ملخص
أكدت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مجدداً التزامها بالتنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا، فيما حثت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي على "ممارسة الضغط الدبلوماسي اللازم على الحكومة الفيدرالية الإثيوبية لوقف الأعمال العدائية، والوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق والعودة لحوار بناء".
طالبت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الحاكمة في إقليم تيغراي الفيدرالي شمال إثيوبيا، كلاً من الولايات المتحدة الأميركية ومنظمتي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي للتدخل وإيقاف مسار انهيار اتفاق بريتوريا للسلام الموقع بينها وبين الحكومة المركزية في أديس أبابا. وقالت الجبهة في ثلاث رسائل رسمية وجهتها في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، إن "الحكومة الإثيوبية نفذت هجوماً مباغتاً ضد قوات الدفاع التيغراوية بطائرات مسيرة، ما خلف عدداً من القتلى من العسكريين والمدنيين وتدمير ممتلكاتهم، وذلك في انتهاك صارخ لاتفاق السلام الموقع في بريتوريا".
وقال رئيس الجبهة ديبريتسيون جبريميكائيل إن الحكومة الفيدرالية انتهكت اتفاق الحرب وتسببت في أضرار جسيمة، مشيراً إلى أن الهجوم الجوي تبعته نيران مدفعية ثقيلة في مناطق راكاتا وديديربا في منطقة رايا، واصفاً الأمر بأنه "استفزازات عسكرية مفتوحة" لشن حرب جديدة في إقليم تيغراي.
وذكرت الرسالة أنه خلال زيارة عمل قام بها أخيراً الفريق تاديسي وريدي، رئيس الحكومة الموقتة لتيغراي، إلى جنوب الإقليم، شنت جماعة مسلحة تعمل من منطقة عفار، بدعم من الحكومة الفيدرالية، أعمالاً عدائية تهدف إلى عرقلة الزيارة وتعريض وفد الرئيس للخطر، ما أسفر عن سقوط ضحايا.
وأكدت الجبهة مجدداً التزامها بالتنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا، وحثت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي على "ممارسة الضغط الدبلوماسي اللازم على الحكومة الفيدرالية الإثيوبية لوقف الأعمال العدائية، والوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق، والعودة لحوار بناء".
من جهتها أصدرت الحكومة الموقتة لتيغراي تحذيراً في شأن التطورات الأخيرة على طول حدود تيغراي - عفر، معتبرة أنه يقوض اتفاق بريتوريا للسلام، متهمة كل الجهات الفاعلة في منطقة عفر والحكومة الفيدرالية بشن هجمات منسقة، والاخلال بالتزاماتها المتصورة عليها في اتفاق بريتوريا. وفي البيان الصادر في الثامن من نوفمبر الجاري، قالت الحكومة الموقتة لتيغراي إن قواتها ظلت تعمل في إطار الدستور الإثيوبي الذي يضع خطوطاً واضحة في ما يخص حدود الأقاليم الفيدرالية، ومع ذلك لفتت إلى أن "هجمات متكررة" شنتها جماعات مسلحة تعمل في عفر على قوات تيغراي، زاعمة أن هذه القوات الغازية "منظمة ومسلحة" من الحكومة المركزية. وذكر البيان أن الحكومة الموقتة، لم تكشف عن الحوادث السابقة بسبب رغبتها في حل المشكلات الداخلية من خلال التفاوض بعيداً من الإعلام، واحتراماً للعلاقات طويلة الأمد بين شعبي عفر وتيغراي، وأكدت التزامها بحفظ الأمن والاستقرار في الحدود المشتركة الإقليميين الفيدراليين.
ويأتي تجدد التوتر بعد أن أصدرت حكومة إقليم عفار بياناً في الخامس من نوفمبر الجاري، اتهمت فيه قوات أمن تيغراي بالعبور إلى أراضي عفار وتنفيذ هجمات.
تصعيد عسكري
في الثالث من نوفمبر الجاري كان المشير بيرهانو جولا، رئيس أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، قد استغل الذكرى الخامسة لاندلاع الحرب في منطقة تيغراي لإدانة ما وصفه بـ"زمرة صغيرة" داخل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بشدة، وحذر بيرهانو من أنه "يجب القضاء" على هذه الزمرة، كي تعيش إثيوبيا في سلام، وحث شعب تيغراي على أن "يحرر نفسه ممن سماها الزمرة الضالة وأن يقرر مصيره"، كما ناشد شباب وأمهات تيغراي مباشرة "رفض" القيادة التي اتهمها بإثارة الاضطرابات. وقال إن "الاستفزازات" و"التحدي" و"المؤامرات" المزعومة التي ارتكبها فصيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، كانت كافية لشن عمل عسكري، لكن الحكومة الفيدرالية اختارت "ضبط النفس" بدلاً من ذلك.
ورفض رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ديبريتسيون جبريميكائيل تلك الاتهامات واصفاً اياها بأنها "عارية عن الصحة"، مشيراً إلى أن "ثمة رغبة من الحكومة المركزية في أديس أبابا لتعقيد المشكلات الداخلية وتحويل تيغراي إلى ساحة معركة جديدة"، ومحذراً من أن مثل هذه الأعمال تهدد أمن المنطقة واستقرارها. واتهم الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد "بالفشل في تنفيذ اتفاق بريتوريا بصورة صحيحة"، ما يهدد بتقويض الثقة وإطالة معاناة المدنيين، ومؤكداً أن تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك ترسيم الحدود الدستورية والعودة الآمنة للنازحين من تيغراي، يجب أن يستأنف "فوراً". وأضاف "من الواضح أن فشل الحكومة الفيدرالية في تنفيذ اتفاق بريتوريا بالكامل يقوض عملية السلام، ويضعف ثقة الجمهور، ويطيل معاناة شعبنا، وينذر هذا التقاعس بإعادة إشعال الصراع، وتهديد السلام في إثيوبيا والمنطقة ككل والتسبب في دمار متجدد".
دعم المسلحين
من جهة أخرى اتهمت الحكومة الموقتة لتيغراي، ما يعرف بـ"جماعة قوة السلام في تيغراي"، وهو تنظيم مسلح منشق عن قوات الدفاع التيغراوية، بتنفيذ هجمات منسقة على قوات تيغراي. وقالت الحكومة إن المجموعة التيغراوية الناشطة داخل إقليم عفر المحاذي، تنفذ هجمات متتالية في مناطق بيرهالي، وحثت كلاً من حكومة إقليم عفر والسلطات الفيدرالية على "التحرك بسرعة لمنع التصعيد"، مؤكدة التزامها بالحوار، وداعية المسلحين إلى العودة لتيغراي والسعي إلى حلول سلمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت تقارير صحافية أن الاشتباكات بين قوة سلام تيغراي وقوات الدفاع التيغراوية وقعت للمرة الأولى في أوائل يوليو (تموز) الماضي بالقرب من حدود عفر - تيغراي، إذ تدخل شيوخ القبائل لوقف القتال، ووقعت الاشتباكات بعد أن أعلنت الجماعة المسلحة دخول إقليم تيغراي من قاعدتها في عفر في الأول من يوليو 2025، مما أثار مخاوف من تصعيد عسكري في المنطقة التي مزقتها الحرب.
وفي أواخر يونيو (حزيران) الماضي، دعا الفريق فيسيها كيدانو رئيس مكتب أمن تيغراي، "القوات في عفر إلى العودة لديارها"، واتهم "الحكومة الفيدرالية بدعم القوات" في منطقتي عفار وأمهرة، وكذلك في مناطق تسيلمت في غرب تيغراي، إذ تتهم الحكومة التيغراوية العقيد ديميكي زيودو، بتدريب ونشر آلاف من العناصر المسلحة في الحدود المشتركة بين عفار وتيغراي.
حروب الوكالة
بدوره رأى المتخصص في الشأن التيغراوي سلمون محاري أن التطورات الأخيرة تنذر بإجهاض اتفاق بريتوريا للسلام، بخاصة إثر الهجمات التي شنها الجيش الفيدرالي عبر طائرات مسيرة، مشيراً أن ذلك يشكل تطوراً خطراً للأحداث. وأوضح أن الاشتباكات السابقة ظلت محصورة بين جماعات تيغراوية متمردة على الحكومة الموقتة في تيغراي، والمدعومة من الفصيل المعارض والحكومة المركزية في أديس أبابا وبين وقوات الدفاع التيغراوية، إلا أن استخدام الجيش النظامي، لمسيرات يشير إلى أن حكومة آبي أحمد قررت الدخول مباشرة إلى حرب مفتوحة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، مما يمثل خرقاً واضحاً لاتفاق السلام. ولفت محاري إلى أن مؤشرات التصعيد بدأت بصورة معلنة في الثالث من نوفمبر الماضي عندما صرح قائد الأركان أن حكومته تسعى إلى القضاء على من سماها "زمرة ضالة" تتحكم في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في إشارة إلى الحزب الحاكم بقيادة ديبريتسيون جبريميكائيل، ما يضع اتفاق بريتوريا في مهب الرياح. وأضاف أن الاتفاق الذي جرى توقيعه في الرابع من نوفمبر 2022، يدين أي تحرك عسكري لحسم القضايا الخلافية بين الطرفين، وأن اللجوء للقوة، في ظل تراجع اهتمام الإدارة الجمهورية في واشنطن، بالشأن الإثيوبي خصوصاً والأفريقي بصورة عامة، يقرع أجراس الحذر من إمكان تجدد الصراع الدامي في تيغراي.
وتابع محاري "ما يضاعف من حجم الأخطار، أن الصراع لم يعد محلياً، بخاصة في ظل تشكل تحالفات دولية وإقليمية جديدة، إذ لا تخف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحالفها مع النظام الإريتري، فيما عقد رئيس الوزراء الإثيوبي اتفاقات دفاع مشترك مع كينيا، فضلاً عن تحالفه مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ما قد يحول إقليم تيغراي إلى ساحة حرب بالوكالة، بخاصة في ظل تدهور العلاقات الإريترية - الإثيوبية على خلفية مطالبة الثانية بمنفذ بحري عبر السواحل الإريترية، وتحالف أسمرة مع القاهرة". وتابع المتخصص في الشأن التيغراوي أن الهجوم الأخير الذي شنه الجيش النظامي الإثيوبي، يهدف إلى توجيه رسالة لأسمرة أكثر من سعيه إلى تحقيق أهداف عسكرية ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
كما يتزامن الهجوم مع نشر الحكومة المركزية في أديس أبابا، تقارير صحافية عن حصول جماعات متمردة في إثيوبيا على دعم عسكري من السودان، ما يكشف عن البعد الإقليمي للحرب المحتملة في إقليم تيغراي.
حرب إقليمية
من جهته رأى المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون أن لجوء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بجانب حكومة الولايات المتحدة، يكشف عن عدم رغبتها في تصعيد الموقف عسكرياً، بخاصة في ظل تضعضع قوتها العسكرية وتراجع الشرعية السياسية والقانونية لإدارتها الموقتة، مشيراً إلى أنه خلال الأشهر الستة الماضية، شهد الإقليم مجموعة كبيرة من المسيرات السلمية المطالبة بإنهاء سيطرة الجبهة على مقاليد الحكم في تيغراي، الذي طال أمده لأكثر من 34 سنة. ودلل المتحدث على ذلك بالانشقاق الكبير الذي حدث على مستوى قيادة الجبهة، وانقسامها إلى فصيلين، إذ انشق الرئيس السابق للإقليم ونائب رئيس الجبهة جيتاشوا ردا، وأسس حزباً موالياً للحكومة المركزية في أديس أبابا، برفقة عدد من قيادات الصف الأول للجبهة الحاكمة في تيغراي. وأضاف غيدوان أن من المهم ملاحظة أن الفصيل المنشق عن الجبهة يمثل قيادة شبابية لم يشارك معظم منتسبيها في النضال الثوري الذي استمر 17 عاماً (1991/1974)، لكنه أبلى بلاء حسناً في حرب تيغراي الأخيرة (2022/2020) ومن ثم فإنه أكثر قرباً من الفئات الشبابية، بما في ذلك منتسبي قوات الدفاع التيغراوي، ما ينذر بانشقاقات داخل الجيش التيغراوي في حال قيام حرب جديدة.
ورأى المحلل السياسي الإثيوبي أنه على رغم إعلان مجموعة جيتاشوا رداً عن سعيها إلى تجنيب تيغراي حرباً جديدة، فإنه من المرجح أن تصطف بجانب الجيش النظامي في حال قيام الحرب بين الجيش الإثيوبي وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في حين من المحتمل أن تحظى الجبهة بدعم كبير من الجيش الإريتري. وقال إنه على رغم المرارات القائمة بين إريتريا وتيغراي على خلفية الحرب الأخيرة التي تحالف فيها الجيش الإريتري مع نظيره الإثيوبي، فإن التحالف الجديد الذي يحمل اسم "ظمدو" أي "تآلف"، بين النظام الحاكم في أسمرة وقيادة الجبهة، يشير إلى إمكان تحول أية حرب محتملة إلى حرب إقليمية. وأشار المتحدث نفسه إلى أن التقارب الإريتري - المصري، في مقابل الانتقادات اللاذعة التي توجهها وسائل الإعلام الإريترية المقربة من النظام، ضد إثيوبيا وحلفائها الإقليميين، يشير إلى أن أسمرة قد تدفع بقواتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أية حرب جديدة في إقليمي تيغراي والعفر، بجانب اتهامات إثيوبية متكررة عن تورط أسمرة في دعم جماعات متمردة في إقليم الأمهرة. ورجح بيهون أن يتدخل المجتمع الدولي وبخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بجانب حكومة الولايات المتحدة باعتبارها ضامنة اتفاق بريتوريا، لتجنيب المنطقة مزيداً من الحروب.