Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديك تشيني... رحيل هادئ لصانع الحروب

كان القوة الدافعة وراء الغزو الأميركي للعراق ويصفه المؤرخون بأنه أحد أقوى نواب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة

لعب تشيني دوراً مركزياً في صياغة الاستراتيجية الأميركية عقب هجمات 11 سبتمبر (أ ف ب)

ملخص

خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس بين عامي 2001 و2009، سعى تشيني بقوة إلى توسيع صلاحيات الرئاسة، بعدما رأى أنها تقوضت منذ "فضيحة ووترغيت" التي أطاحت الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون. وعزز نفوذ مكتب نائب الرئيس عبر تشكيل فريق للأمن القومي الذي غالباً كان يُعد مركز قوة مستقل داخل الإدارة.

أعلنت عائلة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني في بيان الثلاثاء وفاته الإثنين عن 84 سنة، متأثراً بمضاعفات الالتهاب الرئوي وأمراض القلب والأوعية الدموية.

وقالت العائلة إنه رحل بسلام في منزله محاطاً بأفراد أسرته، بعد مسيرة سياسية امتدت لأكثر من أربعة عقود ترك خلالها بصمة عميقة في إدارة شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ويصف المؤرخون الرئاسيون تشيني بأنه كان قوة دافعة وراء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأحد أقوى نواب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

ونكس البيت الأبيض الأعلام، الثلاثاء، بعد وفاة تشيني، بينما التزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته الصمت إزاء وفاة السياسي الجمهوري.

وبحلول بعد ظهر الثلاثاء بالتوقيت المحلي، لم يصدر البيت الأبيض بياناً بشأن وفاة تشيني، كما لم يعلق ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولم تدل المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت سوى بتصريح مقتضب عن وفاة تشيني عندما سألها أحد المراسلين خلال مؤتمر صحافي. وقالت ليفيت "أعرف أن الرئيس على علم بوفاة نائب الرئيس الأسبق. وكما رأيتم، تم تنكيس الأعلام وفقاً للقانون".

في "البيت الأبيض"

كان تشيني الجمهوري، عضو الكونغرس السابق عن ولاية وايومنغ ووزير الدفاع السابق، شخصية بارزة في واشنطن عندما اختاره حاكم ولاية تكساس آنذاك جورج دبليو بوش نائباً له في الانتخابات الرئاسية عام 2000، والتي فاز بها بوش لاحقاً.

وخلال فترة توليه منصب نائب الرئيس بين عامي 2001 و2009، سعى تشيني بقوة إلى توسيع صلاحيات الرئاسة، بعدما رأى أنها تقوضت منذ "فضيحة ووترغيت" التي أطاحت بالرئيس السابق ريتشارد نيكسون. وعزز نفوذ مكتب نائب الرئيس عبر تشكيل فريق للأمن القومي الذي غالباً كان يعد مركز قوة مستقل داخل الإدارة.

 

ولد ريتشارد بروس تشيني في الـ30 من يناير (كانون الثاني) عام 1941 بمدينة لنكولن في ولاية نبراسكا، وبدأ مسيرته السياسية في سبعينيات القرن الماضي، حين عمل في البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس جيرالد فورد، فتولى منصب رئيس موظفي "البيت الأبيض"، قبل أن ينتخب لاحقاً عضواً في مجلس النواب عن ولاية وايومنغ لأكثر من 10 أعوام.

وفي نهاية الثمانينيات عين وزيراً للدفاع ضمن إدارة الرئيس جورج بوش الأب، فأشرف على حرب الخليج الأولى، وبرز حينها كأحد الوجوه القوية في المؤسسة الدفاعية الأميركية.

لكن ذروة نفوذه السياسي جاءت عندما أصبح نائباً للرئيس جورج دبليو بوش بين عامي 2001 و2009، خلال واحدة من أكثر الفترات حساسية في التاريخ الأميركي المعاصر، إذ قام تشيني بدور مركزي في صياغة الاستراتيجية الأميركية عقب هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، وكان من أبرز مهندسي ما عرف بـ"الحرب على الإرهاب" التي شملت غزو أفغانستان ثم العراق. وارتبط اسمه بسياسات الأمن الصارمة وتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية، فضلاً عن استخدام أساليب استجواب مثيرة للجدل في مكافحة الإرهاب.

وفي خاتمة ساخرة لمسيرته السياسية الحافلة، أدلى تشيني بصوته الأخير في الانتخابات الرئاسية عام 2024 لمصلحة المرشحة الديمقراطية الليبرالية كامالا هاريس، وهي زميلته في نادي نائب الرئيس، في انعكاس لكيفية تحول الحزب الجمهوري الشعبوي ضد محافظته التقليدية.

من وراء الكواليس

عانى تشيني أمراض القلب والأوعية الدموية معظم حياته، ونجا من سلسلة من النوبات القلبية، ليعيش حياة كاملة ونشطة، وقضى سنوات عدة في التقاعد بعد عملية زرع قلب عام 2012 التي وصفها خلال مقابلة عام 2014 بأنها "هدية الحياة نفسها".

وكان تشيني يتمتع بمسيرة مهنية مربحة في عالم الشركات عندما كلفه جورج دبليو بوش فحص المرشحين المحتملين لمنصب نائب الرئيس، وانتهى هذا المسعى بأداء تشيني اليمين الدستورية كرجل ثانٍ لرئيس جديد وصل إلى المكتب البيضاوي بعد انتخابات متنازع عليها مع المرشح الديمقراطي آل غور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن الصور الكاريكاتيرية التي تصور تشيني على أنه الرئيس الحقيقي لا تعكس بدقة الديناميكيات الحقيقية للدائرة الداخلية المحيطة ببوش، فإنه كان يستمتع بالنفوذ الهائل الذي مارسه من وراء الكواليس.

كان تشيني في البيت الأبيض، بينما كان الرئيس خارج المدينة صباح الـ11 من سبتمبر 2001، وفي اللحظة المرعبة التي ضربت فيها طائرة مختطفة ثانية مركز التجارة العالمي في نيويورك، قال تشيني إنه أصبح رجلاً مختلفاً، عازماً على الانتقام من الهجمات التي نفذها تنظيم "القاعدة"، وفرض القوة الأميركية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعقيدة المحافظين الجدد المتمثلة في تغيير النظام والحرب الاستباقية.

"في تلك اللحظة، أدركتُ أن هذا عمل متعمد. عمل إرهابي، هذا ما أستذكره عن ذلك اليوم"، هكذا وصف تشيني حاله في الـ11 من خلال مقابلة مع جون كينغ من شبكة "سي أن أن" عام 2002.

وتأمل تشيني خلال سنواته الأخيرة كيف أن الهجمات خلفت لديه شعوراً غامراً بالمسؤولية لضمان عدم تكرار مثل هذا الهجوم على الوطن، إلا أن التصورات القائلة إنه كان الدافع الوحيد وراء الحرب على الإرهاب والمغامرات الأميركية في العراق وأفغانستان مضللة.

من مخبأ عميق أسفل البيت الأبيض، أصدر تشيني أمراً استثنائياً بالسماح بإسقاط أية طائرات مختطفة أخرى في حال كانت متجهة إلى البيت الأبيض أو مبنى الكابيتول الأميركي.

حروب الظل

وبالنسبة إلى كثر، عززت رحلاته المتكررة إلى مواقع "غير معلنة" خارج واشنطن للحفاظ على سلسلة الخلافة الرئاسية صورته كشخصية قوية تشن حرباً سرية من الظل.

ولم تكن نظرته المتشددة والمثيرة للقلق لأمة تواجه تهديدات جسيمة استثناء في ذلك الوقت، بخاصة خلال فترة عصيبة شملت رسائل "الجمرة الخبيثة" وإطلاق النار من قبل قناصة حول واشنطن العاصمة، مما أدى إلى تفاقم الشعور بالخوف العام على رغم عدم ارتباطها بهجمات الـ11 من سبتمبر.

وأطلقت هجمات الـ11 من سبتمبر العنان للحرب الأميركية في أفغانستان للإطاحة بحركة "طالبان" التي كانت تؤوي تنظيم "القاعدة" على رغم فرار زعيمه أسامة بن لادن.

 

وسرعان ما بدأ تشيني يحرض على توسيع نطاق الهجوم الأميركي ليشمل العراق وزعيمه صدام حسين، وقامت تحذيرات نائب الرئيس العدوانية في شأن برامج أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، وارتباطاته المزعومة بتنظيم "القاعدة"، ونيته تزويد الإرهابيين بأسلحة فتاكة لمهاجمة الولايات المتحدة، بدور كبير في تمهيد الطريق للغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وأصبح تشيني رمزاً لتجاوزات حملات مكافحة الإرهاب وللافتراضات الخاطئة القاتلة وسوء التخطيط الذي حول غزو العراق الناجح في البداية إلى مستنقع دموي.

وغادر تشيني منصبه مكروهاً من الديمقراطيين، وبلغت نسبة تأييده 31 في المئة، وفقاً لمركز "بيو" للأبحاث.

وحتى نهاية حياته، لم يعرب تشيني عن أي ندم، وكان على يقين من أنه لم يفعل سوى ما كان ضرورياً للرد على هجوم غير مسبوق على البر الرئيس للولايات المتحدة الذي أسفر عن مقتل ما يقارب 2800 شخص وأدى إلى نحو عقدين من الحروب الخارجية التي قسمت الأمة وحولت سياساتها.

وأكد تشيني عندما واجهه تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عام 2014 الذي خلص إلى أن أساليب الاستجواب المعززة وحشية وغير فاعلة ومسؤولة عن الإضرار بالمكانة الأميركية في نظر العالم "سأفعل ذلك مرة أخرى في دقيقة واحدة".

وفي حديثه إلى شبكة "سي أن أن" عام 2015، قال "كان ذلك هو القرار الصائب آنذاك. كنتُ أؤمن به آنذاك، وما زلتُ أؤمن به الآن".

المزيد من الأخبار