Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخليج بين التردد الأميركي والتقارب الروسي

كان متوقعاً أن تدخل أطراف أخرى منافسة للولايات المتحدة لملء الفراغ الناتج عن سياستها المترددة بالمنطقة

زار الرئيس بوتين، هذا الأسبوع، كلاً من السعوديَّة والإمارات، برفقة وفدٍ كبيرٍ من مسؤولي التجارة والأمن والدفاع، وأُعلنت صفقات ثنائيَّة، قيمتها أكثر من ملياري دولار (1.6 مليار جنيه إسترليني)، وأكثر من 20 اتفاقيَّة.

الزيارة الروسيَّة أثارت الأفكار حول العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعوديَّة والإمارات، أهم صديقين للولايات المتحدة بالمنطقة، واحتمالات استبدال العلاقات الاستراتيجيَّة القديمة.

وفي هذا مبالغةٌ، لأن الزيارة والتقارب مع روسيا يعكسان خطوات تكتيكيَّة لتحقيق أهداف المصالح الإقليميَّة للسعوديَّة، فتوقيت الزيارة أوحى بأنه تقاربٌ سعوديٌّ تجاه روسيا في مقابل السياسة الأميركيَّة الحاليَّة بالشرق الأوسط، لكن هنا يجب الانتباه إلى عدة ملاحظات، فالزيارة ونتائجها أسفرت عن تعزيز العلاقات بين الجانبين في مختلف الجوانب: الاقتصاديَّة والسياسيَّة والعسكريَّة، لكن هذه العلاقات ليست جديدة، فالطرفان أسسا معاً (أوبك +) بقيادتهما من أجل تنسيق مستوى الإنتاج والتأثير في أسعار النفط بالعالم، وكان توقيع اتفاقيَّة (أوبك) لخفض إمدادات النفط العالميَّة عزز العلاقات الثنائيَّة بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وتمكّن كل من موسكو والرياض من تحقيق الاستقرار في أسعار النفط.

هذه المرة وقّعت الدولتان اتفاقيات في قطاع الطاقة والتكنولوجيا والثقافة والاستثمار، ومن قبل كان صندوق الاستثمار الروسي المباشر فتح أول مكتب أجنبي له بالسعوديَّة، كما أن روسيا ألمحت برغبتها في عمل صفقات لبيع منظومة الدفاع الصاروخي (أس 400) للسعوديَّة، من هنا تلقى التحرّكات الروسيَّة في الخليج ومن قبله بالشرق الأوسط عموماً بانتهاج روسيا سياسة خارجيَّة نشطة في المنطقة، وجدت الفرص سانحة في ظل التردد الأميركي في اتخاذ مواقف حاسمة في كثيرٍ من القضايا، ما دفع في المقابل دولاً خليجيَّة كالسعوديَّة والإمارات إلى تنويع علاقاتهم بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة تقاعست عن التعامل بحسم مع الملف الإيراني، والتردد في تقييد سلوكها الذي زعزع استقرار منطقة الخليج، وأثار حرب الناقلات منذ أشهر قليلة.

لذا، كان متوقعاً أن تتدخل أطراف أخرى منافسة للولايات المتحدة لملء الفراغ الناتج عن سياستها المترددة، أو التي تتسم بعدم الانخراط مؤخراً، لذا تضمنت زيارة بوتين معالجة مجموعة واسعة من قضايا الأمن الإقليمي من الخليج إلى سوريا إلى اليمن. أيضاً روسيا تسعى إلى تحقيق عدة أهداف ترتبط بسياستها في المنطقة، منها الملف السوري، خصوصاً أن الرئيس الروسي سبق أن صرح بتوقعه قيام السعوديَّة بدور نشط في سوريا، ومن المهم للسعوديَّة لعب دور في سوريا، إلى جانب الفاعلين الآخرين مثل تركيا وإيران، فضلاً عن رغبته في محاولة إقناع السعوديَّة بتسهيل عودة دمشق إلى الجامعة العربيَّة، وتتمثل مهمة موسكو الرئيسيَّة في إقناع السعوديين بتبني الفكرة، التي تتوقع روسيا أن يتبعها اعترافٌ إقليميٌّ، فكثيراً ما تحدَّث وزير الخارجيَّة الروسي عن فكرة "عودة سوريا إلى الجامعة العربيَّة منذ أوائل عام 2018". وهذا بالطبع لن يؤثر في المشهد الدبلوماسي الإقليمي فحسب، بل سيحقق أيضاً اعترافاً دولياً جزئياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسار العلاقات بين السعوديَّة وروسيا مؤخراً ما بين الاقتصادي والسياسي وربما العسكري يعكس قدرة السعوديَّة على اتباع سياسة براغماتيَّة، وحتى دولة البحرين، التي استأنفت العمل الدبلوماسي مع سوريا، والإمارات حينما أعادت فتح سفاراتها في دمشق، وأن دول الخليج لم تكن قلقة من قرار الولايات المتحدة بعدم التعامل مع نظام الأسد، ومن ثمّ عدم ارتباط الموقف السعودي بالموقف الأميركي الرافض التعامل مع نظام بشار الأسد.

الأهم في هذا السياق، هو المشروع الروسي لأمن الخليج الذي جوهره ترويج تأسيس ما يشبه لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتستهدف روسيا تقليل الوجود الأميركي في المنطقة. لإخلاء المنطقة من الوجود العسكري (الأميركي) الأجنبي.

هنا، تحاول روسيا أن تلعب دور صانع السلام في المنطقة والتوسط بين السعوديَّة وإيران، لا سيما مع تصاعد التوترات بعد الهجمات على المنشآت النفطيَّة السعوديَّة التي خفَّضت في البدايَّة إنتاج السعوديَّة من النفط الخام، وأثرت سلباً في أسواق النفط.

تريد روسيا إبراز دورها في حل المشكلات الأمنيَّة التي تواجه المنطقة دون الإقليميَّة وتقديم عدد من السياسات التي ربما تساعد في التخفيف من إمكانات الصراع وتسويَّة الأزمات الحاليَّة، وتعزيز صورتها وسيطاً قوياً جديداً بالشرق الأوسط منذ بدء تدخلها في سوريا عام 2015، وأنها قادرة أيضاً على تقديم الحلول، لا فقط التدخل لحمايَّة النظام السوري حليفها.

وفي هذا السياق لا بد من تأكيد أهميَّة الخطوات الخليجيَّة الأخيرة الهادفة إلى تنويع العلاقات والتحالفات حتى لو لم يتم استبدال التحالفات القديمة، وفي ظل اتباع سياسة براغماتيَّة في ظل واقع إقليمي مضطرب، لكن مع التقارب الروسي لا بد من الأخذ بالاعتبار العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران، والموقف الإيراني المؤيد المبادرة الروسيَّة للأمن الجماعي الخليجي، لا سيما أن وزير الخارجيَّة الإيراني جواد ظريف سبق وأعرب عن أن إيران ترحب بالاقتراح الروسي لضمان الأمن في الخليج.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء