Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق يعيد إلى الكويت بعض ذاكرتها… ماذا تبقى؟

خطوة جديدة في طريق إغلاق جراح الغزو على رغم تجدد السجالات بين حين وآخر

تسلّمت الكويت، اليوم، دفعة جديدة من ممتلكاتها التي كان النظام العراقي السابق قد استولى عليها أثناء فترة الغزو. (إعلام كويتي)

ملخص

أكد خبيران كويتيان في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية لـ"اندبندنت عربية" أن الخطوات التي اتخذها العراق مؤخرًا لإعادة جزء من الممتلكات والأرشيف الكويتي تمثل مؤشرًا على جدية بغداد في تنفيذ التزاماتها الأممية وتعزيز الثقة مع الكويت. 

بعد أكثر من ثلاثة عقود على الغزو العراقي للكويت عام 1990، ما زالت الملفات الإنسانية والممتلكات المفقودة تفتح صفحاتها بين البلدين، في مسارٍ طويل من إعادة الحقوق وبناء الثقة. وفي خطوة وُصفت بأنها "رمزية ومؤثرة"، تسلّمت الكويت، اليوم، دفعة جديدة من ممتلكاتها التي كان النظام العراقي السابق قد استولى عليها أثناء فترة الغزو، في إطار تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

الدفعة الجديدة، التي سُلّمت في مقر وزارة الخارجية الكويتية بالضاحية الدبلوماسية، ضمّت 400 صندوق تحتوي على كتب وأشرطة فيديو و"مايكرو فيلم" تعود ملكيتها إلى وزارة الإعلام الكويتية. وأقيمت مراسم التسليم بحضور ممثلين من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومسؤولين من وزارتي الخارجية في البلدين، وسط أجواء وُصفت بـ"الإيجابية" من الطرفين.

الكويت: التزام بالمسار الأممي وشكر للجهود العراقية

في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا)، قال مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية، الوزير المفوض عبد العزيز الجارالله، إن مراسم التسليم "تأتي في إطار التعاون المشترك بين الكويت والعراق، واستجابة لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة"، مشيداً بـ"الدور الإيجابي الذي تقوم به بعثة يونامي في متابعة وتنظيم عمليات تسليم الممتلكات الكويتية".

وأضاف الجارالله: هذه الدفعة تضم 400 صندوق تحتوي على كتب وأشرطة فيديو (مايكرو فيلم) تعود ملكيتها إلى وزارة الإعلام في الكويت، ونثمّن التعاون المستمر من الأشقاء في العراق، والجهود التي تُبذل للعثور على بقية الممتلكات والمحفوظات الكويتية".

وأكد التزام الكويت بالعمل المشترك لاستكمال تسلّم جميع الممتلكات والمحفوظات المتبقية، مرحباً بقرار مجلس الأمن رقم 2792 الصادر في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي نص على استمرار متابعة مجلس الأمن لملفي الأسرى والمفقودين الكويتيين والممتلكات الكويتية بعد انتهاء ولاية بعثة يونامي.

وشدّد الجارالله على أن الكويت "تدعم الممثل الأممي رفيع المستوى الذي عيّنه الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة هذه الملفات"، مؤكداً "حرص بلاده على التعاون الكامل لتحقيق المهام المنوطة به على أكمل وجه".

العراق: إصرار على إغلاق الملفات العالقة

من جانبه، قال وكيل وزارة الخارجية العراقية للشؤون متعددة الأطراف والقانونية، شورش سعيد، في تصريح مماثل لوكالة الأنباء الكويتية "هذه الدفعة من الأرشيف ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالحكومة العراقية مصرّة على تنفيذ جميع القرارات ذات الصلة، ومنها القراران 678 و2107".

وأضاف سعيد أن "العراق جاد في هذا الملف، سواء ما يتعلق بالأرشيف الأميري أو بملف المفقودين والأسرى"، مشيراً إلى أن "الاجتماعات بين الجانبين الكويتي والعراقي مستمرة وتتسم بالتواصل والإيجابية". وكشف أن اللجنة الفنية المعنية بترسيم الحدود ستجتمع منتصف الشهر الجاري بعد الانتخابات البرلمانية العراقية، في إطار استمرار التعاون الفني بين البلدين.

وتابع قائلاً إن "العراق يبذل جهوداً كبيرة مع الأشقاء في الكويت، ويحقق يومياً نجاحات ملموسة في هذا المجال، بما يؤكد الرغبة الصادقة في طي صفحة الماضي وتكريس علاقات حسن الجوار".

الأمم المتحدة: "يوم مشهود" في العلاقات بين البلدين

ووصف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس بعثة يونامي، السفير محمد الحسان، مراسم التسليم بأنها "يوم مشهود في تاريخ مستقبل العلاقات الكويتية– العراقية"، مضيفاً أن "هذه هي الأسس التي يفترض أن تقوم عليها العلاقات بين دولٍ جارة تحترم وتقرّ بعضها بعضاً".

وأضاف الحسان أن هذه الخطوة "تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين الشقيقين"، مؤكداً أن "أفضل العلاقات هي علاقات الدول المتجاورة، لا سيما الكويت والعراق، وما يربط الشعبين الشقيقين من وشائج وعلاقات طيبة".

الصدى في الكويت والعراق

قوبلت الخطوة بترحيب واسع في الكويت، حيث بأنها "حلقة جديدة في استعادة الذاكرة الكويتية المنهوبة"، وأن "استمرار العراق في إعادة الممتلكات يؤكد جدية بغداد في طي صفحة الماضي وبناء علاقات مستقبلية قائمة على الاحترام المتبادل"، وفقاً لوسائل إعلام كويتية.

وعلى منصة "إكس"، عبّر ناشطون كويتيون عن امتنانهم لما سموه "رد الجميل المتأخر"، مشيدين بـ"النهج الدبلوماسي الهادئ" الذي اعتمدته الكويت في معالجة هذا الملف المعقد. وكتب أحد المغردين: "الكويت لا تنسى حقها، لكنها تطلبه برقيّ الدولة واحترام الجار". 

في المقابل، تناولت وسائل الإعلام العراقية الحدث بنبرة تصالحية، معتبرة أن التسليم "يؤكد التزام بغداد بقرارات الشرعية الدولية". صحيفة "الصباح" الحكومية نقلت عن مصادر دبلوماسية قولها إن "استمرار التعاون مع الكويت يعزز ثقة المجتمع الدولي بدور العراق الجديد"، بينما أشارت مواقع أخرى إلى أن "الجهود المشتركة مع الكويت تمهد لحل ملفات إنسانية وقانونية شائكة".

وعلى مواقع التواصل العراقية، رأى مغردون أن الخطوة "تؤكد رغبة العراق في تحسين صورته إقليمياً"، بينما دعا آخرون إلى "تسريع إنهاء ملفات الأسرى والمفقودين لطيّ صفحة الماضي بشكل كامل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسائل سياسية هل تشمل "خور عبدالله"؟

يرى محللون أن تسليم الدفعة الجديدة من الممتلكات الكويتية يحمل أبعاداً رمزية عميقة تتجاوز الجانب المادي. فهي تمثل اختباراً مستمراً للعلاقات الثنائية التي قطعت شوطاً طويلاً نحو الاستقرار، و"إشارة إيجابية إلى التزام العراق بالقرارات الأممية ومسؤوليته التاريخية تجاه الكويت"، بحسب وصف الخبير الكويتي في العلاقات الدولية د. يوسف المطيري.

كذلك تعكس الخطوة استمرار "دبلوماسية التهدئة" التي تبنتها الدولتان منذ عام 2019، بعد عقود من الشكوك والحساسيات. ويُنظر إلى التعاون الأممي في هذا الملف بوصفه نموذجاً لإدارة الخلافات عبر الوسائل القانونية والدبلوماسية لا السياسية فقط.

وأكد خبيران كويتيان في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية لـ"اندبندنت عربية" أن الخطوات التي اتخذها العراق مؤخرًا لإعادة جزء من الممتلكات والأرشيف الكويتي تمثل مؤشرًا واضحًا على جدية بغداد في تنفيذ التزاماتها الأممية وتعزيز الثقة مع الكويت. وقال الدكتور فايز النشوان، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز الرؤية للدراسات الاستراتيجية، إن هذه الخطوة "تثبت جدية العراق في تنفيذ القرارات الأممية بشكل ودي، وتُظهر مدى حسن نواياه في تحسين العلاقات البينية بين الكويت والعراق"، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يسهم في "الشعور بالطمأنينة وترسيخ قواعد العلاقات بين البلدين". وأضاف النشوان أن العراق أثبت حسن نواياه أيضًا في ملفات أخرى مثل "البحث عن جثامين الأسرى والمفقودين وتسليم رفاتهم"، موضحًا أن "تلك المسارات ليست فقط دبلوماسية أو قانونية، بل تمتد إلى الجوانب الشبابية والرياضية والاجتماعية التي تعيد وصل ما انقطع بين الشعبين".

من جانبها، أكدت الدكتورة هيلة المكيمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، أن بلادها "ترحب بالجهود العراقية وبالتعاون مع الأمم المتحدة في تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرارين 678 و2107". وأوضحت أن إصدار مجلس الأمن قراره الأخير رقم 2792 لتعيين منسق رفيع المستوى لمتابعة قضيتي المفقودين والممتلكات الكويتية، "دليل على أهمية هذا الملف الذي يمثل ذاكرة الوطن"، معربة عن أملها في أن "يتوج التعاون الحالي بإعادة الأرشيف الوطني الكويتي بالكامل". وأضافت المكيمي أن هذه الخطوات "تعزز بناء الثقة بين البلدين وتسهم في ترسيخ علاقات متوازنة تنعكس إيجابًا على أمن المنطقة واستقرارها"، مؤكدة أن المرحلة المقبلة يجب أن تركز على "قضايا التنمية والرهان على المستقبل المشترك لشعوب الخليج والعراق".

مع كل دفعة جديدة من الممتلكات أو الأرشيف المستعاد، تتعمق قناعة الجانبين بأن المصالحة ليست حدثاً عابراً بل مساراً مستمراً. فبينما ترى الكويت في هذه الخطوات تأكيداً لاحترام سيادتها وذاكرتها الوطنية، يعتبر العراق أن الوفاء بالتزاماته الأممية يعيد ترميم الثقة مع جيرانه ومع العالم.

يأتي تسليم العراق دفعة جديدة من الممتلكات الكويتية في وقتٍ لا تزال بعض الملفات العالقة، مثل قضية ترسيم الحدود البحرية في خور عبدالله، تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.

ويُنظر إلى هذه الخطوة بوصفها مؤشراً عملياً على رغبة بغداد في استعادة الثقة مع الكويت وتهيئة مناخ أكثر إيجابية لمعالجة الملفات الحساسة المتبقية بروح التعاون. فبعد التوتر الذي أثاره قرار المحكمة الاتحادية العراقية في سبتمبر 2023 بإبطال اتفاقية خور عبدالله الموقّعة عام 2012، برزت الحاجة إلى مبادرات حسن نية متبادلة تُعيد الحوار إلى مساره الطبيعي.

 ومن هذا المنطلق، اعتبر مراقبون أن تسليم الأرشيف الكويتي قد يكون خطوة رمزية باتجاه ترميم العلاقات الثنائية، وفتح الباب أمام تسوية تفاهمية قائمة على احترام القرارات الدولية ومصالح البلدين المشتركة في الأمن البحري والاقتصادي.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات