشياء السيدة، فهي تُخبر وتُفصح عن شخصية حاملتها ووضعها الاجتماعي والمادي.
يقول لويس فويتون مصمم الحقائب الفرنسي "قولي لي أي حقيبة تحملين، أقُل لكِ من أنتِ". فحقيبة رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر كانت تدل على شخصيتها العملية، تتسع للملفات والأوراق الكثيرة التي كانت تلازمها طيلة الوقت، أما حقيبة ملكة إنكلترا إليزابيث فتدل على شخصيتها المحافظة جداً.
عندما صمّمت كوكو شانيل حقيبتها الأولى عام 1929 بحزام الكتف قالت "سئمت من وضع محافظي في يدي وفقدانها لذا أضفت حزاماً"، هذه الحقائب ما زالت صامدة ومطلوبة حتى يومنا خصوصاً بعد أن طوّرها كارل لاغرفيلد.
"تاريخ مكثف من الإثارة"
في كتابه "تاريخ مكثّف من الإثارة" يبحث العراقي خالد مطلك حول رحلة الحقيبة النسائية في التاريخ، وقصة تحوّلها من وعاء للحاجة إلى علامة ثقافية أنثوية تبث رسائل خارجية تتعلق بالذوق والمكانة الاجتماعية وبعض الإشارات العاطفية للمرأة.
قرأت مرة أن المرأة السعيدة لا تحتاج إلى حقيبة كبيرة لتضع فيها مجموعة من الأشياء العديمة الفائدة، وصرت أراقب سعادتي وسعادة النساء بالحكم على حقائبهنّ، وسألت غير مرة صديقات لي ماذا يحملنَ في حقائبهنّ الكبيرة ولم تقل واحدة منهنّ إنها تحمل تعاسة، إنما أغراضاً قد يحتجنَ إليها خلال يوم كامل خارج البيت.
السيدة ربى جرادي تقول إنها تحمل الحقيبة بحسب المناسبة، ففي التسوّق تكتفي بحقيبة صغيرة، أما عادة فتحمل حقيبة متوسطة إلى كبيرة فيها ما تحتاجه فعلاً من دون أي زيادة مثل المفاتيح، والعطر، وعلبة المكياج، والمحفظة والنظارات، وكريم لليدين، والعلكة.
وتقول السيدة هلا طراد "لا أحمل سوى حقيبة كبيرة فيها أشياء كثيرة بالكاد استخدمها، دفتر وقلم استعملهما مرة كل ستة أشهر، محفظة صغيرة فيها أدوية لأوجاع الرأس والبطن تنتهي مدتها وأرميها كل مرة من دون أن استعملها، وكريم لليدين، آخر مرة استعملته منذ خمس سنوات، فرشاة أسنان، قطرة للعيون وعقد أحبه كثيراً ولا ألبسه، وأساور أنسى أن أعيدها إلى الخزانة، وعلبة المكياج، وأنا لا أضع المكياج إلا في المناسبات، وعلبة تدخين وأنا عادة لا أدخن إلا في ما ندر، وأنقل هذه الأشياء من حقيبة إلى أخرى"، وتكمل ضاحكة، "اعتقد بأن من تحمل حقيبة صغيرة فهي قد تكون محدودة لا اهتمامات كبيرة لديها ويومها بحجم حقيبتها".
تقول ساشا صافي إنها تفضل الحقائب الكبيرة لأنها تتسع للكثير من الأغراض على الرغم من أن 80 في المئة منها لا تستعملها يومياً، لكنها تشعر بالراحة أنها موجودة بحال احتاجت لها. أما في السهرات فهي تفضل الحقيبة الصغيرة مع الأغراض الأساسية.
"شيء عزيز لا يفارق السيدات"
مع هذا، فالحقائب ليست مجرد مستوعب لأغراض النساء، فهي "شيء عزيز لا يفارق السيدات"، هذا شعار معرض الحقائب التاريخي في مدينة "كيسنغ" في ألمانيا الذي يضم عدداً كبيراً من الحقائب يصل إلى ألف يعود تاريخ بعضها إلى العام 1800 ويكشف عن تطور أذواق النساء من خلال الحقائب.
ويضم متحف الحقائب والمَحافظ في أمستردام وهو الأكبر عالمياً حوالى 5000 حقيبة يد وسفر منذ القرن الـ 16 وحتى اليوم، فيها أيضاً تلك البسيطة التي كانت تستخدم للعملات المعدنية، وتلف حول الخصر إلى الحقائب ذات الأحزمة، مروراً بحقائب اليد وحقائب السفر ذات الأطر المعدنية، والمَحافظ الصغيرة.
وعلى الرغم من أن الحقائب في متناول جميع طبقات المجتمع ويبدأ سعرها بدولار واحد إلا أن بعضها يشتري بيوتاً، فعدا عن دخولها حلبة التنافس في العلامات التجارية وارتفاع أسعار عدد منها إلا أن بعضها دخل موسوعة غينيس عام 2010 كأغلى حقيبة وهي حقيبة اللبناني معوض "ألف ليلة وليلة" وبلغ ثمنها 3.8 مليون دولار. وصنعت على شكل قلب ذهبي وفيها 382 قيراطاً ما يفوق 4500 قطعة ماس وصنّعها 10 فنانين.
حقيبة أخرى بلغ ثمنها حوالى مليوني دولار "التمساح الذهبي" لهيرميس بيركين مصنوعة من جلد التمساح الذهبي ورصّعت أشرطتها بالماس.
وهناك حقائب يفوق سعرها أسعار البيوت الفخمة مرصعة إما بالماس والأحجار الكريمة ومشغولة بالذهب والبلاتينيوم، وحقائب أخرى تحمل قيماً مختلفة بعيدة من المادة مثل تلك التي صنعها أبي منذ حوالى 50 عاماً مشكوكة بالخرز الأسود والعاطفة، أو كتلك الحقيبة الزرقاء التي أثارت الاستغراب عندما حملتها زوجة رئيس مجلس الوزراء السنغافوري "هو" ويبلغ سعرها 11 دولاراً، وأعلنت لاحقاً أن من صنعها طالب من طلاب مدرسة خاصة بالمصابين بالتوحد، ما رفع مبيعها إلى 200 حقيبة في اليوم.