Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إقبال على 3 افلام فلسطينية في مهرجان تسالونيكي

فيلم إيراني صور بالسر وجزائري عن الذاكرة وتحية للسينما الفرنسية

من فيلم "ضوء لا ينطفئ أبداً" الذي يتنافس على الجائزة (ملف الفيلم)

ملخص

للدورة السادسة والستين، تتحول مدينة تسالونيك اليونانية إلى فضاء سينمائي رحب، مع انطلاق مهرجانها السنوي الذي يستمر حتى نهاية هذا الأسبوع. في سبع صالات تقع جميعها ضمن نطاق جغرافي محدود، تُعرض عشرات الأفلام على مدار 11 يوماً، لتغدو المدينة، خلال هذه الفترة، عاصمة للفن السابع. 

شهد مهرجان تسالونيكي في السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة: الجمهور يزداد عاماً بعد عام، وضيوف السينما صاروا أكثر تنوعاً، بينما تصل الأفلام من أقطار بعيدة وقريبة على حد السواء. هذا الحدث، الذي أصبح جزءاً من وعي المدينة منذ نحو سبعة عقود، رسّخ علاقة متينة بين المكان وسكانه، حتى بات المهرجان جزءاً من نسيج حياة تسالونيك الثقافي.

منذ لحظة فتح شباك التذاكر، يتسابق المشاهدون لحجز مقاعدهم، خصوصاً للأفلام التي سبق لها أن أطلقت صيتها أو تناولت قضايا تشغل الرأي العام. وقد سجلت ثلاثة أفلام فلسطينية تعرض في هذه الدورة نفاد جميع تذاكرها منذ بداية المهرجان، في إشارة إلى حساسية المدينة تجاه القضية الفلسطينية، حيث تحمل بعض جدرانها شعارات مؤيدة للطرف الأضعف.

تتألف مسابقة المهرجان لهذا العام من 12 فيلماً، تتنافس فيها أعمال من ألمانيا وفنلندا وبريطانيا وإسبانيا، إلى جانب أفلام البلد المضيف اليونان، على الجوائز المالية القيمة، بما في ذلك الجائزة الكبرى المعروفة باسم "الإسكندر الذهبي".

وعلى عكس المهرجانات الكبرى، يفضّل بعض المتابعين تجاوز المسابقة الدولية، والتفرغ لأقسام أخرى تعرض أبرز الأعمال السينمائية طوال العام، مثل قسم "آفاق مفتوحة". فالمسابقة، بطبيعتها، تشترط أن تكون الأفلام جديدة ولم تُعرض في مسابقات أخرى، ممّا يعني أن فرص الحصول على أروع الأفلام محدودة. إلا أن هناك استثناءات، كما هو الحال مع فيلم "ضوء لا ينطفئ أبداً"، العمل الأول للمخرج الفنلندي لوري ماتي باربي، الذي يأتي برؤية فنية متميزة من خلال تتبع الإنهيار الشخصي بوصفه نقطة انطلاق لاكتشاف الذات. يحكي الفيلم قصة باولي، عازف الفلوت البالغ من العمر 29 عاماً، الذي يجد نفسه بعد أزمة نفسية أمام سؤال الوجود: ماذا يبقى من الإنسان حين ينهار كل ما بُني حوله؟ يعود باولي إلى بلدته الصغيرة، ليواجه مجتمعاً يخنقه بقدر ما يوقظه. هناك يلتقي بمجموعة من الموسيقيين الهامشيين، فيتحولون إلى مرآة لحياته.

بين الدراما والفكاهة

 من خلال المزج بين الدراما والفكاهة، يقدم الفيلم صوتاً سينمائياً فريداً، بحيث يصبح العبث وسيلة للتطهر، والضحك شكلاً من أشكال المقاومة، هذا كله ضمن تجربة سينمائية تتسم بالعمق والحساسية في آن واحد.

وكان المهرجان استحدث في الآونة الأخيرة قسماً يحمل عنوان "تعرف على الجيران"، ليعرض أفلاماً من البلدان المجاورة جغرافياً لليونان. يشارك في هذه المسابقة 12 فيلماً، من بينها الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج الجزائري يانيس كوسيم، بعنوان "رقية"، الذي عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية. ينطلق الفيلم من حادث سير بسيط في ظاهره، ليصوغ من خلاله سؤالاً فلسفياً عميقاً حول الذاكرة والطبيعة البشرية للشر. الرجل الذي ينجو من الحادث يعود إلى منزله بوجه مغطّى بالضمادات وذهن خال من ماضيه، ليجد نفسه غريباً بين أفراد أسرته، بل وغريباً عن ذاته. لا يتعرف عليه ابنه، وتطارده أصوات غامضة بلغة مجهولة، كأنها صدى لما حُذِف عمداً من ذاكرته.

أما القسم الثالث التنافسي في المهرجان فهو مسابقة Film Forward الدولية، التي تعرض دزينة أخرى من الأفلام المتنوعة. يبرز ضمنها "1001 إطار"، وهو الأول للمخرجة الإيرانية الأميركية مهرنوش عليا، الذي صُور سراً وبلا ترخيص داخل إيران، وبمشاركة ممثلين غير محترفين، مما يمنحه طابعاً واقعياً يقترب من الوثائقي. صاغت عليا فيلماً هجيناً بين الوثائقي والروائي، يعيد مساءلة الحدود بين الحقيقة والتجسيد. يتناول الفيلم السلطة والتمثيل والجندر داخل الوسط السينمائي الإيراني. تحت غطاء فيلم عن تجربة أداء لدور شهرزاد في اقتباس حديث من "ألف ليلة وليلة"، تنسج المخرجة عملاً هجائياً يفضح ديناميات القوة بين المخرج والممثلة، هذه العلاقة التي لا تزال، رغم مظاهر التقدمية، تحمل ملامح الهيمنة الذكورية. يأتي هذا العمل في سياق المناخ الذي أفرزته حركة "أنا أيضاً" النسوية، وفي خضم الجدل حول قضايا التحرش وسرقة الأفكار في السينما الإيرانية، ليطرح تساؤلاً حاداً عن موقع المرأة في صناعة تدّعي التنوير، لكنها تكرّس التبعية التي تنتقدها.

لا يكتفي مهرجان تسالونيك بالقوالب التقليدية التي تعرض الأفلام تحت عناوين وفقرات محددة، إذ يسعى منظموه دائماً إلى ابتكار كل ما هو مستجد ومثير، لتحريك المياه الراكدة في عالم المهرجانات. ففي هذه الدورة، أطلّ علينا المنظمون بفكرة لا بأس بها، تجمع باقة من الأعمال القديمة التي تنطوي على ما يُعرف في فن السيناريو بـ"الالتفاف السردي" أو "المنعطف الدرامي"، وهي التقنية السينمائية التي تعبّر عن اللحظة المفصلية التي تغيّر مسار القصة وتكشف حقيقة جديدة تقلب فهم المشاهد لما سبق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الإطار، عُرضت دزينة أخرى من الأفلام يمكن مناقشة أهليتها لهذا القسم، من بينها "كلوز أب" للمخرج الإيراني الراحل عباس كيارستمي (1990)، الذي فور عرضه لهذا الفيلم حجز لنفسه مكانة رفيعة بين أقرانه، وفرض نفسه كأحد معلمي السينما المعاصرة. في هذا العمل، ينتحل شاب شخصية المخرج محسن مخملباف، فيحكي كيارستمي من خلاله قصة تبدو بسيطة، لكنها في الوقت ذاته تحمل تعقيداً استثنائياً في تأمل الشرط الإنساني بنظرة عطوفة.

أخيراً، شهد المهرجان تحية لفرنسيين يعود نشاطهما إلى زمنين مختلفين: الكاتب والمخرج مارسيل بانيول (1895–1974) والممثلة إيزابيل أوبير. الأول تمثّل حضوره في استعادة إثنين من أعماله الكلاسيكية، هما "زوجة الخباز" و"توباز"، فيما حضرت الثانية شخصياً وقدمت ندوتين سينمائيتين، إلى جانب عرض أحدث أدوارها في "أغنى إمرأة في العالم" لتييري كليفا، المستوحى من قضية بيتانكور التي هزّت فرنسا عام 2008، فجمع المهرجان بذلك بين إرث السينما الفرنسية والراهنة في إطار ثقافي متكامل.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما