ملخص
على رغم زخم التحرك الأميركي في شأن تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية، الذي أعاد معه ملف العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وحركات الإسلام السياسي، التي راوحت ما بين الانفتاح في عهود مختلفة أبرزها عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والمواجهة المباشرة مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي تتهم التنظيم بدعم فصائل مسلحة على غرار "حماس"، فإن قدرة الإدارة الأميركية الراهنة على المضي قدماً في توجهها فضلاً عن التحديات الدستورية والقانونية الأميركية التي قد تواجهها، تبقى أسئلة شائكة من دون إجابات واضحة بعد، لا سيما مع عدم قدرة الرئيس ترمب على إتمام الخطوة خلال ولايته الأولى (2017/2021).
مثل توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً لمباشرة إجراءات تصنيف بعض من فروع جماعة "الإخوان المسلمين" منظمات إرهابية أجنبية، أبرز إعلان رسمي للرئيس الجمهوري منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، تجاه هذا التنظيم الذي لطالما وجهت إليها الاتهامات بـ"زعزعة استقرار الشرق الأوسط"، والتحريض على العنف.
خطوة ترمب التي جاءت غداة تصريح له بعزمه تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة "إرهابية أجنبية"، مشيرا إلى أن خطته في هذا الشأن "باتت في مراحلها الأخيرة"، أعقبت زخما متنامي في أروقة السياسة الأميركية لحسم "ملف الجماعة" بعد محاولات سابقة لم تكتمل، إذ أعلنت بعد نحو أسبوع من إعلان حاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ آبوت، تصنيف الجماعة ومجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (كير) "منظمات إرهابية أجنبية ومنظمات إجرامية عابرة للحدود"، ومن قبله حديث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن إدارة الرئيس بصدد المضي قدما في هذا الاتجاه.
لكن ما يثير الأسئلة وفق المراقبين يبقي توقيت الإعلان، ومدي قدرة إدارة ترمب على المضي فيه قدما في ضوء استمرار المصاعب والعقبات التي حالت دون اتمامه في سنوات سابقة وإدارات مختلفة كان أبرزها عدم توافق الحزبين الكبيرين واعتراض بعض المؤسسات والأجهزة الأميركية كما حدث خلال محاولة الرئيس ذاته في ولايته الأولي عام 2019، فضلا عن مدي قدرة التنظيم وأفرعه على التحايل على أي قرار أميركي في هذا الشأن، لا سيما وأن تاريخ الجماعة ملئ بمحطات "الصدام والمراوغة".
تحركات أميركية "متسارعة"
لم يكن قرار ترمب الأخير بشأن تصنيف بعض من فروع جماعة "الإخوان المسلمين" منظمات إرهابية أجنبية، هي أحدث التحركات الأميركية في هذا الاتجاه خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، إذ جاءت خطوته، بعد أيام معدودة من إعلان حاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ أبوت، تصنيفه جماعة الإخوان ومجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (كير)، "منظمات إرهابية أجنبية ومنظمات إجرامية عابرة للحدود"، معتبرا في قراره أن الجماعة "تقدم الدعم لفروع محلية حول العالم؛ بينها مجموعات تنفذ أعمالاً إرهابية"، وإن أنشطة هذه الفروع "قُيّدت أو حُظرت" من حكومات مختلفة، لأنها "تنخرط في الإرهاب، أو تحاول زعزعة استقرار تلك الدول".
وبحسب ما جاء في الأمر التنفيذي لقرار ترمب: "يطلق هذا الأمر عملية يتم بموجبها اعتبار بعض من فروع جماعة الإخوان المسلمين أو أقسامها الفرعية منظمات إرهابية أجنبية"، مع الإشارة خصوصاً إلى فروع "الإخوان المسلمين" في لبنان ومصر والأردن، مشيرا إلى أن تلك الفروع "ترتكب أو تسهل أو تدعم العنف وحملات زعزعة الاستقرار التي تضر بمناطقها ومواطني الولايات المتحدة ومصالح الولايات المتحدة".
واتهمت إدارة ترامب فروعاً لـ "الإخوان المسلمين" في تلك الدول بدعم أو تشجيع شن هجمات عنيفة على إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة، أو تقديم الدعم المادي لحركة "حماس".
وفقاً لبيان حقائق صادر من البيت الأبيض وقع ترمب أمراً تنفيذياً يوجه وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت بتقديم تقرير حول ما إذا كان سيتم تصنيف أي من فروع جماعة "الإخوان المسلمين" كتلك الموجودة في لبنان ومصر والأردن. ويطلب من الوزيرين المضي قدماً في تطبيق أي تصنيفات في غضون 45 يوماً من صدور التقرير. وذكر البيت الأبيض في البيان، "الرئيس ترمب يواجه الشبكة العابرة للحدود لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تغذي الإرهاب وحملات زعزعة الاستقرار المناهضة للمصالح الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
وقبل قرار ترمب، أستند حكام ولاية تكساس آبوت في تصنيفه جماعة الإخوان و(كير) "منظمات إرهابية"، إلى أهدافها منذ زمن طويل، معتبرا أنها تمثلت "فرض الشريعة بالقوة وإقامة سيادة الإسلام على العالم. إن الأفعال التي ترتكبها جماعة الإخوان المسلمين وكير لدعم الإرهاب حول العالم وتقويض قوانيننا عبر العنف والترهيب والمضايقة هي أفعال غير مقبولة"، مشددا على أن "هؤلاء المتطرفون الراديكاليون غير مرحّب بهم في ولايتنا، وأصبح يُحظر عليهم الآن امتلاك أي مصلحة عقارية في تكساس".
ورغم أن خطوة آبوت لاقت رفضا من مؤسسة "كير"، ورفعت دعوى قضائية ضد حكومة تكساس، قائلة وفقًا لموقع "بوليتيكو" إن "القرار، الذي يمنع أعضاءها من شراء الأراضي في تكساس، ينتهك حقوق الملكية وحرية التعبير المكفولة لهم دستوريًا"، متهمة في الوقت ذاته أبوت بـ"التشهير"، إلا أن تحرك حاكم ولاية تكساس تزامن مع إفادة تقارير أميركية عدة عن تحركات جمهورية وديمقراطية في مجلسي النواب والشيوخ للضغط على وزارة الخارجية لتصنيف الإخوان كمنظمة "إرهابية أجنبية".
من بين تلك التحركات كان دفع السيناتور الجمهوري تيد كروز عن ولاية تكساس، في يوليو (تموز) الماضي، بمشروع قانون جديد أمام الكونغرس عنوانه "قانون تصنيف (جماعة الإخوان) منظمة إرهابية لعام 2025"، الذي يمنح وزارة الخارجية سلطات موسعة لإدراج الفروع المرتبطة بالجماعة على قوائم الإرهاب. ووفق وثائق وزعها مكتبه، سيتعين على الوزارة إعداد قائمة شاملة بهذه الكيانات خلال 90 يوماً من إقرار القانون، وهو المشروع الذي دعمه أعضاء جمهوريين أخرين في مجلس الشيوخ.
وبحسب موقع "جست ذا نيوز"، فإن كروز، اعتبر في مشروع قانونه أن "الإخوان المسلمون منظمة إرهابية، وهي تقدّم الدعم لفروع الإخوان التي تُعد بدورها منظمات إرهابية. إحدى تلك الفروع هي حركة حماس، التي ارتكبت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أسوأ مذبحة بحق اليهود في يوم واحد منذ الهولوكوست، بما في ذلك قتل وخطف ما لا يقل عن 53 أميركيا".
كذلك أعاد النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، ماريو دياز-بالارت، والنائب الديمقراطي عن ذات الولاية، جاريد موسكوفيتز، طرح "قانون تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية لعام 2025"، معتبرين أنه "يُطبّق استراتيجية حديثة جديدة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين العالمية كمنظمة إرهابية". إذ قال دياز-بالارت إن "للإخوان المسلمين العالميين فروع إقليمية عديدة، بما في ذلك منظمات إرهابية مثل حماس، وهم ينشرون العنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ولهذا السبب، من الضروري، لحماية المصالح الأمنية القومية الأميركية، أن نمنع وصول أموال أميركية لدعم أنشطة الإخوان الخطيرة، وأن نمنع أعضاء الجماعة من دخول الولايات المتحدة"، فيما اعتبر موسكوفيتز إن "الإخوان المسلمين لديهم سجل موثّق في الترويج للإرهاب ضد الولايات المتحدة وحلفائها ومجتمعنا".
واقترح المشروع ثلاثة مسارات متوازية للتصنيف: إقرار من الكونغرس بموجب "قانون مكافحة الإرهاب" لعام 1987، يليه تصنيف رسمي من وزارة الخارجية "منظمة إرهابية أجنبية"، ثم إدراجها على قائمة "الإرهاب العالمي"، وهو ما سيؤدي إلى تجميد أصول الجماعة في الولايات المتحدة وحظر أي تعاملات مالية أو خدمية معها من المواطنين الأميركيين.
هل يتمكن ترمب من المضي قدماً؟
على رغم زخم التحرك الأميركي في شأن تصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية، الذي أعاد معه ملف العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وحركات الإسلام السياسي، التي راوحت ما بين الانفتاح في عهود مختلفة أبرزها عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والمواجهة المباشرة مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي تتهم التنظيم بدعم فصائل مسلحة على غرار "حماس"، فإن قدرة الإدارة الأميركية الراهنة على المضي قدماً في توجهها فضلاً عن التحديات الدستورية والقانونية الأميركية التي قد تواجهها، تبقى أسئلة شائكة من دون إجابات واضحة بعد، لا سيما مع عدم قدرة الرئيس ترمب على إتمام الخطوة خلال ولايته الأولى (2017/2021).
يقول الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية بمجلة السياسة الدولية المصرية، عمرو عبدالعاطي "تبقى التعقيدات القانونية والدستورية وعدم التوافق بين الحزبين الكبيرين فضلاً عن قدرة تحديد تصنيف الجماعة ذاتها والمؤسسات التابعة لها التحدي الأكبر لمضي الرئيس ترمب وإدارته في اتخاذ مثل تحرك كهذا"، موضحاً في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "تشير التجربة الأميركية بخصوص تصنيف جماعة أو تنظيم على القائمة السوداء للإرهاب إلى أن الأمر يمكن أن يتم عبر أكثر من مسار، الأول هو أن يصدر الرئيس أمراً تنفيذياً بهذا الشأن إلا أن مثل هذا الخيار يصطدم مع احتمالية نقضه من قبل المحاكم الأميركية حال تعارضه مع الدستور والقوانين الأميركية".
ويتابع عبدالعاطي "يبدو أن هذه المرة يحاول الرئيس الأميركي وأعضاء من الحزب الجمهوري في الكونغرس أن يكون القرار نابعاً من الكونغرس ذاته حتى لا يقع في مصيدة النقد أو الإلغاء من قبل المحاكم الأميركية، إلا أنه حتى هذه الحال تواجه صعوبة الآن في ضوء الانقسام الأميركي بين الحزبين وعدم وجود انسجام وتوافق كامل على المضي قدماً في الخطوة تجاه التيارات الإسلامية"، مشيراً إلى تحد آخر يتمثل في "الصعوبة الكبيرة في تحديد الجماعة والمؤسسات التابعة لها، فصلاً عن مدى تعارض الأمر مع السياسة الخارجية الأميركية، لا سيما أن بعض تيارات الإخوان يشاركون في السلطة أو السياسة بصورة رسمية في بعض البلدان حول العالم... فكيف ستتعامل الحكومة الأميركية مع تلك الدول"، مرجحاً أن يشمل القرار الأميركي مؤسسات وجمعيات بعينها وليس الجماعة "إذ هناك صعوبة كبيرة في ضوء معطيات الداخل الأميركي على استصدار قرار مثل هذا ضد الجماعة في الوقت الراهن" على حد تعبيره.
كلام عبدالعاطي توافق مع ما طرحه وزير الخارجية الأميركي ماركو وربيو في أغسطس (آب) الماضي، حين كشف عن أن إدارة الرئيس ترمب تجري مراجعة بصدد تصنيف "الإخوان" منظمة "إرهابية"، قائلاً في مقابلة صحافية رداً على سؤال حول "لماذا لا تصنفون (الإخوان المسلمين) و(مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية) (كير اختصاراً) منظمتين إرهابيتين"، إن "هذا قيد الإعداد"، موضحاً أن هناك فروعاً مختلفة لجماعة الإخوان، لذا "يجب تصنيف كل فرع منها منظمة إرهابية". إلا أن روبيو تحدث في الوقت ذاته عن التحديات القانونية التي حالت حتى الآن دون فرض عقوبات على "الإخوان المسلمين"، متوقعاً أن يحصل طعن في هذا التصنيف في المحكمة، لأنه "يمكن لأي جماعة أن تقول: حسناً، أنا لست إرهابية حقاً"، مضيفاً "عليك إظهار أوراقك عند مثولك أمام المحكمة".
وبحسب روبيو، فقد أشار إلى أن هناك "عملية داخلية" تتضمن "إجراء مراجعة، وتوثيقها وتبريرها" بغية "التأكد من صحة الأمر"، مضيفاً "نحن متورطون في مئات ومئات الدعاوى القضائية من مختلف الأنواع، كل ما تحتاج إليه هو قاضٍ فيدرالي واحد، وهناك كثير بينهم، على استعداد لإصدار أوامر قضائية على مستوى البلاد، ومحاولة إدارة البلاد من على منصتها، لذا علينا أن نكون حذرين للغاية". وتابع "نحن نراجع باستمرار الجماعات التي نحددها على حقيقتها: داعمون للإرهاب، وربما إرهابيون أنفسهم، أياً كان، لم نفعل هذا منذ فترة طويلة، لذا أمامنا كثير لنكمله، وقد ذكرت بعض الأسماء خصوصاً جماعة (الإخوان المسلمين) التي تثير قلقاً بالغاً".
وعن زخم التوقيت والجهود الأميركية، أوضح عبدالعاطي أنه "مرتبط بالسياق السياسي في الداخل الأميركي ومنطقة الشرق الأوسط، لا سيما أنه يتزامن مع ضغوط أميركية من أنصار تيار اليمين المحافظ والداعين إلى مناهضة تنامي ظاهرة معاداة السامية".
وخلال الفترة الأخيرة تناولت كثير من مراكز الفكر والصحافة الأميركية تقارير تتحدث عن ضرورة تصنيف الإخوان "إرهابية"، فتحت عنوان "كيف يستولي الإخوان المسلمون على أوروبا"، كتبت صحيفة "فري برس" تحليلاً استند إلى تقرير مسرب صادر عن وزارة الداخلية الفرنسية خلص إلى أن "استراتيجية الإخوان تقوم على فرض هيمنة أيديولوجية عبر التغلغل في المجتمع المدني تحت غطاء الأنشطة الدينية والتعليمية".
كذلك نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري معهد دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية، الذي يقول إنه "ملتزم محاربة معاداة السامية في ميدان الأفكار"، تقريراً بعنوان "التغلغل الاستراتيجي للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة"، كشف ما قال إنه "دراسة شاملة وتفحص الحملة الاستراتيجية المتعددة الأجيال التي يشنها الإخوان لتحويل المجتمع الغربي (خصوصاً الولايات المتحدة) من الداخل، عبر ما تصفه وثائقهم الداخلية بالصراع الحضاري (الجهاد)"، معتبرة أنه "على خلاف التهديدات الإرهابية التقليدية تستغل هذه الاستراتيجية الحريات والمؤسسات الديمقراطية لتحقيق أهداف مناهضة للديمقراطية جوهرياً، في شكل متطور من التطرف غير العنيف يستهدف الديمقراطيات الغربية".
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نشر مركز الأبحاث المحافظ مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) تقريراً تحدث عن "التطرف الهادئ: الوجوه المتعددة للإخوان المسلمين"، وقال إن "اتباع نهج أكثر منهجية تجاه جماعة الإخوان بات متأخراً جداً"، معتبراً أن "الأفكار التي تحرك حركة ’حماس‘ ليست فريدة، فهي جزء من التراث الفكري المشترك للإخوان، وقد انتشرت هذه الأفكار بعيداً من الإخوان أيضاً، وألهمت تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرهما من المنظمات القاتلة"، معتبراً أن "على المستوى العالمي يشكل الإخوان بوابة إلى الإرهاب، إذ يضخون في أتباعهم العقائد الدينية والكراهية التي تبرر العنف، وأكثر الأعضاء تصميماً ينتقلون لاحقاً إلى تشكيل جماعات منشقة أو ينضمون فرادى إلى منظمات إرهابية".
أي تأثيرات مرتقبة في الجماعة؟
على رغم حال الانقسام والتشرذم التي تعانيها جماعة الإخوان المسلمين على مدى العقد ونيف الماضيين، لا سيما بعد إطاحتهم من السلطة في مصر عام 2013، فإن تجنب الدول الغربية والولايات المتحدة اتخاذ أي خطوات فعلية لملاحقة الجماعة وعناصرها منح أنشطتها وبعض قاداتها "ملاذاً آمناً"، مما يعني أن أي خطوة أميركية لتصنيفها "إرهابية" تمثل "ضربة قاسمة للتنظيم"، وفق بعض المراقبين.
ويعرب الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية منير أديب عن اعتقاده أن "قرار تصنيف الجماعة منظمة إرهابية سينعكس ليس فقط على وجود التنظيم في الولايات المتحدة أو المجلس الأميركي الإسلامي (كير)، ولكن سيمتد بآثاره وتبعاته إلى الوجود الفعلي للإخوان في قارة أوروبا، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط وبلد المنشأ مصر"، موضحاً في حديثه إلينا "طوال الأعوام الماضية كان الإخوان يعيشون على رئة الدعم من العالم الخارجي وتحديداً من دول أوروبا والولايات المتحدة، إذ وفرت هذه الدول جميعاً ملاذاً آمناً للتنظيم، وأنفق بعضها على بعض الأنشطة الخاصة بالتنظيم، ربما بدعوة أو مسمى مراكز حقوقية ومنصات إعلامية في دول متعددة حول العالم، وذلك تحت أعين الولايات المتحدة".
ووفق أديب فإن القرار الأميركي في هذا الشأن "سيؤثر في قدرة وبقاء التنظيم بأكمله وقد يقود في النهاية إلى تفكك التنظيم، ويبقى فقط تفكك الفكرة التي تعمل كثير من المؤسسات الفكرية والدينية والثقافية والتعليمية فعلاً على تفكيكها وإنهائها"، مشيراً إلى أنه وعلى رغم تصنيف ’الإخوان‘ منظمة إرهابية في كثير من الدول العربية، فإن الجماعة "لم تتأثر بصورة كبيرة بسبب أن هناك دولاً كثيرة أوروبية وفرت حاضنة لهم وكذلك الولايات المتحدة".
وأوضح أديب أن "أي قرار أميركي في هذا الشأن لن يقتصر على الولايات المتحدة، إذ ستتبعه قرارات مماثلة من بعض الدول الغربية كبريطانيا، التي كانت إحدى الدول البارزة في توفير ملاذ آمن للجماعة طوال الأعوام الماضية"، معرباً عن اعتقاده أن توقيت الزخم الأميركي الراهن على رغم مرور أكثر من 80 عاماً على تأسيس الجماعة (أُسست في مصر عام 1928) مرتبط "بالإدراك الأميركي بأن ’الإخوان‘ باتت تمثل خطراً ليس فقط على المصالح الأميركية بل على الحلفاء أيضاً، لذا فقد حان الوقت لوضعها على قوائم الإرهاب".
في المقابل يقلل الباحث في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي من التأثير الضخم للقرار الأميركي، قائلاً في حديثه معنا "قبل الحديث عن تأثير أي قرار في شأن الإخوان، علينا أن نسأل أولاً مدى قدرة مثل هذا القرار في ضوء التحديات والمصاعب والتباينات في الداخل الأميركي في شأنه، فضلاً عن القدرة على تعريف وتحديد المؤسسات والأشخاص المنتمين لها وهو أمر في غاية الصعوبة"، موضحاً "طوال الأعوام الماضية، وعلى رغم بعض الضغط والمطالبات العربية لواشنطن وغيرها من العواصم الغربية بتصنيف الجماعة منظمة إرهابية، وإدراك تلك الدول ضرورة الخطوة، فإنها في النهاية لم تتمكن من المضي قدماً فيها"، مشيراً إلى أنه في الحال الأميركية "الأمر يحتاج إلى توافق من الكونغرس لإحداث تبعات فاعلة حتى لا يتم نقضه من المحاكم الأميركية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع فرغلي "هناك أمر آخر يبدو صعباً للغاية في الوصول إليه، وهو إثبات انتماء الأشخاص أو المؤسسات لجماعة الإخوان المسلمين"، موضحاً "يمكنك تصنيف مؤسسة أو أخرى أنها منتمية للجماعة، لكن ماذا عن المؤسسات والجمعيات والمنظمات الكثيرة المتفرعة عنها، وماذا عن احتمالية عمل ذات المؤسسة تحت اسم آخر، كيف يمكنك إثبات هذا الأمر"، وأضاف "النقطة الأخرى تتمثل في كيفية التعاطي مع فروع الجماعة المشاركة في الحكم أو السياسية في كثير من الدول حول العالم، كما الحال بالنسبة إلى المغرب والجزائر والسنغال وبنغلاديش وغيرها".
وعلى رغم تأكيده وجود آثار وتداعيات قوية قد تطاول الجماعة وأنشطتها وتمويلها، يقول فرغلي "ما من شك أن هذا القرار سيؤثر في الجماعة، لا سيما في ما يتعلق بتقليص أنشطتها ومصادر التمويل لها ومراقبة وحظر أشخاص ومؤسسات تعمل تحت مظلتها"، إلا أنه عاد وقال إن "الشبكة المعقدة التي تعمل عبرها الجماعة وأفرعها تصعب من نجاعة مثل هذه القرارات".
وأوضح فرغلي "منذ أعوام ويدرك ’الإخوان‘ وقادتهم أن الغرب ودول المنطقة باتت ترفض بصورة كلية مسمى الإخوان ذاته، وعليه عملوا خلال الأعوام الماضية عبر أدوات متنوعة وشبكة لا مركزية تنقسم بصورة رئيسة إلى أضلع، الأول متعلق بالتمويل الاقتصادي والمتمثل في الشركات الخاصة والشراكات والأسهم والبنوك وغيرها، والثاني بالتنظيم الميداني من شبكة الجمعيات والمؤسسات الثقافية والدينية والمعاهد الدراسية والمجالس الإفتائية وغيرها"، ويضيف فرغلي "تتمثل الأفرع الثلاثة الأخرى في الجانب الاستقطابي والدعوي، والمتمثل في المؤسسات الدعوية المنتمية للجماعة، وضلع المستقلين المتمثل في الأفراد المنتسبين للجماعة من الخارج، فيما يتمثل الضلع الأخير في مجلس شورى الجماعة ومكتب الإرشاد، وهذا الضلع تقلص في بعض الدول، وغير موجود في الولايات المتحدة".
ويقلل فرغلي من قدرة الدول الغربية والولايات المتحدة على "إثبات تلك الارتباطات والشبكات المعقدة للجماعة، فضلاً عن القدرة على منع كل هذه الأفرع الممتدة عبر شبكات لا حصر لها في كثير من دول العالم، وعدم عملها في بعض الأحيان تحت اسم الإخوان، بل تحت أسماء مستعارة قد يصعب إثباتها"، على حد تعبيره.
وأُسست جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا في مصر عام 1928، بهدف إقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة، وطوال العقود اللاحقة ألهمت الجماعة عدداً كبيراً من التنظيمات المتطرفة، ويرجع كثيرون أفكار العنف داخل الجماعة إلى أحد أبرز منظريها وهو سيد قطب، الذي أصل للعنف في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي، إذ ألهمت دعوته "للجهاد" كثيراً من التنظيمات المتطرفة حول العالم.