ملخص
في أعقاب نتائج استطلاع رأي أجراه "المركز الأورشليمي للشؤون الخارجية والأمنية"، أظهر أن 80% من الإسرائيليين ضد إقامة دولة فلسطينية، حملت جهات إسرائيلية عدة حكومة تل أبيب مسؤولية مباشرة لتداعيات تعزيز وتعميق المواقف اليمينية الرافضة لتسوية سلمية.
"سياسة الكماشة التدميرية"، هي صفة جديدة أطلقها بعض الإسرائيليين معارضي سياسة الحكومة اليمينية المتطرفة الرافضة للسلام والماضية في مشاريعها ومخططاتها لإحباط أي تقدم أو حتى مجرد حديث حول إقامة الدولة الفلسطينية، بل إنها تحول الفلسطينيين في بلدات الضفة وفي المخيمات إلى لقمة سائغة للمستوطنين وهدف لفرض استيطانها وسيطرتها على مزيد من الأرض.
والمقصود في "سياسة الكماشة التدميرية" أن الحكومة الإسرائيلية تمنح الضوء الأخضر والدعم وحماية الجيش للمستوطنين في شن هجماتهم ضد الفلسطينيين في الوقت نفسه تصادر السلطات أراضي الفلسطينيين، والنتيجة "تحقيق الهدف بإشعال فتيل الصراع في المنطقة وتقويض أي إمكان للتوصل إلى حل سياسي، في ظل الضغوط الأميركية والعربية لتسوية القضية الفلسطينية والتوجه نحو إقامة الدولة". وترى الجهات التي تحذر من سياسة الحكومة الإسرائيلية أن نتيجة هذه السياسة ستكون كارثية ضد الإسرائيليين، أولاً.
حذر معارضو الحكومة الإسرائيلية من تداعيات تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يسرائيل كاتس التي عكست موقفاً ثابتاً للحكومة برفض أي مسار يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، ليس فقط على الوضع في أمن إسرائيل إنما المنطقة برمتها. وبحسب ما أكد مسؤول أمني فإن هذه السياسة ستكون كارثية على إسرائيل وستفقدها كل ما حققته من إنجازات خلال الحرب الأخيرة. واعتبر أن الأخطر في الموقف الإسرائيلي الرافض للدولة الفلسطينية هو تعميق عزلتها في العالم، ويتوقع سياسيون أن تعيد توتر العلاقة أيضاً مع واشنطن والرئيس الأميركي دونالد ترمب.
تصريحات نتنياهو وكاتس وغيرهما من وزراء ونواب حول رفض إقامة الدولة الفلسطينية لم تعد مقتصرة على مجرد أحاديث، إنما تم فرضها على الأرض، حيث تعمل الحكومة على أكثر من مسار في آن واحد وأبرزها السيطرة على الأرض الفلسطينية وتكثيف المشاريع الاستيطانية التي لا تعزز الاستيطان فحسب، بل إنها تواصل تقسيم البلدات الفلسطينية وعزلها عن بعضها بعضاً لفرض واقع يمنع تواصل مساحات واسعة من البلدات الفلسطينية ومضاعفة معاناة السكان.
الأشهر الأخيرة شهدت اعتداءات مكثفة ومتواصلة من قبل المستوطنين ومن يسمون "شباب التلال" ومجموعات من اليمين المتطرف، وعلى رغم ما توعد به نتنياهو من عمل ضد هؤلاء فإن ما ينفذ على الأرض هو عكس ذلك، حتى إن وزيره كاتس قدم مساعدة مباشرة للمستوطنين عندما منع محققي الشاباك من إمكان اعتقالهم إدارياً إلى جانب إبقاء فرق عسكرية ثابتة ترافقهم وتحرسهم عندما ينفذون اعتداءاتهم.
وأمام هذا الوضع، وكما يرى المتخصص السياسي عكيفا الدار "يمكن لنتنياهو أن يوقف الإرهاب اليهودي الذي نراه في الضفة، لكنه لا يريد" ويضيف "إذا كان ترمب وشركاؤه يريدون إنجاح مبادرة السلام وهم معنيون حقاً بالدفع قدماً بحل سياسي وتطبيع فإنه محظور عليهم الاكتفاء بإرسال قوة استقرار إلى غزة، من المهم أكثر هو وضع قوة كهذه في الضفة الغربية".
الفرصة الضائعة
من جهة أخرى وفي أعقاب نتائج استطلاع رأي أجراه "المركز الأورشليمي للشؤون الخارجية والأمنية" أظهر أن 80 في المئة من الإسرائيليين ضد إقامة دولة فلسطينية حملت جهات إسرائيلية عدة حكومة تل أبيب مسؤولية مباشرة لتداعيات تعزيز وتعميق المواقف اليمينية الرافضة لتسوية سلمية. ويقول مدير المركز ساغيف شتاينبرغ "إن كنا في الماضي قد سلكنا طريق الدبلوماسية على أمل أن تقودنا إلى خطوة سلام مقابل تنازلات وتسويات، فإن صدمة السابع من أكتوبر ستظل محفورة لأكثر من جيل. فالجمهور يفهم، اليوم، أن الأمن يسبق كل شيء، حتى قبل الحلول الدبلوماسية".
لكن هذا الموقف يواجه بموقف آخر يرى أن الوقت الحالي هو الأنسب للسلام. المستشرق آفي شيلون يقول إن "المشكلة في أن إسرائيل تفضل التركيز على مخاوفها من قيام دولة فلسطينية ومنع إقامتها بدلاً من إدراك أن الوقت الحالي هو الأنسب لعملية السلام من حيث ضعف الفلسطينيين واستعدادهم للإصلاح، ومن حيث الاعتراف الدولي بحاجات إسرائيل الأمنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى شيلون أنه "ما دام إسرائيل لا تسعى إلى قيادة الطريق نحو الاتفاقات، بل تستمر في التمتع بإنجازاتها العسكرية، فستخسر أيضاً مطالبها أمام واشنطن. فالافتقار إلى استراتيجية دبلوماسية شجاعة، نابع من وجهة النظر التي ثبت فشلها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والقائلة إن الحل مع الفلسطينيين يمكن أن يتم تخطيه وأن السلام يمكن أن يتحقق في الشرق الأوسط، يمكن أن يذكر باعتباره الفشل الأعظم للحرب".
ويحذر شيلون من تداعيات استمرار السياسة التي تتبعها الحكومة وفي الوقت نفسه يشير إلى أن "الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بعد انتهاء الحرب يبدو مخادعاً، فما نعده مشكلة وخطراً هو في الواقع ميزة وفرصة، والعكس صحيح".
المعتدون اليهود تهديد استراتيجي
الاعتداءات المستمرة والمكثفة للمستوطنين واليمين المتطرف على فلسطينيي الضفة واقتحام بيوتهم وحرق ممتلكاتهم وحقول الزيتون وتدمير أراضيهم تثير نقاشاً إسرائيلياً في ظل ما يتضح من سياسة "يد الحرير" التي تتبعها الشرطة ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المسؤول عنها إلى جانب وحدات الجيش وحرس الحدود الذين يوجدون في المكان لدعم ومساندة المعتدين اليهود.
أكثر من أمني وسياسي حذروا من غض نظر الحكومة عن هذه الأعمال لما تشكله من تداعيات خطرة، أولاً وقبل كل شيء على إسرائيل، وفق ما يرى لواء احتياط غيرشون هكوهين الذي أشار بداية إلى أهمية إعادة طرح مطلب إقامة دولة فلسطينية في حدود 67 ليتصدر الساحة الدولية.
يقول هكوهين "إسرائيل ترى بإقامة الدولة الفلسطينية تهديداً وجودياً بأخطار أكبر حتى من النووي الإيراني. ولإحباط هذا التهديد الذي قد يعمل عليه مباشرة حتى الرئيس ترمب، فإن إسرائيل ملزمة بأن تتصرف بتصميم، بتفكر محسوب وبدعم جماهيري واسع". ويحذر من استمرار ما سماها "أعمال الشغب" التي تنفذها مجموعات مستوطنين ومتطرفين "هذه الأعمال تعرض للخطر قدرة إسرائيل على الصمود في صراعها في سبيل حقوقها بالقدس وفي أرجاء مناطق في الضفة. صحيح أن هذه مجموعة صغيرة لا تزيد على بضع مئات، لكن الضرر الذي تلحقه جسيم".
من جانب آخر يرى أنه عندما يكون التأييد الواسع ضرورياً لصمود الحكومة في وجه الضغط الدولي، فإن أعمال الشغب تقوض أساس دعم الغالبية الإسرائيلية مشروع الاستيطان في المناطق. في كل ما يتعلق بالساحة الدولية فإنها تسرع المعارضة لاستمرار السيطرة الإسرائيلية على كل أرجاء الضفة الغربية. في هذه النظرة، فإن جماعات المشاغبين، في أعمالهم العنيفة ضد مدنيين فلسطينيين تشكل تهديداً استراتيجياً على المصالح الحيوية للأمن القومي الإسرائيلي".