Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"معاداة السامية" تكشف عن صدع أعمق في تيار ترمب

من المفارقات أن القضية نفسها التي فرقت بين اليسار المتطرف والحزب الديمقراطي أصبحت اليوم تشطر اليمين المتطرف والحزب الجمهوري

  تفاقمت الصراعات في المؤسسات اليمينية والحركة المحافظة مع تبني ترمب لأشخاص وآراء كانت تُعتبر في السابق على هامش سياسة الجمهوريين (رويترز)

ملخص

اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك أدى إلى ترك فراغ في القيادة داخل التيار اليميني، ما فتح الباب أمام تنافس شديد بين التيارات الأكثر تطرفاً. فلطالما حاول كيرك إبعاد أتباع نيك فوينتيس عن منظمته الشبابية "تيرنينغ بوينت"، وكثيراً ما كان فوينتيس يهاجم كيرك، واصفاً إياه بـ "الأحمق". ووصف الكاتب المحافظ ورئيس تحرير مجلة "ناشونال ريفيو "السابق سام تاننهاوس، المشهد بأنه صراع على الشرعية والهوية والقوة الثقافية داخل اليمين.

في جامعة "أولي ميس" في ولاية ميسيسيبي الأميركية، واجه جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي، الأسبوع الماضي، سؤالاً محرجاً من طالب عندما سأله "أنا فقط محتار لماذا هناك فكرة بأننا مدينون لإسرائيل بشيء؟". السؤال الذي أثار الجدل بعد الفعالية لاعتبار البعض أنه يميل نحو معاداة السامية، بينما اعتبره آخرون سؤالاً مشروعاً حول السياسة الخارجية الأميركية. 

غير أن الجدل الأبرز تعلق بهوية السائل أو بالأحرى انتمائه، فالفعالية التي نظمتها مؤسسة "تيرننغ بوينت" المحافظة وبطبيعة الحال فأغلب الحاضرين من الطلاب يكونوا من تيار "ماغا" اليميني الداعم للرئيس الأميركي دونالد ترمب. لكن سؤال الطلاب ليس بمعزل عن صورة أوسع يتزايد فيها الاتهامات لبعض من أبرز تيار "ماغا" بمعاداة السامية بسبب انتقاداتهم لإسرائيل بشأن حرب غزة. 

فقبل ذلك السؤال، أجرى المذيع الأميركي اليميني والمحسوب على تيار "ماغا" توكر كارلسون، مقابلة مثيرة للجدل في برنامجه الصوتي (البودكاست) مع الناشط اليميني المتطرف نيكولاس فوينتيس، الذي يروج لوجهات نظر تفوق العرق الأبيض وكراهية النساء ومعاداة السامية، وخلال اللقاء قال إن من بين "الحراس" داخل التيار المحافظ الذين يجب إزالتهم هم "هؤلاء اليهود الصهاينة"، وعلى مدار الحلقة هاجم الشاب صاحب الـ27 سنة، اليهود وقال إنهم "غير قابلين للاندماج"، وأشار إلى أنه من وجهة نظره لا يمكن فصلهم عن إسرائيل

الشق يتوسع

المقابلة أثارت ردود فعل غاضبة وإدانات داخل الحزب الجمهوري، فكانت تصريحات الشاب اليميني المتطرف كفيلة لإثارة خلاف وشق عميق داخل الحزب الجمهوري، فكبار قادة الحزب مثل السيناتور ميتش ماكونيل والسناتور تيد كروز وجوش هاولى ومايك جونسون أدانوا بشدة استضافة كارلسون له، وقال كروز خلال قمة التحالف اليهودي الجمهوري في لاس فيغاس: "إذا جلست مع شخص يقول إنه يعتقد أن أدولف هتلر كان رائعاً جداً، وأن مهمته هي محاربة وهزيمة 'اليهودية العالمية' ولم تقل شيئاً، فأنت جبان ومتواطئ في ذلك الشر". وأشار كروز إلى أنه على رغم تصاعد معاداة السامية في صفوف اليسار، فإنه "خلال الأشهر الستة الماضية رأيت معاداة للسامية في اليمين أكثر مما رأيت في حياتي كلها".

وكتب السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هوكابي، في منشور على منصة "إكس"، إن "منح منصة لفوينتس والحصول على نصائح حول المسيحية منه يشبه سؤال هانيبال ليكتر عن وصفات الطبخ. مشاهدة هذه المقابلة المربكة كانت أشبه بمشاهدة 'ربيع هتلر'.. لكن تُعرض كحوار جاد بدل الكوميديا. إنه أمر مشوّه!". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخلاف امتد ليشمل مؤسسة التراث "هيرتدج فاونديشن"، وهي مؤسسة فكرية محافظة بارزة، بعد أن دافع رئيسها كيفن روبرتس، عن المذيع الأميركي، قائلاً إنه يرفض بعض آراء فوينتس لكن كارلسون "صديق مقرّب لمؤسسة هيرتيدج"، وأضاف أنه بينما معاداة السامية خطأ، لكن المحافظين لا يحتاجون أن يدعموا إسرائيل دائماً. وأثارت تصريحات روبرتس أيضاً احتجاجات داخل المؤسسة البحثية العريقة، واستقال ما لا يقل عن خمسة أعضاء من فريق عمل مكافحة معاداة السامية في المؤسسة، كما غادر الزميل البارز كريس ديموث المؤسسة. وأمس الخميس، أعلن الزميل الزائر الكبير ستيفن مور أيضاً استقالته من منصبه. 

ووصف تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ وأعلى عضو يهودي رتبة في الكونغرس، تصريحات روبرتس بأنها "مقلقة للغاية". وقال مات بروكس، الرئيس التنفيذي لـ الائتلاف اليهودي الجمهوري، في تصريح لموقع جويش إنسايدر، إنه كان "مذعوراً، ويشعر بالإهانة، ومشمئزاً".

لحظة حاسمة من الاختيار

ويتوقع مراقبون أن تترتب على هذا الاضطراب آثار تتجاوز مجرد وظيفة روبرتس. فالمؤسسة التي تأسست عام 1973، كانت حجر الزاوية في الحركة المحافظة والمحرك الفكري والسياسي وراء إدارة الرئيس الراحل رونالد ريغان. لكن تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إنه مع تحول حزب ريغان إلى حزب دونالد ترمب، اكتسبت مؤسسات فكرية أصغر نفوذاً لدى المانحين والمستشارين المقربين من الرئيس؛ وهذا العام، تم تجميد مسؤولي "هيرتيدج" إلى حد كبير من المناصب العليا. 

يعكس الخلاف داخل "هيرتيدج" صراعات أخرى في المؤسسات اليمينية والحركة المحافظة، التي تفاقمت بسبب تبني ترمب لأشخاص وآراء كانت تُعتبر في السابق على هامش سياسة الجمهوريين. وتأتي هذه الأزمة في وقت تزايدت الانتقادات الموجهة لإسرائيل ومظاهر معاداة السامية الصريحة داخل الأوساط اليمينية. فقد شهد ناشطون مثل نيك فوينتيس وكانديس أوينز ارتفاعاً في شعبية برامجهم الصوتية ومقاطعهم المرئية، ولا سيما بين المحافظين الشباب الذين يزداد تشكيكهم في فكرة وجوب وقوف الحزب الجمهوري إلى جانب إسرائيل ودعم حربها في غزة، في ظل أجندة الرئيس دونالد ترمب المعروفة بشعار "أميركا أولاً".

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن نيك فوينتيس وتطرفه العلني تسبب في إرباك الحزب الجمهوري لسنوات، بما في ذلك حين تناول العشاء مع ترمب والمغني ييه (الذي كان يُعرف سابقا باسم كانييه ويست) في منتجع مارالاغو عام 2022. والآن، كما يقول السيناتور تيد كروز، يواجه الحزب الجمهوري لحظة حاسمة من الاختيار. وقال كروز الأسبوع الماضي: "هذا سمّ، وأعتقد أننا نواجه أزمة وجودية في حزبنا وبلادنا".

تشارلي كيرك

وتضيف الصحيفة الأميركية أن اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك أدى إلى ترك فراغ في القيادة داخل التيار اليميني، ما فتح الباب أمام تنافس شديد بين التيارات الأكثر تطرفاً. فلطالما حاول كيرك إبعاد أتباع نيك فوينتيس عن منظمته الشبابية "تيرنينغ بوينت"، وكثيراً ما كان فوينتيس يهاجم كيرك، واصفاً إياه بـ "الأحمق" وغيرها من الإهانات. ومع غياب كيرك، بدأت أشكال من التعصب المشابه لما يروّج له فوينتيس تظهر بالفعل داخل المنظمة.

ووصف الكاتب المحافظ ورئيس تحرير مجلة "ناشونال ريفيو" السابق سام تاننهاوس، المشهد بأنه صراع على الشرعية والهوية والقوة الثقافية داخل اليمين. فكثيراً ما يهاجم فوينتيس المؤسسة الجمهورية التقليدية، وحتى مقابلته مع كارلسون كانت معتدلة نسبياً مقارنة بما يقوله عادة في برنامجه الخاص، حيث أدلى بتصريحات حادة جداً عن فانس وزوجته أوشا فانس، وهي أميركية من أصول هندوسية هندية. وتضمنت تعليقاته إشارات إلى "اختلاط الأعراق"، وسخرية من اسم ابنهما وحتى من وزن نائب الرئيس نفسه.

ويقول الكاتب المحافظ ريتشارد حنانيا إن العديد من الأفكار التي كانت تُعد هامشية في الماضي، مثل اعتبار الهجرة تهديداً خطيراً للمجتمع الأميركي ورفض التدخلات العسكرية الخارجية، أصبحت اليوم مواقف سائدة داخل الحزب الجمهوري. وأوضح أن كلاً من فوينتيس وكارلسون يُعدّان وريثين فكريين مباشرين للتيار الذي مثّله باتريك بوكانن، الذي رأى أن هناك نخبة إدارية فاسدة تقوض مصالح الطبقتين البيضاء العاملة والوسطى. وعلى رغم أن بعض المحافظين التقليديين يقولون إن هذا الموقف منفصل عن الآراء العنصرية أو المعادية للسامية التي ربما عبر عنها بوكانن، فإن حنانيا يرى أن "كل ذلك متداخل ومترابط".

ومن المفارقات، وفق "نيويورك تايمز"، أن القضية نفسها التي فرقت بين اليسار المتطرف والحزب الديمقراطي أصبحت اليوم تشطر اليمين المتطرف والحزب الجمهوري، وهي هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل والدمار الذي أعقب ذلك في غزة.

ويتمثل التحدي الآن بالنسبة للجمهوريين الذين يتنافسون على خلافة ترمب، في مدى قدرتهم على تجنب هوة السقوط في إغراء التقرب من التيار المتطرف لتعزيز ائتلاف يميني يشمل أقصى أطياف القومية الشعبوية، وبدلاً من ذلك التمسك بالعودة إلى وسط سياسي أقل أيديولوجية. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير