اتُّهمت السلطات بـ"نزع الطابع الإجرامي" عن الاعتداءات الجنسية بعد أن أظهرت الإحصاءات الرسمية أنّ نسبة حالات الاغتصاب التي خصعت للمحاكمة في انجلترا وويلز تراجعت إلى 1,4 في المئة.
وينسحب الضحايا المزعومون من التحقيقات في 40 في المئة من القضايا عقب تحذيرات من تأثير طلبات الكشف الشامل عن الهواتف الخلوية والسجلات الطبية.
وانتهت 14 في المئة من القضايا بسبب "تعذّر إيجاد الدليل" حتّى عندما يتمّ تحديد المغتصب المزعوم ويتقدّم المدّعي بطلب محاكمة، بينما لا يتمّ تحديد المشتبه فيهم في 9 في المئة من التقارير.
وصدرت الأرقام بعد أسابيع من إطلاق تحالف ضمّ مجموعاتٍ نسائية تحرّكاً قانونياً ضدّ دائرة النيابة العامة بسبب سوء تولّيها قضايا الاغتصاب.
وصوّب تحالف وقف العنف ضدّ المرأة سهامه إلى المدّعين العامين متّهماً إياهم بأنهم ينتقون القضايا التي يرونها الأقوى بعد تغيير خفيّ في السياسة.
وقالت مديرة الحملات ريبيكا هيتشن للاندبندنت: "نخشى أنّه يتمّ تجاهل إلغاء تجريم الاغتصاب بشكلٍ فعلي ما سيؤدّي في الواقع إلى الاستمرار في تراجع هذه الأرقام. من المخيب للآمال أن نرى تراجعاً إضافياً، مهما كان ضئيلاً، في نسبة محاكمات حالات الاغتصاب المبلّغ عنها. يمثّل هذا الناجين الحقيقيين الذين لن يتمكّنوا من الحصول على العدالة لما تعرّضوا له."
وأضافت هيتشن أنّه في حين تقوم الحكومة بمراجعة تولّي قضايا الاغتصاب، حان وقت القيام بالتحرّك الحاسم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المركز من أجل العدالة للنساء الذي يشن حملة قانونية إنّ الدولة تفشل في معالجة الجرائم التي تسبّب الضرر الدائم للضحايا وتسمح "للغالبيّة الساحقة من المعتدين الجنسيين بالإفلات بفعلتهم بلا محاكمة."
وقالت هارييت ويسترش مديرة المركز: "إن كانوا قلقين بشأن هذا الإلغاء الافتراضي لتجريم الاغتصاب، لكانوا فعلوا ما بوسعهم لوضع تدابير لقلب هذا الاتجاه المقلق، سواء كان سبب ذلك يعود بشكلٍ أساسيّ إلى تغيير مقاربتهم لصنع القرار أم لا، عوضاً عن اتخاذ مقاربة صدامية للنزاع القضائي الذي نسلّط الضوء عليه."
وألقت دائرة النيابة العامة اللوم جزئياً على الشرطة لقيامها بتحويل عدد أقلّ من القضايا للنظر فيها وتعتبر أنّها مقيّدة بقانونٍ يتيح لها المحاكمة عند وجود "احتمال واقعي للإدانة" وحسب.
لكن مفوّضة الضحايا في انجلترا وويلز ديم فيرا بيرد تعتبر أنّه منذ عقدٍ فقطٍ، كانت دائرة النيابة العامة تحاكم 40 في المئة من قضايا الاغتصاب وتعهّدت بزيادة هذه النسبة. وأضافت قائلةً: "عدد أقلّ من القضايا تحوّل من الشرطة إلى دائرة النيابة العامة (4370 العام الماضي إلى 3375 هذا العام) ولكن تُسحب العديد من القضايا من النظام القضائي بسبب قرارات الاتهام الصادرة عن دائرة النيابة العامة. لدينا العديد من ضبّاط الشرطة الملتزمين والمحامين الممتازين المنخرطين في قضايا الاغتصاب ولكن كلّما زادت صعوبة الحصول على أمر اتهام، انخفض عدد الإحالات الصادرة عن الشرطة في ظلّ دائرة من الإحباط التي يجب عكسها بشكلٍ طارىء.
وأشار البحث الصادر في وقتٍ سابق من العام الجاري إلى أنّه تمّ التنازل عن عشرات الآلاف من قضايا الاغتصاب من قبل الضحايا قبل بلوغ المرحلة الاتهامية لأنّ تحقيقات الشرطة كانت تزيد صدماتهم النفسية سوءاً.
وفي هذا الإطار، قالت امرأة اغتُصبت على يد مجهول للاندبندنت بأنّها سحبت الشكوى التي تقدّمت بها بعد أن ادّعى رجال الشرطة أنّهم لن يتمكّنوا من اتهام المشتبه فيه من دون مراجعة المحتويات الكاملة الموجودة على هاتفها الخلوي.
وقالت سارة، التي تمّ تغيير اسمها: "أشعرني ذلك بالغضب الشديد، جعلني أشعر بأنني أنا التي أخضع للمحاكمة وكانوا يحاولون البحث في طرقٍ يحوّلون فيها الخطأ باتجاهي"، وأضافت أنّها تشعر بالقلق من أن يتمّ استخدام دليل نزوة سابقة ضدّها في المحكمة.
وقالت امرأة أخرى واجهت المطلب نفسه على الرغم من أنّ شرطة العاصمة حدّدت المعتدي عليها باستخدام الحمض النووي للاندبندنت إنّ التحقيق بدا أنّه "تدخّل تلو الآخر".
وقالت جين، التي تمّ تغيير اسمها أيضاً حفاظاً على هويّتها: "لست واثقة من أنني كنت سأمضي قدماً في القضيّة لو أنني عرفت ماذا تضمّنت."
وقالت بوني ترنر التي تخلّت عن إخفاء هويّتها بهدف الكشف كيف أنّ المعتدي عليها لم يحاكم بعد أن "أقرّ" باغتصابها في رسالةٍ عبر فيسبوك، ووصفت خضوعها للتحقيق لخمس ساعات في مركز الشرطة وقالت إنّ التحقيق "سبب لها صدمة نفسية جديدة".
ودعت كلير واكسمان المفوّضة عن الضحايا في لندن إلى أن يحصل أصحاب الشكوى على دعم قانوني مموّل بالكامل أثناء مراجعة سجلاتهم الشخصية واتصالاتهم. وأضافت قائلة: "هذه الخطوات حيويّة، نحتاج بشكلٍ طارىء إلى رؤية تحسيناتٍ جذرية في كيفية معاملة ضحايا الاغتصاب في هيئة المحكمة وبهذا يحصلون على الثقة للتقدّم والتبليغ وأن يعلموا بأنّه ستتمّ معاملتهم بعدلٍ وأنّهم سيحظون بالدعم الذي يحتاجون إليه للحصول على العدالة."
تجدر الإشارة إلى أنّ الإحصاءات التي صدرت عن وزارة الداخلية يوم الخميس تظهر أنّ المحاكمات تتراجع لكلّ نوع من الجرائم بعد تحذيرات من "أزمة" عدالة.
أدّت 3,3 في المئة من كافة الجرائم الجنسية إلى اتهام أو استدعاء إلى المحكمة خلال العام الجاري حتّى يونيو (حزيران)، وسجّلت قضايا السرقة 5,4 في المئة و7,8 في المئة من جرائم العنف و7,1 من عمليات النهب.
وتدنّت نسبة المحاكمات لكافة الجرائم إلى 7,4 في المئة مقارنةً بنسبة 8,7 في المئة العام الماضي - أي ما يوازي تراجع 41700 جريمة.
وارتفعت النسبة الإجمالية للتحقيقات التي أغلقت نتيجة "عدم كفاية الدليل" من 29 في المئة إلى الربع خلال العام الجاري وانتهت حوالي نصف هذه التحقيقات من دون تحديد مشتبه فيه.
وخلال الفترة نفسها، ارتفع معدّل الوقت بين تسجيل الشرطة لجريمة وتقييم نتيجتها من 6 إلى 9 أيام.
وقالت ايفيت كوبر رئيسة لجنة الشؤون الداخلية: "لقد حذّرنا منذ وقت طويل من أنّ حجم التخفيضات في عدد الشرطة يساهم في نسف العدالة - تشكّل هذه الأرقام دليلاً صارخاً على أنّ المزيد من الضحايا يُخذلون. وألقى اتحاد الشرطة الذي يمثّل الضبّاط العاديين اللوم على فقدان حوالي 22 ألف عنصر شرطة منذ العام 2010 وعلى "الأزمة في الشرطة الاستقصائية".
وأقرّ مجلس رؤساء الشرطة الوطنية أنّه لم يجر حلّ سوى عدد قليل من الجرائم. وقال أندي كوك رئيس الشرطة: "إنّها أحدى عوارض الضغط على الشرطة بينما نحاول إدارة الجريمة المتزايدة والطلب الذي يزداد تعقيداً."
وأعلنت دائرة النيابة العامة قيامها بمراجعة مستقلّة لقراراتها الاتهامية في حالات الاغتصاب كجزءٍ من مراجعة شاملة للحكومة. وقال متحدّث بأنّ المدعين العامين بوسعهم النظر في القضايا التي تحوّلها الشرطة بما يتماشى مع معاييرها القانونية وأردف قائلاً: "ندرك أنّ التراجع في الإحالات القضائية والتهم يشكّل مصدر قلق ونحن نعمل مع زملائنا في الشرطة ونظام العدالة الجنائية لفهم الأسباب المعقّدة الكامنة وراء ذلك والقيام بمعالجتها."
© The Independent