Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحل الأميركي لإطعام غزة... هل هو أول التدويل؟

قررت واشنطن منح مهمة الإشراف على المعونات إلى مركز "تنسيق المهام" عبر "حزام إنساني" مثير للشكوك

اشتكت المنظمات الدولية من عدم قدرتها على تلبية أبسط حاجات الغزيين المنهكين من الحرب والمجاعة (أ ف ب)

ملخص

بحسب الخطة الأميركية، فإن عملية إدخال المساعدات الإنسانية لغزة تحولت من وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية إلى مركز التنسيق المدني العسكري، ويأتي هذا القرار مع تكثيف المساعي من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

خلال وقت تشكي المنظمات الدولية من صعوبة توصيل المعونات للغزيين الجوعى الفقراء، نشر مركز تنسيق المهام المدنية والعسكرية الخاص في غزة مقطع فيديو يتهم فيه عناصر حركة "حماس" بنهب شاحنات الغذاء. بعد يوم من الحادثة سحبت الولايات المتحدة صلاحية الإشراف على المساعدات من إسرائيل وأوكلت المهمة لنفسها والدول الشريكة معها في غرفة المهام.

عندما توصلت إسرائيل و"حماس" لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حسب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، تضمنت خريطة الطريق بنداً ينص على إدخال المعونات الإنسانية فوراً إلى غزة عبر خمسة معابر، على أن يسمح يومياً بمرور 600 شاحنة مساعدات من مختلف الأصناف.

على أرض الواقع، لم تلتزم إسرائيل بإدخال المعونات الإنسانية لغزة بحسب ما هو مُتفق عليه، وفرضت عراقيل كبيرة أمام المنظمات الدولية الإغاثية، وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك بسبب عدم التزام "حماس" بتسليم جثث الرهائن في الموعد المحدد.

ترك عدم إدخال المساعدات لغزة أثراً سيئاً على السكان، فالغزيون يعانون مجاعة كبيرة، وارتفاعاً غير منطقي في أسعار السلع، يترافق مع أزمات اقتصادية لا حصر لها، وتحولت المعونات إلى طوق نجاة ينقذ حياتهم، لكن مع توقف إطلاق النار لم تتحسن جودة حياتهم ولا يزالون يعانون نكبات مختلفة بسبب العراقيل الإسرائيلية.

اشتكت المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة من عدم قدرتها على تلبية أبسط حاجات الغزيين المنهكين من الحرب، ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن السلطات الإسرائيلية تضع عقبات أمام إيصال المساعدات الإنسانية.

معونات شحيحة

على المعابر الحدودية مع القطاع، تنتظر 6000 شاحنة تابعة للأمم المتحدة الموافقة الإسرائيلية لدخول غزة، تحمل مواد غذائية وخياماً ومستلزمات إيواء تكفي السكان لمدة ستة أشهر.

يقول المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة "على رغم الحاجة الماسة لتلك المعونات تواصل إسرائيل منع إدخالها، 95 في المئة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الأممية تحرمهم تل أبيب منها".

من جانبه، يقول الناطق باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رائد النمس إن "عدداً واسعاً من مناطق قطاع غزة لا تصل إليها المساعدات الإنسانية مطلقاً، وهي رفح والمناطق الشرقية لمدينة خان يونس ومناطق شمال القطاع".

ويضيف "المساعدات التي تُدخل حالياً لا تفي بالاحتياج الكبير الناتج من عامين من الحرب، وما خلفته من مجاعة".

 

بلغة الأرقام، يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "تقدم 22 منظمة إغاثة إنسانية معونات قليلة للغزيين، ولكن يضيق عليها من قبل إسرائيل التي تعرقل إدخال المساعدات وتشل حركتها بصورة ممنهجة".

ويضيف "منذ بدء وقف إطلاق النار أدخلت إسرائيل نحو 24 في المئة من إجمال عدد شاحنات المساعدات المفترض وصولها إلى غزة، المتوسط اليومي لدخول الشاحنات التجارية والمساعدات يبلغ 145 شاحنة فحسب، من أصل 600 شاحنة يفترض دخولها يومياً".

ويوضح الثوابتة "مجموع ما وصل غزة من وقود بلغ 115 شاحنة من أصل 1100، مما يعني أن نسبة ما وُرد فعلياً 10 في المئة من الكميات المتفق عليها، وهو ما يعكس استمرار سياسة التضييق والتعطيل المتعمد لإمدادات الطاقة الحيوية التي يحتاج إليها القطاع".

واشنطن تراقب

تزامناً مع هذه الشكاوى الكثيرة حول القيود الإسرائيلية على إدخال المساعدات، بدأت طائرات مراقبة أميركية تتبع مسار شاحنات المعونات القليلة التي تدخل غزة، ورصد مركز تنسيق المهام المدنية والعسكرية حادثة نهب لتلك الأغذية القليلة.

وداخل مدينة كريات غاد جنوب إسرائيل والقريبة من غزة، افتتحت الولايات المتحدة برفقة 40 دولة مركزاً لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وأطلقت عليه اسم "مركز تنسيق المهام المدنية والعسكرية"، ومنه تراقب القطاع وتعرف حاجات سكانه الإنسانية والغذائية، وأيضاً تتبع مسار الخروق والتدخل العسكري.

أثناء العمل في مركز المهام، رصدت الطائرات الأميركية التي تحوم فوق غزة عناصر يشتبه في انتمائها إلى حركة "حماس" يقومون بعملية نهب إحدى شاحنات المساعدات الإنسانية المتجهة إلى مدينة خان يونس، وبسرعة اعتبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن ذلك يعرقل الجهود الدولية الرامية لتوصيل المساعدات الحيوية إلى المدنيين، وعلق "’حماس‘ تشكل عائقاً أمام إيصال المساعدات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نفت الحركة سرقة أية معونات، يقول متحدثها حازم قاسم "الاتهامات الأميركية لا أساس لها من الصحة، إنها محاولة لتبرير تقليص المساعدات الإنسانية المحدودة أصلاً، ولتغطية عجز المجتمع الدولي عن إنهاء الحصار المفروض على القطاع وتجويع المدنيين".

بحسب الباحث في المجال الإنساني علي الأعور، فإن توقيت الاتهامات الأميركية يأتي في ظل وضع إنساني بالغ الصعوبة في قطاع غزة، ومحاولة لإدخال تغييرات في آلية إدخال المساعدات أو إشراف جهات دولية جديدة عليها، وخلق ضغط دولي وأممي على كيفية توزيع المساعدات وإشراف الأطراف المختلفة على العملية الإنسانية".

بالفعل، بعد الشكاوى من القيود الإسرائيلية المفروضة على المعونات، واتهام "حماس" بنهب غذاء المدنيين، سحبت الولايات المتحدة مهمة الإشراف على إدخال المساعدات الإنسانية لغزة من إسرائيل وأوكلتها لغرفة تنسيق المهام.

يقول قائد فريق الغرفة باتريك فرانك "لدينا قرابة 200 من أفراد القوات الأميركية، من ذوي الخبرة في مجالات النقل والتخطيط والأمن واللوجيستيات والهندسة، سنسهم في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية واللوجيستية والأمنية من الشركاء الدوليين إلى داخل القطاع".

بحسب الخطة الأميركية، فإن عملية إدخال المساعدات الإنسانية لغزة تحولت من وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية إلى مركز التنسيق المدني العسكري، ويأتي هذا القرار مع تكثيف المساعي من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

ويضيف فرانك "مركز المهام سيراقب أمن القوافل ويضمنه من خلال مراقبة الطائرات المسيرة لضمان عدم اعتراض ’حماس‘ للشاحنات، الهدف هو إيصال جميع المساعدات إلى غزة في غضون 90 يوماً".

 

يستند القرار الأميركي على "خطة ترمب" للسلام والتي تتضمن زيادة هائلة في حجم المساعدات وتولي الولايات المتحدة إدارة القطاع، ولتنفيذ القرار شاركت وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية في اجتماع عقده مركز التنسيق المدني العسكري لدراسة الموضوع.

لقيت فكرة إشراف الولايات المتحدة على إدخال المساعدات الإنسانية لغزة ارتياحاً لدى المنظمات الدولية والأممية، إذ يقول الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيجلاند "إسرائيل تعرقل البنود الإنسانية لخطة ترمب، انخراط الولايات المتحدة في نشاط المساعدات خبر سار للغاية، ندعو إلى جعل الخطة حقيقة".

سوابق أميركية

في الواقع هذه هي المرة الثالثة التي تتدخل فيها الولايات المتحدة على أرض الواقع في شأن مساعدات غزة، كانت الأولى عندما أقامت الميناء العائم قبالة سواحل القطاع ولكنه فشل، أما الثانية فكانت عندما أسست مركز المساعدات الإنسانية الأميركي داخل مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيل باسم "مؤسسة غزة الإنسانية"، لكن هذا المشروع تسبب في قتل عدد كبير من الجائعين. لكن كيف تسهم الولايات المتحدة هذه المرة في إدخال المساعدات الإنسانية لغزة؟

تخطط الولايات المتحدة لإنشاء ما يسمى "حزام غزة الإنساني" من طريق إنشاء 16 مركز مساعدات على امتداد الخط الأصفر الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية داخل غزة.

ومن المقرر أن يذهب الجائعون إلى تلك المراكز المنتشرة على طول الخط الأصفر لجمع الغذاء، وهذا يشبه نظام عمل "مؤسسة غزة الإنسانية" التي قتل بسببها آلاف الجائعين.

قد تعارض الأمم المتحدة والمنظمة الدولية ومنظمات إغاثة هذا النموذج للتوزيع، لأنه يعني عسكرة المساعدات وإجبار السكان على النزوح وقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام من أجل جلب الطعام، وهو ما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني.

يقول الباحث الاجتماعي محمد أبو علي "هذه محاولة لإقصاء الأمم المتحدة و’الأونروا‘، إذ خلال وقت يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه تتصاعد محاولات تدويل غزة".

ويضيف أبو علي "تحاول واشنطن إعادة تعريف المشهد الإنساني في القطاع بما يتناسب مع خطتهما لما بعد الحرب، لكن تتمسك الأمم المتحدة بشرعية دورها، إقصاء ’الأونروا‘ يمهد لتفكيك المنظومة الأممية لمصلحة ترتيبات سياسية جديدة تهدف إلى فرض وصاية طويلة الأمد على القطاع تحت لافتة الإغاثة الإنسانية".

لكن الباحث السياسي تيسير العبد يقول إن "إدارة ترمب لا تثق في تقارير إسرائيل، ولا بسياستها في إدخال المساعدات، وتريد أن تتولى هذا الأمر بنفسها للمساعدة في تثبيت الهدنة. قد يطرأ تحسن على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة كماً ونوعاً خلال المرحلة المقبلة إن حدث ذلك".

ويضيف "للمرة الأولى منذ تأسيس دولة إسرائيل تتدخل إدارة أميركية عملياً وعلى الأرض في الشؤون الداخلية، وتحدد لتل أبيب ما يجب فعله وما لا يجب، وعلى رغم العلاقات المتينة بين الطرفين فإن إسرائيل لم تعتد على هذا النوع من التكبيل والتقييد".

أما الباحثة في الشؤون الدولية ميساء غنام فتقول "هذه خطوة لجعل غزة أميركية ضمن مساعي تدويل القطاع، بدلاً من سيطرة ’حماس‘ وإسرائيل على تلك البقعة المهمة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات